المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخريف


Şøķåŕą
10-09-2021, 05:24 PM
الخريف


تتبايَن أذواقُ الخلق في تفضيل الفصول الأربعة بعضِها على بعض، وكنتُ ممن يُحبون الخريف، وتَسبَحُ رُوحي مع سُحُبِه البيضاء، وأعيشُ معه نفحات الاستعداد للعيد، فكأن الدنيا تستعد للعيد وللثوب الجديد، فتسقُط كلُّ فَضلة أرهَقها الزمنُ، أو أحدَث فيها نَدَبًا، لتستبدلَ بها ثوبًا مُعطَّرًا بعَبَقِ الزهر، وصاخبًا بقيثارة الأمل، وزَقزقة الحياة، عندما يَحين الربيع مزهوًّا مفاخِرًا، وكأنه وَقْدةُ الشباب التي لا تنطفئ.



أما الشتاء، فهو هَدأةُ للدنيا بعد تحوُّلات الخريف، يأتي وكأنه الحكيم الموجِّه للطاقة الطبيعة الفتيَّة، فيُهذِّبُها باللين ودِفء الغمام تارَةً، وبالرعود والأعاصير أخرى، ولا يسأَم حتى يَملأ خزائنَ الأرض بالحبوب، ويُخزِّن في أجبابها الماء لتستمر الحياة..



وحين يتسلَّم الصيفُ الأرضَ تتجدَّد الأرواح بنسائمه العليلة، ويَقوى البدنُ بفواكهه اللذيذة التي جعَلها الله آيةً دالة على بديع صُنعه، فقد جَمَعت بين الجمال بأطيافه، فألوانها ساعقلحرة وفائدتها عالية، وهي فوق ذلك آيةٌ للتدبر والتفكُّر لِمَن كان ذا لُبٍّ وبجمال الكون متدبِّرًا، فسبحانَ مَن نوَّعها وهي تُسقى بماء واحدٍ، وتَنبُتُ مِن تُربة واحدة!



وهكذا تتنوَّع الفصولُ لتُربِّي كلَّ ذي عقلٍ؛ تقول له: استمتِع لكن لا تَنسَ مُهمتك الأصيلة في الحياة، فأنت كتلك الفصولِ، عليك الإعداد والإنتاج والإنماء والترفيه..



تلك هي الفصول الأربعة في عقلي، تنوُّعُها ذاتُه نعمةٌ، تُعلِّمني تقلُّباتُها الحكمةَ، وبقليلٍ من غضَّ الطرْف تَحلو جميعُها في عيني.



إلى أن جاء هذا الخريف، خريف 2021، فاجتمع فيه العام كلُّه بجماله وبهائه وحماسه وعطائه، وبرُعوده وأوحاله! لَمعت سُحُبُه البيضاءُ بنور الحرية، وصَعِدَ القلبُ للسماء فامتلأ برَحابتها، وأضاء بنورها، وسما بعُلوِّها، وطهُر بطُهرِ ساكنيها، وصفا كزُرقتها، وادَّهن بمسكها، وانتشى بطِيبها... فقد أنار عتمةَ الظُّلَمِ صمودُ الأبطال، وبدَّد عزمُهم برودةَ الأوصال، وأحيا صبرُهم قوةَ الإيمان، ورسَم نجاحُهم أطيافَ اليقين في نفوس أُمة كادت تفقدُ كلَّ شيءٍ، هؤلاء هم أبطال النَّفق، ذلك النفق المحفور بقوة القلب لا بقوة اليد، وبآلة الصبر لا بآلة الحفر، وبنور الإيمان ونار العدوان، هذه هي آلاتُهم الحقيقية في نَقْبِ النَّفق... فهذا الحدَث - (خروج بعض أبطالنا الأسرى من أعتى سجون الصهاينة، عن طريق حفْر نفقٍ مِن قلب السجن للصحراء) - جدَّد في قلوب المسلمين العزمَ، وأوقَد لهم مِشعلَ الحرية مِن جديدٍ، بعدما ذَبُلَ فَتيلُه لكثرة ما تجرَّعوا من الظلم والهوان.



هذا النفق المظلم سقى جنينَ النور في أواصر الشباب، حتى أنبت كرامةً في نفوس كان قد غشَّاها اليأس، وأحاطها البؤس، وأثبت أن هذه الأمة باقيةٌ لا يقتُلها ديناميت، ولا يُفنيها نووي، فقوَّتُها في عقيدتها وفي شبابها الذي خالَط التوحيدُ لحمَه وعظامه، فعلِم أن الله وحده هو المعز المذل لا سجون الطغاة ولا تعذيب المعتدين...



لم يَشغلني الحدثُ بقدر ما شغلني قلبُ أولئك الأبطال، وبقيتُ أتساءل: تُرى ما الأمل الذي دفعهم إلى هذا الفعل الجبَّار؟ أيَّةُ شمسٍ تلك التي حلَموا أن تُشرِقَ في أعينهم عند أول نظرة للسماء بعد الخروج من النَّفق؟ ما الوجه الذي قدَّموا حياتهم رخيصةً للنظر فيه؟ ألفُ أداةِ استفهامٍ أطلَّت برأسها على عقلي تُزاحم أختها، وألفُ طيفٍ من إجابة طاف بِمُخيِّلتي، لا شك أن أحدهم أراد مَسحة على وجهه مِن يد أُمِّه الحانية، وثانيهم حلَم بنظرة في عين حبيبته الوفيَّة، وثالثهم ناداه ثَغرُ صغيرته الباسمُ، وهيَّج شوقَه نعومةُ يدها الغَضَّة وهي تتحسَّس وجهَه، ورابعهم أحرقتْه دموعُ والده وانكسارُ ظهره بعد فقْد ابنِه عَضُدِه، والأهم أنهم جميعًا كانوا أحرارَ القلب لم يَفُتَّ عزمَهم أسرُ الجسد ما دامت الروح طليقةً تجول حيث شاءت كلَّ صباح، كلُّهم آمنوا بحرية التوحيد، تلك الحرية التي منَحها الله للروح الأبيَّة، فلا تعبُد إلا باريها وحدَه، وإن تسلَّط عليها الطغاةُ، أو حبستْها الجُدُرُ، إنها سرٌّ كرَّم به الله ابنَ آدم، وسخَّر له باقي الكون، لكن طبائع الأشياء ألا تغترب كثيرًا عما فُطِرت عليه، فالخريفُ يبقى خريفًا، لن يكون يومًا ربيعًا!



وقَع الأحرارُ في الأسْر تِباعًا، وسقطوا في شباك المعتدين مرة أخرى بعد أن حقَّقوا بطولة منقطعةَ النظير، فكلُّ واحد منهم كان فردًا يواجه أكبرَ قوة مخابرتية في العالم، ويتفوَّق عليها وعلى عتادها بجسده النحيل وعتاده الضئيل، وعقيدته الراسخة رسوخَ أُحدٍ!



ثم كانت النهاية (الكثرة تَغلِبُ الشجاعة)، فقد أسَر العدوُّ أبدانهم مرةً أخرى، وبقِيتْ أرواحُهم طليقةً، وذاكرتُهم خِصبة تَقتاتُ من مَسحة يد الأم الحانية، ونظرةٍ شفيقة مِن عين الحبيبة، وقُبلة من ثَغْر الصغيرة، وقبلَ كلِّ ذلك قَبَسٌ مِن يقينٍ ملأ الصدورَ.



أيها المعتدون، نحن الربيع والصيف والخريف والشتاء، وأنتم كالأنعام بل أضل!



