تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سُورَةُ الْبُرُوجِ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا إِجْمَاعًا وَهِىَ ثِنْتَانِ وَعِشْرُونَ ءَايَةً


Şøķåŕą
11-09-2021, 02:44 PM
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِى تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُّحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ (21) فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ (22).

﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾ هَذَا قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ وَقَالَ الإِمَامُ يَحْيَى بنُ سَلامٍ الْبِصْرِىُّ ﴿ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾ أَىْ ذَاتِ الْمَنَازِلِ وَهِىَ اثْنَا عَشَرَ بُرْجًا وَهِىَ مَنَازِلُ الْكَوَاكِبِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، يَسِيرُ الْقَمَرُ فِى كُلِّ بُرْجٍ مِنْهَا يَوْمَيْنِ وَثُلُثَ يَوْمٍ فَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرِونَ يَوْمًا ثُمَّ يَسْتَتِرُ لَيْلَتَيْنِ وَتَسِيرُ الشَّمْسُ فِى كُلِّ بُرْجٍ مِنْهَا شَهْرًا وَهِىَ الْحَمَلُ وَالثَّوْرُ وَالْجَوْزَاءُ وَالسَّرَطَانُ وَالأَسَدُ وَالسُّنْبُلَةُ وَالْمِيزَانُ وَالْعَقْرَبُ وَالْقَوْسُ وَالْجَدْىُ وَالدَّلْوُ وَالْحُوتُ. وَالْبُرُوجُ فِى كَلامِ الْعَرَبِ الْقُصُورُ قَالَ تَعَالَى ﴿وَلَوْ كُنْتُمْ فِى بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ (سُورَةَ النِّسَاء 78) وَمَنَازِلُ الْقَمَرِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ مَنْزِلًا وَهِىَ الشَّرَطَانُ وَالبُطَيْنُ وَالثُّرَيَّا وَالدَّبَرَانُ وَالْهَقْعَةُ وَالْهَنْعَةُ وَالذِّرَاعُ وَالنَّثْرَةُ وَالطَّرْفُ وَالْجَبْهَةُ وَالزُّبْرَةُ وَالصَّرْفَةُ وَالْعَوَّاءُ وَالسَّمَاكُ وَالْغَفْرُ وَالْزُّبَانَى وَالإِكْلِيلُ وَالْقَلْبُ وَالشَّوْلَةُ وَالنَّعَائِمُ وَالْبَلْدَةُ وَسَعْدُ الذَّابِحِ وَسَعْدُ بُلَعَ وَسَعْدُ السُّعُودِ وَسَعْدُ الأَخْبِيَةِ وَالْفَرْعُ الْمُقَدَّمُ وَالْفَرْعُ الْمُؤَخَّرُ وَبَطْنُ الْحُوتِ.

﴿وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ﴾ أَىِ الْمَوْعُودِ بِهِ وَهُوَ قَسَمٌ ءَاخَرُ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةُ إِجْمَاعًا.

﴿وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ﴾ قَالَ عَلِىٌّ وَابْنُ جُبَيْرٍ الشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ فَعَلَى هَذَا سُمِّىَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ شَاهِدًا لِأَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى كُلِّ عَامِلٍ بِمَا عَمِلَ فِيهِ وَسُمِّىَ يَوْمُ عَرَفَةَ مَشْهُودًا لِأَنَّ النَّاسَ يَشْهَدُونَ فِيهِ مَوْسِمَ الْحَجِّ وَتَشْهَدُهُ الْمَلائِكَةُ وَقَالَ الْحَسَنُ بنُ عَلِىٍّ الشَّاهِدُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. قَالَ الزَّجَّاجُ وَالْمُبَرِّدُ وَجَوَابُ الْقَسَمِ ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ وَمَا بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضٌ مُؤَكِّدٌ لِلْقَسَمِ.

﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ﴾ أَىْ لُعِنُوا، وَالأُخْدُودُ شَقٌّ يُشَقُّ فِى الأَرْضِ وَالْجَمْعُ أَخَادِيد، وَهَؤُلاءِ قَوْمٌ مِنَ الْكُفَّارِ خَدُّوا أُخْدُودًا فِى الأَرْضِ وَسَجَّرُوهُ نَارًا وَعَرَضُوا الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهَا فَمَنْ رَجَعَ عَنِ الإِسْلامِ تَرَكُوهُ وَمَنْ أَصَرَّ عَلَى الإِيمَانِ أَحْرَقُوهُ، وَأَصْحَابُ الأُخْدُودِ هُمُ الْمُحْرِقُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ كَانَ مَلِكٌ خَدَّ لِقَوْمٍ أَخَادِيدَ فِى الأَرْضِ ثُمَّ جَمَعَ فِيهَا الْحَطَبَ وَأَلْهَبَ فِيهَا النِّيرَانَ فَأَحْرَقَ بِهَا قَوْمَهُ وَقَعَدَ الَّذِينَ حَفَرُوهَا حَوْلَهَا فَرَفَعَ اللَّهُ النَّارَ إِلَى الْكَفَرَةِ الَّذِينَ حَفَرُوهَا فَأَحْرَقَتْهُمْ وَنَجَا مِنْهَا الْمُؤْمِنُونَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ أَىْ فِى الآخِرَةِ ﴿وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ أَىْ فِى الدُّنْيَا وَيُقَالُ إِنَّهَا أَحْرَقَتْ مَنْ فِيهَا وَنَجَا الَّذِينَ فَوْقَهَا، وَقَرِيبًا مِنْ قَوْلِ الْفَرَّاءِ قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِى أَصْحَابِ الأُخْدُودِ أَقْوَالًا فَوْقَ الْعَشَرَةِ نَذْكُرُ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِى الْفَتْحِ قَالَ رَوَى الشَّافِعِىُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِىٍّ كَانَ الْمَجُوسُ أَهْلَ كِتَابٍ يَقْرَءُونَهُ وَعِلْمٍ يَدْرُسُونَهُ فَشَرِبَ أَمِيرُهُمُ الْخَمْرَ فَوَقَعَ عَلَى أُخْتِهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ دَعَا أَهْلَ الطَّمَعِ فَأَعْطَاهُمْ وَقَالَ إِنَّ ءَادَمَ كَانَ يُنْكِحُ أَوْلادَهُ بَنَاتَهُ فَأَطَاعُوهُ وَقَتَلَ مَنْ خَالَفَهُ.
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْحَافِظُ فِى الْفَتْحِ رَوَى عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ فِى تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبُرُوجِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمٰنِ بنِ أَبْزَى لَمَّا هَزَمَ الْمُسْلِمُونَ أَهْلَ فَارِس قَالَ عُمَرُ اجْتَمِعُوا فَقَالَ إِنَّ الْمَجُوسَ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ فَنَضَعَ عَلَيْهِمْ وَلا مِنْ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ فَنُجْرِىَ عَلَيْهِمْ أَحْكَامَهُمْ فَقَالَ عَلِىٌّ بَلْ هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ لَكِنْ قَالَ وَقَعَ عَلَى ابْنَتِهِ، وَقَالَ فِى ءَاخِرِهِ فَوَضَعَ الأُخْدُودَ لِمَنْ خَالَفَهُ.

﴿النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ﴾ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِىِّ هَذَا بَدَلٌ مِنَ الأُخْدُودِ كَأَنَّهُ قَالَ قُتِلَ أَصْحَابُ النَّارِ، قَالَ الرَّاغِبُ (الْوَقُودُ يُقَالُ لِلْحَطَبِ الْمَجْعُولِ لِلْوُقُودِ وَلِمَا حَصَلَ مِنَ اللَّهَبِ).

﴿إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ﴾ أَىْ عِنْدَ النَّارِ وَكَانَ الْمَلِكُ وَأَصْحَابُهُ جُلُوسًا عَلَى الْكَرَاسِىِّ عِنْدَ الأُخْدُودِ يَعْرِضُونَ الْكُفْرَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَمَنْ أَبَى أَلْقَوْهُ.

﴿وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ﴾ أَىْ حُضُورٌ فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى هَذِهِ الآيَاتِ بِقِصَّةِ قَوْمٍ بَلَغَ مِنْ إِيمَانِهِمْ وَيَقِينِهِمْ أَنْ صَبَرُوا عَلَى التَّحْرِيقِ بِالنَّارِ وَلَمْ يَرْجِعُوا عَنْ دِينِهِمْ.

﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ أَىْ مَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِمْ إِلَّا لإِيمَانِهِمْ بِاللَّهِ، ﴿الْعَزِيزِ﴾ الْغَالِب وَ﴿الْحَمِيدِ﴾ الْمَحْمُودُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

﴿الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ﴾ أَىْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ واَلأَرْضَ وَهُوَ الْمَالِكُ لَهُمَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ مَا صَنَعُوا فَهُوَ شَهِيدٌ عَلَى مَا فَعَلُوا.

﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ أَىْ أَحْرَقُوهُمْ وَعَذَّبُوهُمْ ﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا﴾ مِنْ شِرْكِهِمْ وَفِعْلِهِمْ ذَلِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴿فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ أَىْ بِكُفْرِهِمْ ﴿وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ بِمَا أَحْرَقُوا الْمُؤْمِنِينَ وَكِلا الْعَذَابَيْنِ فِى جَهَنَّمَ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ وَقَالَ الْبَعْضُ عَذَابُ الْحَرِيقِ فِى الدُّنْيَا بِأَنْ خَرَجَتِ النَّارُ فَأَحْرَقَتْهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ الْفَرَّاءِ وَأَبِى الْعَالِيَةِ.

﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ﴾ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الآيَةِ الْعُمُومُ وَالْمُرَادُ بِالْفَوْزِ الْكَبِيرِ الْجَنَّةُ وَقَالَ الْفَرَّاءُ فَازُوا مِنْ عَذَابِ الْكُفَّارِ وَعَذَابِ الآخِرَةِ فَأَكْبِرْ بِهِ فَوْزًا وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ إِنَّ النَّارَ لَمْ تُحْرِقْهُمْ إِنَّمَا أَحْرَقَتِ الْكُفَّارَ الَّذِينَ حَضَرُوا أَىِ الْمَلِكَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ.

﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ أَخْذَهُ بِالْعَذَابِ إِذَا أَخَذَ الظَّلَمَةَ وَالْجَبَابِرَةَ لِشَدِيدٌ.

﴿إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾ أَىْ هُوَ خَلَقَهُمْ ابْتِدَاءً ثُمَّ يُعِيدُهُمْ بَعْدَ أَنْ صَيَّرَهُمْ تُرَابًا.

﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾ وَلَمَّا ذَكَرَ شِدَّةَ بَطْشِهِ ذَكَرَ كَوْنَهُ غَفُورًا سَاتِرًا لِذُنُوبِ عِبَادِهِ وَدُودًا لَطِيفًا بِهِمْ مُحْسِنًا إِلَيْهِمْ.

﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِىُّ ﴿الْمَجِيدِ﴾ بِالْخَفْضِ عَلَى أَنَّهَا صِفَةُ الْعَرْشِ وَغَيْرُهُمْ بِالضَّمِّ عَلَى أَنَّهَا صِفَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ عَظِيمٌ تَامُّ الْقُدْرَةِ وَالْحِكْمَةِ وَقَدْ خَصَّصَ اللَّهُ الْعَرْشَ بِأَنْ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ تَشْرِيفًا لَهُ وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ أَعْظَمُ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ حَيْثُ الْحَجْمُ وَاللَّهُ مَالِكُهُ وَقَاهِرُهُ وَحَافِظُهُ وَهُوَ تَعَالَى قَاهِرٌ لِمَا دُونَ الْعَرْشِ بِالأَوْلَى كَمَا أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ ﴿وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ (سُورَةَ التَّوْبَة 129) وَلا يَجُوزُ أَنَّ يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ تَخْصِيصَ اللَّهِ لِلْعَرْشِ بِالذِّكْرِ يَقْتَضِى أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مُسْتَقِرًّا عَلَيْهِ كَمَا فَهِمَ بَعْضُ الْمُشَبِّهَةِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ (سُورَةَ طَه 5) (1) بَلْ إِنَّ اعْتِقَادَ السَّلَفِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانٍ هُوَ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنْ مُشَابَهَةِ الْمَخْلُوقَاتِ أَخْذًا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ (سُورَةَ الشُّورَى 11) وَقَدْ قَالَ الإِمَامُ الْبَيْهَقِىُّ الْحَافِظُ الشَّهِيرُ فِى كِتَابِهِ الِاعْتِقَادِ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ »يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ اسْتِوَاءَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ بِاسْتِوَاءِ اعْتِدَالٍ عَنِ اعْوِجَاجٍ وَلا اسْتِقْرَارٍ فِى مَكَانٍ وَلا مُمَاسَّةٍ لِشَىْءٍ مِنْ خَلْقِهِ لَكِنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ بِلا كَيْفٍ بِلا أَيْنٍ بَائِنٌ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ وَأَنَّ إِتْيَانَهُ لَيْسَ بِإِتْيَانٍ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ وَأَنَّ مَجِيئَهُ لَيْسَ بِحَرَكَةٍ وَأَنَّ نُزُولَهُ لَيْسَ بِنُقْلَةٍ وَأَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَأَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِصُورَةٍ وَأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِجَارِحَةٍ وَأَنَّ عَيْنَهُ لَيْسَتْ بِحَدَقَةٍ وَإِنَّمَا هَذِهِ أَوْصَافٌ جَاءَ بِهَا التَّوْقِيفُ فَقُلْنَا بِهَا وَنَفَيْنَا عَنْهَا التَّكْيِيفَ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ (سُورَةَ الشُّورَى 11) وَقَالَ ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ (سُورَةَ الإِخْلاص 4) وَقَالَ ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ (سُورَةَ مَرْيَم 65).

