نور القمر
11-22-2021, 02:01 PM
النهي عن السب والشتم
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإنه من محاسن الإسلام، ومقاصده العظام، تحسينُ الأخلاق، وتقويم السلوك، وتزكية النفوس، وتهذيب الطباع؛ قال تعالى:﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 - 10]، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق))[2].
وإنه من محاسن الأخلاق التي رغَّب فيها ديننا الحنيف صَوْنُ عن اللسان عن القبائح والمنكرات، وعن المعاصي والزلَّات؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخِلُ الناس الجنة، فقال: تقوى الله وحسن الخلق، وسُئل عن أكثر ما يُدخِل الناس النار، فقال: الفمُ والفَرْجُ))[3]؛ وذلك لأن الفم يصدر منه الكفر والغيبة والنميمة، ورميَ الغير في المهالك، وإبطال الحق، وإبداء الباطل وغير ذلك مما أشار إليه الشارع بقوله: ((وهل يُكِبُّ الناس على وجوههم - أو قال: على مناخرهم - إلاحصائد ألسنتهم))[4].
ولذلكم وجب على المؤمن أن يصون لسانه، وأن يكسوَ ألفاظه أحسنها؛ فعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما شيءٌ أثقلُ في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء))[5]؛ وهو الذي يتلفظ بالكلام الذي يقبح ذكره ويُستحيى منه[6].
وإنه من أهم ما ينبغي صون اللسان عنه السبُّ والشَتْمُ، وإن أسوأ السبِّ:
أولًا: سبُّ الوالدين:فعبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن من أكبر الكبائر والذنوب أن يسبَّ الرجل والديه في الإسلام، قيل: يا رسول الله، وكيف يسب والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه))[7].
والحكمة من وراء النهي عن سب الوالدين أن سبَّهما فيه استخفاف بحقهما الذي أوجبه الله لهما في قوله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23]، وكل إساءة لهما عقوق؛ وفي الحديث عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: ((قلنا لعلي بن أبي طالب، أخبرنا بشيء أسرَّه إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما أسرَّ إليَّ شيئًا كتمه الناس، ولكني سمعته يقول: لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدِثًا، ولعن الله من لعن والديه، ولعن الله من غير المنار))[8].
ثانيًا: سب المؤمنين والتعرض لأعراضهم:فعن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سِبابُ المسلم فسوق[9]، وقتاله كفر))[10]؛ والفسوق في لسان العرب: الخروج من الطاعة وواجب الشرع[11].
والحكمة من وراء النهي عن سب المسلمين:أن سبهم فيه انتهاك لحرمتهم، وهو أمرٌ حذَّرت منه الشريعة في نصوص كثيرة؛ منها: قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58]، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعِرضه))[12].
ولأن السب والشتم خَصلة تتنافى مع وصف الإسلام والإيمان؛ ففي الحديث عنابن مسعودرضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس المؤمن بالطَّعَّان، ولا باللَّعَّان، ولا الفاحش، ولا البذيء))[13]، وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أنالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم من سلِمَ المسلمون من لسانه ويده))[14].
ولأنه كذلك من الأمور التي تزرع العداوة والبغضاء بين المسلمين؛ قال تعالى: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53]؛ حيث "يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباد الله المؤمنين أن يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلامَ الأحسن والكلمة الطيبة؛ فإنه إذ لم يفعلوا ذلك، نزغ الشيطان بينهم، وأخرج الكلام إلى الفِعال، ووقع الشر والمخاصمة والمقاتلة؛ فإن الشيطان عدوٌّ لآدم وذريته من حين امتنع من السجود لآدم، فعداوته ظاهرة بينة"[15].
وهو كذلك من الأمور التي تؤدي بالعبد إلى الإفلاس يوم القيامة؛ فعنأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضَى ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه ثم طُرح في النار))[16]، فذكر صلى الله عليه وسلم من أسباب الإفلاس الشتم.
وعليه؛ فإنه ينبغي للمؤمن ألَّا يسبَّ أحدًا من المسلمين بغير وجه حق[17]؛ ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أُتيَ النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب، قال: اضربوه، قال أبو هريرة: فمنَّا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف، قال بعض القوم: أخزاك الله، قال: لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان))[18]؛ وذلك لأن مراد الشيطان إذلال المسلم[19].
ثالثًا: سب الأموات:فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبُّوا الأموات؛ فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا))[20]؛ أفضوا: أي: وصلوا[21].
والحكمة من وراء النهي عن سب الأموات أن المسلم له حرمة حيًّا وميتًا؛ وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كسر عظم الميت ككسره حيًّا))[22]؛ ولأن الأموات قد أفضوا إلى ما قدموا، أي: إلى ما عملوه من حسن أو قبيح، وقد ختم الله لأهل المعاصي من المؤمنين بخاتمة حسنة تخفى عن الناس، فمن سبَّهم فقد أثِمَ، ولا يجوز الشهادة لأحد بالنار ولا بالجنة، إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأن سب الأموات يؤذي الأحياء، ويُورِث العداوة؛ فعن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء))[23]، وأذية الحي محرمة؛ فيحرُم ما هو ذريعة إليها[24].
والحمد لله رب العالمين.
[1] الدخلاوي علال.
[2] السنن الكبرى للبيهقي،باب: بيان مكارم الأخلاق ومعاليها، برقم: 20782.
[3] سنن الترمذي،باب: ما جاء في حسن الخلق، برقم: 2004.
[4] دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين، ج: 5، ص: 82.
[5] سنن الترمذي،باب: ما جاء في حسن الخلق، برقم: 2002.
[6] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ج: 7، ص: 3044.
[7] شعب الإيمان،فصل في عقوق الوالدين وما جاء فيه، برقم: 7486.
[8]صحيح مسلم، باب: تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله، برقم: 1978.
[9] هذا الحديث تعظيم حق المسلم والحكم على من سبه بغير حق بالفسق، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، ج: 6، ص: 100.
[10] صحيح مسلم،باب: بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((سِباب المسلم فسوق وقتاله كفر))، برقم: 116.
[11] شرح صحيح البخارى لابن بطال، ج: 9، ص: 241.
[12]صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب: تحريم ظلم المسلم وخذله، واحتقاره، ودمه، وعِرضه، وماله.
[13] سنن الترمذي، كتاب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب: ما جاء في اللعنة.
[14]صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب: المسلم من سلِمَ المسلمون من لسانه.
[15] تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 87.
[16]صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم.
[17] قال النووي: "واعلم أن سباب المسلم بغير حق حرام"، شرح النووي، ج: 16، ص: 141.
[18] صحيح البخاري،باب: الضرب بالجريد والنعال، برقم: 6777.
[19] كشف المشكل من حديث الصحيحين، ج: 3، ص: 523.
[20] صحيح البخاري،باب: ما ينهى من سب الأموات، برقم: 1393.
[21] التنوير شرح الجامع الصغير، ج: 11، ص: 103.
[22] سنن ابن ماجه،باب: في النهي عن كسر عظام الميت، برقم: 1616.
[23] سنن الترمذي، باب: ما جاء في الشتم، برقم: 1982.
[24] التنوير شرح الجامع الصغير، ج: 11، ص: 103.
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإنه من محاسن الإسلام، ومقاصده العظام، تحسينُ الأخلاق، وتقويم السلوك، وتزكية النفوس، وتهذيب الطباع؛ قال تعالى:﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 - 10]، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق))[2].
وإنه من محاسن الأخلاق التي رغَّب فيها ديننا الحنيف صَوْنُ عن اللسان عن القبائح والمنكرات، وعن المعاصي والزلَّات؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخِلُ الناس الجنة، فقال: تقوى الله وحسن الخلق، وسُئل عن أكثر ما يُدخِل الناس النار، فقال: الفمُ والفَرْجُ))[3]؛ وذلك لأن الفم يصدر منه الكفر والغيبة والنميمة، ورميَ الغير في المهالك، وإبطال الحق، وإبداء الباطل وغير ذلك مما أشار إليه الشارع بقوله: ((وهل يُكِبُّ الناس على وجوههم - أو قال: على مناخرهم - إلاحصائد ألسنتهم))[4].
ولذلكم وجب على المؤمن أن يصون لسانه، وأن يكسوَ ألفاظه أحسنها؛ فعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما شيءٌ أثقلُ في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء))[5]؛ وهو الذي يتلفظ بالكلام الذي يقبح ذكره ويُستحيى منه[6].
وإنه من أهم ما ينبغي صون اللسان عنه السبُّ والشَتْمُ، وإن أسوأ السبِّ:
أولًا: سبُّ الوالدين:فعبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن من أكبر الكبائر والذنوب أن يسبَّ الرجل والديه في الإسلام، قيل: يا رسول الله، وكيف يسب والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه))[7].
والحكمة من وراء النهي عن سب الوالدين أن سبَّهما فيه استخفاف بحقهما الذي أوجبه الله لهما في قوله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23]، وكل إساءة لهما عقوق؛ وفي الحديث عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: ((قلنا لعلي بن أبي طالب، أخبرنا بشيء أسرَّه إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما أسرَّ إليَّ شيئًا كتمه الناس، ولكني سمعته يقول: لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدِثًا، ولعن الله من لعن والديه، ولعن الله من غير المنار))[8].
ثانيًا: سب المؤمنين والتعرض لأعراضهم:فعن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سِبابُ المسلم فسوق[9]، وقتاله كفر))[10]؛ والفسوق في لسان العرب: الخروج من الطاعة وواجب الشرع[11].
والحكمة من وراء النهي عن سب المسلمين:أن سبهم فيه انتهاك لحرمتهم، وهو أمرٌ حذَّرت منه الشريعة في نصوص كثيرة؛ منها: قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58]، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعِرضه))[12].
ولأن السب والشتم خَصلة تتنافى مع وصف الإسلام والإيمان؛ ففي الحديث عنابن مسعودرضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس المؤمن بالطَّعَّان، ولا باللَّعَّان، ولا الفاحش، ولا البذيء))[13]، وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أنالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم من سلِمَ المسلمون من لسانه ويده))[14].
ولأنه كذلك من الأمور التي تزرع العداوة والبغضاء بين المسلمين؛ قال تعالى: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53]؛ حيث "يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباد الله المؤمنين أن يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلامَ الأحسن والكلمة الطيبة؛ فإنه إذ لم يفعلوا ذلك، نزغ الشيطان بينهم، وأخرج الكلام إلى الفِعال، ووقع الشر والمخاصمة والمقاتلة؛ فإن الشيطان عدوٌّ لآدم وذريته من حين امتنع من السجود لآدم، فعداوته ظاهرة بينة"[15].
وهو كذلك من الأمور التي تؤدي بالعبد إلى الإفلاس يوم القيامة؛ فعنأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضَى ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه ثم طُرح في النار))[16]، فذكر صلى الله عليه وسلم من أسباب الإفلاس الشتم.
وعليه؛ فإنه ينبغي للمؤمن ألَّا يسبَّ أحدًا من المسلمين بغير وجه حق[17]؛ ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أُتيَ النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب، قال: اضربوه، قال أبو هريرة: فمنَّا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف، قال بعض القوم: أخزاك الله، قال: لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان))[18]؛ وذلك لأن مراد الشيطان إذلال المسلم[19].
ثالثًا: سب الأموات:فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبُّوا الأموات؛ فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا))[20]؛ أفضوا: أي: وصلوا[21].
والحكمة من وراء النهي عن سب الأموات أن المسلم له حرمة حيًّا وميتًا؛ وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كسر عظم الميت ككسره حيًّا))[22]؛ ولأن الأموات قد أفضوا إلى ما قدموا، أي: إلى ما عملوه من حسن أو قبيح، وقد ختم الله لأهل المعاصي من المؤمنين بخاتمة حسنة تخفى عن الناس، فمن سبَّهم فقد أثِمَ، ولا يجوز الشهادة لأحد بالنار ولا بالجنة، إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأن سب الأموات يؤذي الأحياء، ويُورِث العداوة؛ فعن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء))[23]، وأذية الحي محرمة؛ فيحرُم ما هو ذريعة إليها[24].
والحمد لله رب العالمين.
[1] الدخلاوي علال.
[2] السنن الكبرى للبيهقي،باب: بيان مكارم الأخلاق ومعاليها، برقم: 20782.
[3] سنن الترمذي،باب: ما جاء في حسن الخلق، برقم: 2004.
[4] دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين، ج: 5، ص: 82.
[5] سنن الترمذي،باب: ما جاء في حسن الخلق، برقم: 2002.
[6] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ج: 7، ص: 3044.
[7] شعب الإيمان،فصل في عقوق الوالدين وما جاء فيه، برقم: 7486.
[8]صحيح مسلم، باب: تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله، برقم: 1978.
[9] هذا الحديث تعظيم حق المسلم والحكم على من سبه بغير حق بالفسق، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، ج: 6، ص: 100.
[10] صحيح مسلم،باب: بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((سِباب المسلم فسوق وقتاله كفر))، برقم: 116.
[11] شرح صحيح البخارى لابن بطال، ج: 9، ص: 241.
[12]صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب: تحريم ظلم المسلم وخذله، واحتقاره، ودمه، وعِرضه، وماله.
[13] سنن الترمذي، كتاب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب: ما جاء في اللعنة.
[14]صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب: المسلم من سلِمَ المسلمون من لسانه.
[15] تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 87.
[16]صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم.
[17] قال النووي: "واعلم أن سباب المسلم بغير حق حرام"، شرح النووي، ج: 16، ص: 141.
[18] صحيح البخاري،باب: الضرب بالجريد والنعال، برقم: 6777.
[19] كشف المشكل من حديث الصحيحين، ج: 3، ص: 523.
[20] صحيح البخاري،باب: ما ينهى من سب الأموات، برقم: 1393.
[21] التنوير شرح الجامع الصغير، ج: 11، ص: 103.
[22] سنن ابن ماجه،باب: في النهي عن كسر عظام الميت، برقم: 1616.
[23] سنن الترمذي، باب: ما جاء في الشتم، برقم: 1982.
[24] التنوير شرح الجامع الصغير، ج: 11، ص: 103.