هذه أمة تَهرَمُ لكن لا تَموت، ولَّادةٌ لا عقيم، لقاؤنا القادم في الربيع ولن يكون خريفًا بحول الله! انتظرونا وراءَ غَرْقدكم بعقلٍ كالخريف، ورُوحٍ أسيرةٍ، وعقيدةٍ عَفِنةٍ، وبدنٍ يرتجفُ وَهَنًا وضياعًا، فلا دنيا حُزتُم، ولا بآخرةٍ فُزتُم، والحمد لله على نعمة الإسلام، فهي وحدَها الجنةُ والربيع، وصدق ربي سبحانه إذ قال: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجمعة: 6 - 8].

حلا
10-09-2021, 06:17 PM
جزاك الله خير
:f15:

رُّوحي بروحهُ
10-09-2021, 11:44 PM
-



جزاك الله كل خير ..

نبضها مطيري
10-10-2021, 07:30 AM
يسلمو على روعة طرحك
ودي وتقديري

خالد الشاعر
10-10-2021, 08:35 AM
الله يجزاكى كل خير على مجهودكِ
ويجعل الأجر الاوفر بميزان حسناتكِ
لكى خالص تحياتى

بنت الشام
10-10-2021, 01:34 PM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورالإيمان
أحترآمي لــ/سموك

عبد الحليم
10-10-2021, 01:42 PM
سلمت يداك على الطرح الراقي
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك
لك اعجابي وتقديري

غلا الشمال
10-10-2021, 02:04 PM
جزاك الله خير الجزاء ونفع بك ض2

الدكتور على حسن
10-11-2021, 02:03 AM
كل الشكر وكل التقدير
على روعة ما قدمت لنـا
من موضوع اكثر من رائع
ربنا يبارك فيك ويسعدك
ياااااااااااااارب
لكم خالص تحياتى وتقديرى
الدكتور علــى
:23::131::131::23:

فرآشه ملآئكيه
10-11-2021, 02:11 AM
انتقاءك جميــل
يعطيك العافيه يارب , ع الموضوع ! دمت ودام ابداعك
ودي

Şøķåŕą
10-11-2021, 07:30 AM
اميره
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
10-11-2021, 07:30 AM
بنت الشام
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
10-11-2021, 07:30 AM
حلا
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
10-11-2021, 07:31 AM
خالد
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
10-11-2021, 07:31 AM
عبد الحليم
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
10-11-2021, 07:31 AM
نبض وريدي
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
10-11-2021, 07:31 AM
نبض وريدي
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
10-11-2021, 07:31 AM
قطر الندى
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
10-11-2021, 07:31 AM
كبرياء
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
10-11-2021, 07:32 AM
فراشه
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

ڞــمۭــۃ ۛ ּڂۡــڣــﯟڦ ❥
10-12-2021, 04:55 PM
,,~

جَزآگ اللهُ خَيرَ آلجَزآءْ..،
جَعَلَ يومَگ نُوراً وَسُروراً
وَجَبآلاُ مِنِ آلحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحوراً..
جَعَلَهُا آلله في مُوآزيَنَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآعَطآئُگ..
دُمْت بــِطآعَة الله ..~

,,~

Şøķåŕą
10-16-2021, 07:49 AM
روحي تحبك
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
10-28-2021, 08:09 AM
أميره
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
01-17-2023, 12:35 PM
_



جزاك الله كل خير ..
وَبارك الله فيك ولا حرمك الأجر
لك من الشكر أجزله.

Şøķåŕą
02-08-2024, 07:13 PM
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

Şøķåŕą
04-27-2025, 01:23 PM
شكرا لك على المرور العذب :hu:

Şøķåŕą
04-27-2025, 01:24 PM
شكرا لك على المرور العذب :158:

Şøķåŕą
04-27-2025, 01:24 PM
شكرا لك على المرور العذب :579:

Şøķåŕą
04-27-2025, 01:24 PM
شكرا لك على المرور العذب :خير:

Şøķåŕą
04-27-2025, 01:24 PM
شكرا لك على المرور العذب :105:

Şøķåŕą
04-27-2025, 01:24 PM
شكرا لك على المرور العذب :x2::ff7::ff7: