Şøķåŕą
10-20-2021, 03:23 PM
قوة من السماء
فرك عينيه المُتعبتين، فتح جفونَه المُثْقلة.. أضاء المصباحَ ونظر، فإذا الليل يَعلوه غطيط النائمين.
إنَّك متعب، والأيام كثيرة، والحياة صَعبة، والواجبات أثقلَت كاهلَك...
واستمرَّ في شدٍّ وجذب، نزعة هوًى ونزعة فِطرة.. صراع أيما صِراع، ومجاهدة أيما مجاهدة.
ولكنَّه تذكَّر قول بارئه: ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴾ [المزمل: 6]، فنهض!
نهض يفتح بابًا خفيًّا، للعروجِ إلى ربِّه، عروج محبٍّ ملهوف.. وأنَّى له أن ينام وحبيبه يناديه: ((هل من تائبٍ فأتوبَ عليه؟ هل من مستغفرٍ فأغفرَ له؟ هل من سائل فأعطيَه؟)).
توضَّأ أحسَن ما يكون له أن يتوضَّأ، توضأ وضوءًا يغسل درن الذُّنوب العالِقة على جلده منذ زمن..
غسل يديه، تَمضمض، استنشَق، غسل وجهَه، الذنوب تتساقَط.. الملائكة تَنتظر صوتَ مناجاته بشوقٍ!
أيها الحائر، اخرج من سجنِك وقيودك، وحلِّق في ملكوت السماء!
وقف بين يدَي الخالِق، خارِج دنيانا، خارج أبعاد الحياة التي نَعيشها، وُقوفًا لا يشعر فيه بمرور وقتٍ، أو دوران زمان.
وقف وقد تحرَّر من كلِّ أثواب الدنيا، ومن كلِّ ألقابها، ومن كلِّ ما يمتُّ لها بصِلة.. إلَّا ثوبَ العبوديَّة!
كبَّر.. الله أكبر.. تلك الحقيقة (البديهيَّة) التي ننساها دومًا.
ولكنَّه استشعرها بحقٍّ الآن.
والشيطان يبكي بحرقة: ليس لي عليه سُلطان!
على الأقل ليس في هذه الصَّلاة التي تَبدو مختلفة جدًّا.
حاولَت الشياطين أن تَصل إليه، ولكن هيهات! فكلَّما راوده شيطان عاد البطَل فصرعَه، والحرب بينهما سجال.. ولكنَّه يفوز في النِّهاية!
﴿ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾.
فلا أرى أمامي سواه، هو قَصدي ونيَّتي وطلبي.
﴿ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].
قالها وكأنَّها نزلَت للتوِّ، قالها بقلبٍ طائر إلى الله، طاهرٍ من الأدران، متحرِّر من ثقل الأبدان.
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 2 - 5].
يا رحيم، ارحمني.
يا خالقَ القوَّة، ارزقني القوةَ، أمدَّني بقوةٍ من السماء أقابل بها همومَ الأرض.
يا صاحب العون، أسألك العونَ.
انحدرَت أولى الدَّمعات.
ومع نزول تلك الدمعة، نادى بفرحة: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ﴾ [هود: 41].
ثمَّ قرأ ما تيسَّر له أن يقرأ والدموع تَنهمر، والروح تَصعَد وترقى، والقلب يَطهُر وينقى.
ثمَّ ركع.. ﴿ خَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ﴾ [ص: 24].
ركوع الرَّجل كان ركوعًا وانكسارًا، بجسده وقلبِه، لخالقه فقط!
وليس أحدٌ من خلق الله يستحقُّ أن يَنكسر المسلمُ له؛ فقط لله، وهذه قمَّة الحريَّة التي لا يرونها!
سبحان ربِّي العظيم.. سبُّوح قدُّوس، ربُّ الملائكة والروح.
خشع لك سمعي، وبصري، ومخِّي وعظمي وعصبي.
خاشع لك بكلِّي، حاضر أمامك بكلِّي، مشتاقٌ إليك بكلي، طائر إليك بقَلبي على أمل اليوم الذي أطير فيه بكلِّي!
قام من الركوع وكلُّ حركةٍ بين يدي الله تُسقط ذنبًا، وتكسر عيبًا، وتقوِّي عُودًا أضناه السير!
ربنا ولك الحمد.. لك الحمد على فضلك الذي شملَني، برغم ضعفي وتَقصيري وغفلَتي، ولَهْوي في مواطن الجدِّ.. شملني على الرغم من كلِّ شيء!
لك الحمد حتى تَرضى، ولك الحمد إذا رضيتَ، لك الحمد لك الحمد!
ثمَّ ارتمى إلى الأرض، إلى التراب الذي خُلِق منه.
ارتمى شوقًا؛ فالعبد يكون أقرب ما يكون إلى الله وهو ساجِد.
﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ [العلق: 19].
كانت نبضات قلبه قد وصلَت لذروتها، والفرحة والتلذُّذ بمناجاة الله قد غطَّيَا كلَّ ألمٍ لاقاه!
سبحان ربِّي الأعلى؛ الأعلى في كلِّ أحوالي، الأعلى الذي تركتُهُ ولجئتُ لِمن لا يساوون شيئًا في كونه!
كم نسيتُه، وكم تركتُه، وكم شكوتُه إلى عباده!
ولكن، ليس بعد الآن.
إنِّي عائد فاقبَلْني، إنِّي عائد فاقبلني.
وقام للركعة الثانية.
ثمَّ جلس للتشهُّد، جلسة بين يدَي ملِك الملوك!
جلسة عبدٍ كريم على الله، بين يدَي قاصمِ الجبَّارين ومذلِّ الطُّغاة، فتح لك أبوابَه فاجلس.
وأول الجلوس التحيَّة: ((التحيَّات لله، والصلوات والطيبات)).
ثمَّ السلام على عظماء المجلس؛ فبين يدَي الله ترى رسولَ الله والأنبياء، والعباد الصالحين:
((السلام عليك أيُّها النبيُّ ورحمة الله وبركاته، السَّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)).
عباد الله الصالحين الذين سَبقوك؛ فلا تتأخَّر يا قلب عنهم؛ فعسى أن يكون اللقاء قريبًا!
ثمَّ قُلْ أهمَّ جملة في حياتك، الجملة التي تنسف القيودَ وتحطِّم الأغلال، الجملة التي تُفتح لك بها الجنَّة:
أشهدُ.. ((أشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله)).
ثمَّ تصلِّي على سيدك ومولاك رسول الله صلى الله عليه وسلم مشتاقًا إليه، مشتاقًا إلى شربةٍ من يده لا تَظمأ بعدها أبدًا، شربة من حَوضه المبارَك، الذي قال صلى الله عليه وسلم عنه: ((ماؤه أشدُّ بياضًا من اللَّبن، وأحلى من العسل، وأكوابه عدَد نجوم السَّماء، من يشرب منه شربةً لم يَظمأ بعدها أبدًا))؛ رواه الترمذي.
ثمَّ تغادِر هذا المجلس المبارك، تغادر هذه الصَّلاة وأنت مشتاقٌ إلى الصلاة التي تليها، وبَينهما أنت خليفة الله في أرضه، فتدبَّر ذلك، واعمل عملًا يليق بما أعدَّه الله لك من مكافأة!
وتليها الصلوات والصَّلوات، وتليها الأعمال والأعمال، ولِسان حالك في كلِّ صلاة:
يا ألله، هذه أول صلاة لي!
صلَّيتُ كثيرًا؛ ولكنها الأُولى بحقٍّ.
فاللهمَّ لا تجعلها الأخيرة.
فرك عينيه المُتعبتين، فتح جفونَه المُثْقلة.. أضاء المصباحَ ونظر، فإذا الليل يَعلوه غطيط النائمين.
إنَّك متعب، والأيام كثيرة، والحياة صَعبة، والواجبات أثقلَت كاهلَك...
واستمرَّ في شدٍّ وجذب، نزعة هوًى ونزعة فِطرة.. صراع أيما صِراع، ومجاهدة أيما مجاهدة.
ولكنَّه تذكَّر قول بارئه: ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴾ [المزمل: 6]، فنهض!
نهض يفتح بابًا خفيًّا، للعروجِ إلى ربِّه، عروج محبٍّ ملهوف.. وأنَّى له أن ينام وحبيبه يناديه: ((هل من تائبٍ فأتوبَ عليه؟ هل من مستغفرٍ فأغفرَ له؟ هل من سائل فأعطيَه؟)).
توضَّأ أحسَن ما يكون له أن يتوضَّأ، توضأ وضوءًا يغسل درن الذُّنوب العالِقة على جلده منذ زمن..
غسل يديه، تَمضمض، استنشَق، غسل وجهَه، الذنوب تتساقَط.. الملائكة تَنتظر صوتَ مناجاته بشوقٍ!
أيها الحائر، اخرج من سجنِك وقيودك، وحلِّق في ملكوت السماء!
وقف بين يدَي الخالِق، خارِج دنيانا، خارج أبعاد الحياة التي نَعيشها، وُقوفًا لا يشعر فيه بمرور وقتٍ، أو دوران زمان.
وقف وقد تحرَّر من كلِّ أثواب الدنيا، ومن كلِّ ألقابها، ومن كلِّ ما يمتُّ لها بصِلة.. إلَّا ثوبَ العبوديَّة!
كبَّر.. الله أكبر.. تلك الحقيقة (البديهيَّة) التي ننساها دومًا.
ولكنَّه استشعرها بحقٍّ الآن.
والشيطان يبكي بحرقة: ليس لي عليه سُلطان!
على الأقل ليس في هذه الصَّلاة التي تَبدو مختلفة جدًّا.
حاولَت الشياطين أن تَصل إليه، ولكن هيهات! فكلَّما راوده شيطان عاد البطَل فصرعَه، والحرب بينهما سجال.. ولكنَّه يفوز في النِّهاية!
﴿ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾.
فلا أرى أمامي سواه، هو قَصدي ونيَّتي وطلبي.
﴿ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].
قالها وكأنَّها نزلَت للتوِّ، قالها بقلبٍ طائر إلى الله، طاهرٍ من الأدران، متحرِّر من ثقل الأبدان.
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 2 - 5].
يا رحيم، ارحمني.
يا خالقَ القوَّة، ارزقني القوةَ، أمدَّني بقوةٍ من السماء أقابل بها همومَ الأرض.
يا صاحب العون، أسألك العونَ.
انحدرَت أولى الدَّمعات.
ومع نزول تلك الدمعة، نادى بفرحة: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ﴾ [هود: 41].
ثمَّ قرأ ما تيسَّر له أن يقرأ والدموع تَنهمر، والروح تَصعَد وترقى، والقلب يَطهُر وينقى.
ثمَّ ركع.. ﴿ خَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ﴾ [ص: 24].
ركوع الرَّجل كان ركوعًا وانكسارًا، بجسده وقلبِه، لخالقه فقط!
وليس أحدٌ من خلق الله يستحقُّ أن يَنكسر المسلمُ له؛ فقط لله، وهذه قمَّة الحريَّة التي لا يرونها!
سبحان ربِّي العظيم.. سبُّوح قدُّوس، ربُّ الملائكة والروح.
خشع لك سمعي، وبصري، ومخِّي وعظمي وعصبي.
خاشع لك بكلِّي، حاضر أمامك بكلِّي، مشتاقٌ إليك بكلي، طائر إليك بقَلبي على أمل اليوم الذي أطير فيه بكلِّي!
قام من الركوع وكلُّ حركةٍ بين يدي الله تُسقط ذنبًا، وتكسر عيبًا، وتقوِّي عُودًا أضناه السير!
ربنا ولك الحمد.. لك الحمد على فضلك الذي شملَني، برغم ضعفي وتَقصيري وغفلَتي، ولَهْوي في مواطن الجدِّ.. شملني على الرغم من كلِّ شيء!
لك الحمد حتى تَرضى، ولك الحمد إذا رضيتَ، لك الحمد لك الحمد!
ثمَّ ارتمى إلى الأرض، إلى التراب الذي خُلِق منه.
ارتمى شوقًا؛ فالعبد يكون أقرب ما يكون إلى الله وهو ساجِد.
﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ [العلق: 19].
كانت نبضات قلبه قد وصلَت لذروتها، والفرحة والتلذُّذ بمناجاة الله قد غطَّيَا كلَّ ألمٍ لاقاه!
سبحان ربِّي الأعلى؛ الأعلى في كلِّ أحوالي، الأعلى الذي تركتُهُ ولجئتُ لِمن لا يساوون شيئًا في كونه!
كم نسيتُه، وكم تركتُه، وكم شكوتُه إلى عباده!
ولكن، ليس بعد الآن.
إنِّي عائد فاقبَلْني، إنِّي عائد فاقبلني.
وقام للركعة الثانية.
ثمَّ جلس للتشهُّد، جلسة بين يدَي ملِك الملوك!
جلسة عبدٍ كريم على الله، بين يدَي قاصمِ الجبَّارين ومذلِّ الطُّغاة، فتح لك أبوابَه فاجلس.
وأول الجلوس التحيَّة: ((التحيَّات لله، والصلوات والطيبات)).
ثمَّ السلام على عظماء المجلس؛ فبين يدَي الله ترى رسولَ الله والأنبياء، والعباد الصالحين:
((السلام عليك أيُّها النبيُّ ورحمة الله وبركاته، السَّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)).
عباد الله الصالحين الذين سَبقوك؛ فلا تتأخَّر يا قلب عنهم؛ فعسى أن يكون اللقاء قريبًا!
ثمَّ قُلْ أهمَّ جملة في حياتك، الجملة التي تنسف القيودَ وتحطِّم الأغلال، الجملة التي تُفتح لك بها الجنَّة:
أشهدُ.. ((أشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله)).
ثمَّ تصلِّي على سيدك ومولاك رسول الله صلى الله عليه وسلم مشتاقًا إليه، مشتاقًا إلى شربةٍ من يده لا تَظمأ بعدها أبدًا، شربة من حَوضه المبارَك، الذي قال صلى الله عليه وسلم عنه: ((ماؤه أشدُّ بياضًا من اللَّبن، وأحلى من العسل، وأكوابه عدَد نجوم السَّماء، من يشرب منه شربةً لم يَظمأ بعدها أبدًا))؛ رواه الترمذي.
ثمَّ تغادِر هذا المجلس المبارك، تغادر هذه الصَّلاة وأنت مشتاقٌ إلى الصلاة التي تليها، وبَينهما أنت خليفة الله في أرضه، فتدبَّر ذلك، واعمل عملًا يليق بما أعدَّه الله لك من مكافأة!
وتليها الصلوات والصَّلوات، وتليها الأعمال والأعمال، ولِسان حالك في كلِّ صلاة:
يا ألله، هذه أول صلاة لي!
صلَّيتُ كثيرًا؛ ولكنها الأُولى بحقٍّ.
فاللهمَّ لا تجعلها الأخيرة.