تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فى ظلال الاية الكريمة : ﴿ جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ﴾


نور القمر
12-09-2021, 01:32 PM
إثبات الإرادة للجدار بنوعيها التعبدية والتصرفية
في قوله تعالى: ﴿ جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ﴾، وبيان أنها حقيقية مقيدة وليست مجازًا


الحمد لله رب العالمين؛ أما بعد:

فمن المشهور في أساليب العرب عند إطلاقاتهم اللغوية والعرفية أنهم يطلقون الإرادة ويكون مقصودهم ما تؤول إليه من الميل إلى الشيء أو مقاربته، وأحيانًا يطلقون الإرادة وتكون مقصودةً عندهم بذاتها، وفي كلا الأسلوبين لا بد أن تكون الإرادة حقيقيةً لا مجازية.



وفي قول الله: ﴿ جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ﴾ [الكهف: 77]، نجد أن الله قد أثبت للجدار إرادة، ولأن الله صادق في خبره، فلا بد أن تكون هذه الإرادة موجودةً حقيقةً لا مجازًا، وصدقًا لا كذبًا، يعلمها ربنا ونحن نجهلها، ولو أن مسلمًا أنكر إرادة الجدار من حيث الوصف المطلق، لكان إنكاره مقبولًا لغةً وعرفًا وشرعًا، لكن لو قيل له: إن للجدار إرادة حقيقية بالوصف المقيد، فقال: كيف ذلك؟ قلنا: للجدار إرادة يعلمها الله، ونحن نجهلها، فحينئذٍ لا يجوز له إنكار هذه الإرادة التي قيدناها بعلم الله لها، فإن هذه القيود هي مقتضى النصوص وإنكارها حرام له دركاته.



وقد تنازع الناس في هذه الإرادة التي نُسبت للجدار في هذه الآية؛ فكانت لهم أقوال ثلاثة:

الفريق الأول: وهم غلاة القائلين بالمجاز قالوا: ليس للجدار إرادة لا بالوصف المطلق، ولا بالوصف المقيد، ونفوها نفيًا قاطعًا، وقالوا: إنما هو جماد موات لا يريد شيئًا، ولا يسبح لله، وصرفوا الآيات الدالة على إرادة وتسبيح الأشياء الجمادية إلى المجاز، فنفوا بذلك حقيقة إرادتها التعبدية والتصرفية نفيًا مطلقًا ومقيدًا، وهذا الفريق غلط غلطًا فاحشًا.



الفريق الثاني: أثبتوا للجدار إرادة مقيدة من وجه ونفوها نفيًا كليًّا من وجه آخر، فقالوا: إن الجدار له إرادة تعبدية حقيقية فيما بينه وبين الله باعتباره مخلوقًا لله، فهو يسبح لله حقيقةً لا مجازًا، ويسجد، وغير ذلك، بكيفية لا نفقهها؛ واستدلوا لذلك بقول الله: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [الإسراء: 44]، قالوا: فهو بهذا الاعتبار له إرادة تعبدية لا نستطيع إنكارها، وأما الإرادة التصرفية فيما بينه وبين غيره من المخلوقات، فزعموا أنه ليس له إرادة من هذا الوجه، وردُّوا الأدلة النقلية والعقلية بالمجازات، وبكون الجدار من الجمادات المسخرة للناس، وقالوا: لو أثبتنا الإرادة التصرفية للجدار، لكان ذلك منافيًا للتسخير الذي امتن الله سبحانه على الناس؛ حين قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ [الجاثية: 13]، وذكروا أن الجمادات تدخل دخولًا أوليًّا في ذلك التسخير، فتلخص قولهم في أن الجدار أو جنس الجماد مريد فيما بينه وبين الله، وهو غير مريد فيما بينه وبين غيره من المخلوقات، والجواب عنهم أنهم أصابوا في جانب، وغلطوا في جانب، وغلطهم أنهم ظنوا أن التسخير ينافي الإرادة، وليس كذلك كما سنبينه؛ فهُمْ لم يفهموا الفرق بين إثبات الإرادة المقيدة، والتسخير المطلق، ولو أنهم نفَوا إرادة الجدار التصرفية نفيًا من حيث الإطلاق، لكان هذا مقبولًا باعتبار الظاهر فقط، ولكنهم نفَوها نفيًا وجوديًّا، فكان هذا غلطهم.



الفريق الثالث: قالوا: ليس للجدار إرادة من حيث الوصف المطلق؛ لأن هذا يتناقض مع التسخير، لكن للجدار إرادة باعتبار الوصف المقيد تصديقًا بخبر الله، وأثبتوا للجدار الإرادتين من حيث الوصف المقيد جمعًا بين نصوص الشرع، وهذا هو القول الصواب، والإرادة الأولى عندهم هي إرادة تعبدية حقيقية للجدار؛ فهو يعبد الله بالتسبيح وغيره، بكيفية غير معقولة بالنسبة لنا، وهذا لا نزاع فيه؛ لأنه مقطوع بنص التنزيل بقوله سبحانه: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ [الإسراء: 44]، والإرادة الثانية للجدار عندهم هي الإرادة التصرفية، وقالوا: هي إرادة حقيقية فيما بينه وبين المخلوقات، ولكنها تابعة لإرادة الله لا تخرج عن ذلك كما هو شأن الإرادات كلها، وإثبات الإرادة التصرفية لا ينافي التسخير، ولا يتناقض معه، بل يوافقه؛ فالتسخير لا يعني فقدان الإرادة تمامًا، وضربوا لذلك مثالًا؛ فقالوا: إن الله سخر الجمل للإنسان وهو من البدن؛ قال الله: ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ... كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ ﴾ [الحج: 36]، ومع ذلك التسخير نرى أن الجمل له إرادة تصرفية، وأحيانًا نجدها تعاكس إرادة الإنسان المسخر له، فهو يتمنع ويهيج ويشرد، ولا ينصاع، بل يقاتل صاحبه أحيانًا، وهو في كل ذلك لا يخرج عن التسخير، فدلَّ ذلك على أن التسخير ليس معناه انتفاء الإرادة، فهذا الجمل مسخر، وله إرادة، وكونه مسخرًا لا ينافي كونه مريدًا، بل يصح أن يقال: مسخر مريد، ولا تناقض في ذلك، ولا شك أن الجماد سخره الله تسخيرًا أعظم من تسخير الجمل وغيره، وليس معنى ذلك أنه لا إرادة له.



والرسول قد أخبر عن بعض الجمادات أنها تحب المؤمنين، وهم قد لا يعرفون عنها ذلك؛ فقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أحد جبل يحبنا ونحبه))[1]، والحب لا يكون إلا عن إرادة تصرفية؛ لأن كل محب هو مريد حقيقةً، وقد أخبرنا الله أن للسماوات والأرض والجبال شعورًا وإنكارًا تجاه من نسب لله الولد، وهذا لا يكون إلا عن إرادة؛ أي: مشيئة واختيار، ولو كانت هذه الإرادة المتمثلة في إنكار هذه المخلوقات العظيمة نسبة الولد إلى الله هي إرادة الله نفسه من دون اختيار لهذه المخلوقات، لَما امتدحها الله بقوله سبحانه: ﴿ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ﴾ [مريم: 90، 91]، فثبت أن هذه المخلوقات العظيمة استنكرت بمشيئتها واختيارها نسبة الولد لله، فأثنى الله عليها، فثبتت بذلك إرادتها بالمعنى الاختياري، وقد يقول قائل متأول: إن تفطُّرَ السماوات هو تفطر لمن فوقهن من الملائكة، لا تفطر السماوات بذاتها، فيكون جوابنا عليه وانشقاق الأرض وغضبها بمن يكون؟! وانهداد الجبال فوق من يكون؟! لا يمكنه التأويل هنا، وفي هذا يقول عبدالرحمن بن أسلم: "تنشق الأرض غضبًا لله"[2]، وغضبها ناشئ عن إرادة تخصها، ولولا أن الله يمنعها، لانشقت وبلعت من قال: إن لله ولدًا، وكذلك الجبال؛ قال ابن عباس: "تخر الجبال هدًّا؛ أي: هدمًا"[3]؛ أي: إنها تريد أن تنهدم فوق الزاعمين أن لله ولدًا، ولكن الله يمنعها من ذلك، فدلَّ ذلك على إرادتها التصرفية باختيارها، وأصل غلط النافين عن الجماد الإرادة أنهم رأوا الجماد مسخرًا تسخيرًا عظيمًا، فظنوا أنه فاقد للإرادة تمامًا، وليس كذلك كما أثبتناه بالمنقول والمعقول.




[1] صحيح الجامع الصغير وزيادته للعلامة الألباني (191).

[2] تفسير ابن كثير.

[3] تفسير ابن كثير بتصرف يسير.

بنت الشام
12-09-2021, 03:35 PM
يعطيييك العااافيه
لا عدمنا هالتميييز والابدااع ,,
بأنتظااار جديدك الجذاب والمميز..
فشكـــــرآ لك على هـــــذا آلطـــــــرح آلجميـل ..
تقــــديري وآحتــرآمي

Şøķåŕą
12-09-2021, 04:32 PM
تميز في الانتقاء
سلم لنا روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا عطائك
لكـ خالص احترامي

خالد الشاعر
12-09-2021, 04:54 PM
جزاكى الله خير الجزاء
ونفع بكِ على الطرح القيم
وجعله في ميزان حسناتكِ
وألبسكِ لباس التقوى والغفران
وجعلكِ ممن يظلهم الله في يوم لا ظل إلا ظله
وعمر الله قلبكِ بالأيمان

نور القمر
12-09-2021, 08:43 PM
منورين بمروركم العطر

мя Зάмояч
12-09-2021, 09:16 PM
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك

شيخة الزين
12-10-2021, 03:26 PM
جزاك الله من الخير اكثره
ومن العطـاء منبعـه
لاحرمنـا البآريء وإيـاك من واسع جنانـه

غلا الشمال
12-10-2021, 04:51 PM
جزاك الله خير الجزاء ونفع بك :kf1:

نور القمر
12-10-2021, 08:02 PM
منورين بمروركم العطر

عبد الحليم
12-11-2021, 10:04 AM
طرح يفوق الجمال
كعادتك إبداع في صفحآتك
يعطيك العافيه يارب
وبإنتظار المزيد من هذا الفيض
لقلبك السعادة والفرح
ودي..

نور القمر
12-11-2021, 04:18 PM
منورين بمروركم العطر

اميرة الصمت
12-13-2021, 06:15 PM
جزاك الله كل خير وجعلها في موازين حسناتك
يعطيك العافيه وسلم لنا طرحك القيم
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا عطائك

رُّوحي بروحهُ
12-14-2021, 02:50 AM
-




جزاك الله كل خير ..

Şøķåŕą
05-03-2023, 12:32 PM
_



جزاك الله كل خير ..
وَبارك الله فيك ولا حرمك الأجر
لك من الشكر أجزله.