ثُمَّ رَوَى رَحِمَهُ اللَّهُ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ الأَوْزَاعِىَّ وَمَالِكًا وَسُفْيَانَ الثَّوْرِىَّ وَاللَّيْثَ بنَ سَعْدٍ سُئِلُوا عَنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ يَعْنِى حَدِيثَ النُّزُولِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَقَالُوا (أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلا كَيْفِيَّةٍ) وَقَالَ (إِنَّ مَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِالْكَيْفِ اقْتَضَى ذَلِكَ تَشْبِيهَ اللَّهِ بِخَلْقِهِ فِى أَوْصَافِ الْحَدَثِ) انْتَهَى كَلامُ الْبَيْهَقِىِّ وَهُوَ نَفِيسٌ.
وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ الِاسْتِوَاءَ بِالِاسْتِيلاءِ وَالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ.

﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ لا يُعْجِزُهُ شَىْءٌ.

﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ﴾ أَىْ قَدْ أَتَاكَ يَا مُحَمَّدُ خَبَرُ الْجُمُوعِ الطَّاغِيَةِ فِى الأُمَمِ الْخَالِيَةِ وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْعُقُوبَاتِ فَكَذَلِكَ يَحِلُّ بِكُفَّارِ قُرَيْشٍ مِنَ الْعَذَابِ مِثْلُ مَا حَلَّ بِأُولَئِكَ الْجُنُودِ وَهُمُ الْجُمُوعُ الَّذِينَ أَعَدُّوا لِقِتَالِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ.

ثُمَّ بَيَّنَ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ هُمْ فَقَالَ ﴿فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ﴾ فَهَذَا بَدَلٌ مِنَ الْجُنُودِ.

﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِى تَكْذِيبٍ﴾ أَىْ مُشْرِكُو مَكَّةَ فِى تَكْذِيبِهِمْ لَكَ وَلِلْقُرْءَانِ فَهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ.

﴿وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُّحِيطٌ﴾ أَىْ أَنَّهُ لا يَخْفَى عَلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ شَىْءٌ مِنْ أَعْمَالِهِمْ.

﴿بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ﴾ أَىْ كَرِيمٌ لِأَنَّهُ كَلامُ اللَّهِ وَلَيْسَ بِشِعْرٍ وَلا كَهَانَةٍ وَلا سِحْرٍ.

﴿فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ مِنْهُ نُسِخَ الْقُرْءَانُ وَسَائِرُ الْكُتُبِ فَهُوَ مَحْفُوظٌ مِنَ التَّحْرِيفِ وَالزِّيَادَةِ فِيهِ وَالنُّقْصَانِ مِنْهُ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ، وَقَرَأَ نَافِعٌ (مَحْفُوظٌ) رَفْعًا عَلَى نَعْتِ ﴿قُرْءَان﴾ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَىِ الْقُرْءَانَ مَحْفُوظٌ مِنَ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ وَقَرَأَ بَاقِى السَّبْعَةِ بِالْجَرِّ نَعْتًا لِلَوْحٍ، وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِى اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ هَلْ هُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ أَوْ تَحْتَهُ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَم.

(1) في الجامع لمسائل المدونة للإمام الكبير أبي بكر محمد بن عبد الله بن يونس التميمي الصقلي المالكي وهو من أصحاب الوجوه (المتوفى 451 هـ) كتاب المحاربين والمرتدين، الباب الخامس، جامع القول في أهل الأهواء ومجانبتهم وترك جدالهم والقول في القدر والاستواء على العرش والأسماء والصفات (قال سحنون أخبرني بعض أصحاب مالك أنه كان عند مالك جالساً فأتاه رجل فقال يا أبا عبد الله مسألة، فسكت عنه، ثم قال مسألة، فسكت عنه، ثم أعاد عليه، فرفع فيه رأسه كالمجيب له، فقال له السائل (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف كان استواؤه؟ قال فطأطأ مالك رأسه ساعة ثم رفعه فقال سألت عن غير مجهول، وتكلمت في غير معقول، ولا أراك إلا امرئ سوء، أخرجوه).
وفي الباب السابع، باب في التوحيد والأسماء والصفات وسائر الاعتقادات، فصل في الاستواء (قال القاضي رضي الله عنه وأنه سبحانه مستو على عرشه كما قال عز وجل (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) بغير مماسة ولا كيفية ولا مجاورة).

نور القمر
11-09-2021, 02:59 PM
شكراً ع روووعة طرحك
دمت ودام عطائك
ودائما بأنتظار جديدك
كل الود

محمد المقاول
11-09-2021, 06:12 PM
شكرا على مجهودك الكبير
بارك الله فيك
ارق التحايا مع التقدير اليك

بنت الشام
11-09-2021, 08:09 PM
بارك الله فيك

الدكتور على حسن
11-09-2021, 08:43 PM
كل الشكر وكل التقدير
لحضرتك
على روعة ما قدمت لنـــا
من موضوع اكثر من رائع
اللهم اكرمك وأسعدك وبارك فيك
ربنا يجعل كل ما تقدمونه
في موازين حسناتكم
ويجازيك عنا خير الجــزاء
يااااااااااااااااارب
لك كل تحياتى وتقديرى وحبى
الدكتــور علــى
:rose::rose::44::rose::rose:

عبد الحليم
11-09-2021, 10:18 PM
طرح يفوق الجمال
كعادتك إبداع في صفحآتك
يعطيك العافيه يارب
وبإنتظار المزيد من هذا الفيض
لقلبك السعادة والفرح
ودي..

الدكتور على حسن
11-12-2021, 01:14 AM
كل الشكر وكل التقدير
لحضرتك
على روعة ما قدمت لنـــا
من موضوع اكثر من رائع
اللهم اكرمك وأسعدك وبارك فيك
ربنا يجعل كل ما تقدمونه
في موازين حسناتكم
ويجازيك عنا خير الجــزاء
يااااااااااااااااارب
لك كل تحياتى وتقديرى وحبى
الدكتــور علــى
:rose::rose::44::rose::rose:

رحيل
11-18-2021, 07:53 PM
جزاك الله خيـــر على الطرح القيم
وجعله الله في ميزان حسناتك
وان يرزقك الفردووس الاعلى من الجنه
الله لايحرمنا من جديــدك

Şøķåŕą
11-20-2021, 09:41 AM
أميره ..
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
11-20-2021, 09:41 AM
أميره
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
11-20-2021, 09:41 AM
محمد المقاول
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
11-20-2021, 09:41 AM
الدكتور على
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
11-20-2021, 09:41 AM
بنت الشام
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
11-20-2021, 09:41 AM
عبد الحليم
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
11-20-2021, 09:41 AM
غرام
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
12-16-2021, 10:38 AM
اميرة
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
12-16-2021, 10:38 AM
محمد المقاول المعتمد
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
12-16-2021, 10:38 AM
الدكتور على
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
12-16-2021, 10:38 AM
بنت الشام
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
12-16-2021, 10:38 AM
عبد الحليم
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
12-16-2021, 10:38 AM
غرام الروح
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

♡ Šąɱąя ♡
01-01-2022, 02:24 PM
جزاك الله خير الجزاء
ورفع قدرك في السماء
ورزقك الجنه ونفع بك
وبطرحك القييم بارك الله فيك


http://www.dll33.com/vb/images/smilies1/643.gif

Şøķåŕą
02-01-2022, 08:13 AM
:79:

Şøķåŕą
02-01-2022, 08:13 AM
سمر
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

♡ Šąɱąя ♡
03-29-2022, 06:18 PM
جزاكم الله خيراً ونفع بكم
واثابكم الفردوس الاعلى من الجنه
وجعل كل ما تقدمونه في موازين حسناتكم
لكم مني ارق المنى
وخالص التقدير والاحترام:nay2:

Şøķåŕą
05-01-2022, 06:54 AM
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
02-20-2024, 10:55 PM
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

Şøķåŕą
04-10-2025, 10:54 PM
شكرا لك على المرور العذب :x27:

Şøķåŕą
04-10-2025, 10:54 PM
شكرا لك على المرور العذب :152:

Şøķåŕą
04-10-2025, 10:54 PM
شكرا لك على المرور العذب :142:

Şøķåŕą
04-10-2025, 10:54 PM
شكرا لك على المرور العذب :1::em19: