المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجود والإيثار عند حاتم الطائي (2)


Şøķåŕą
10-06-2021, 03:05 PM
أخلاق العرب قبل الإسلام
الجود والإيثار عند حاتم الطائي (2)


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:

فتعالَوا بنا نغذ السير إلى مضاربِ طيئ لنرى حاتمًا ونتعلم من كرمه؛ فقد كان السابقون يتعلمون الأدب كما تتعلمون العلم، فتعالَوا نراقبه عن كَثَبٍ لنرى ماذا يفعل ليَحُوز الضيف إلى خيامه.



لقد تركناه في اللقاء الماضي، وهو يذكر لولده يدًا كانت عنده، وجميلًا قد طوَّقته به كلبة كانت تدل الضيفان عليه، وقد تتعجبون وتقولون: إنَّ الكلبة وإن دلَّت الضيفان عليه، فإنَّها لا تلبث أن تُخيفهم وتُروِّعهم بعوائها، فما جمعته أولًا قد تضيعه آخرًا، ولكم الحق فيما ذهبتم إليه، وأنا مثلكم قد عنَّ لي مثلما عنَّ لكم، لكن انظروا، لكأنَّ حاتمًا قد أحسَّ بما جال في خاطرنا، فها هو يصبُّ الطمأنينة على قلوبنا صبًّا، اسمعوا إليه ماذا يقول، إنَّه يقول:

فإني جبانُ الكلب بيتي مُوَطَّأٌ *** أجودُ إذا ما النفس شحَّ ضميرها



فكلبه جبان لا ينبح الضيفان حينما يتهيؤون للدخول، وإنَّما ينبح البعيد ليدلَّه على مكان حاتم.



وها هو الضيف قد أتى، فتعالوا لندخل معه، لنرى خيمة الكرم وفسطاط الجود، إنَّ أول ما يأخذ بصرنا هو ذلكم البِشْرُ الذي يعلو وجه حاتم، ألَا ترَون وجهه مستنيرًا كأنَّه قد ظفر بما لا يُستطاع الوصول إليه، وحقًّا هو يعتقد ذلك، ها هو يخاطب زوجته قائلًا:

سَلِي البائس المقرور يا أمَّ مالكٍ
إذا ما أتاني بين ناري ومَجزرِي
أأبسطُ وجهي إنه أول القِرى
وأبذل معروفي له دون منكري


انظروا إليه إنَّه يُضاحك أضيافه، ويلاطفهم ويمازحهم، وهذا لَعَمْري كرمٌ يفوق كرم العطاء، إنه كرم اللقاء الذي يفيض بالبِشْرِ والسرور:

أضاحك ضيفي قبل إنزال رحلِهِ
ويخصب عندي والمحلُّ جديبُ
وما الخصب للأضياف أن يكثر القِرى
ولكنما وجه الكريم خصيبُ


إنَّه يتودد للضيفان ويتقرَّب إليهم، وكأنهم هم أصحاب البيت وهو الضيف، بل أخشى أن أكون مبالغًا إذا قلت إنه يفعل معهم من التملَّق والتودد ما لا يفعله إلا العبيد مع سادتهم، أنصتوا، إنه ينظر إلينا ويُحِدُّ النظر، تراه سمعنا؟ صهٍ حتى نتبين، ها هو يدير الكلام في فيه، إنَّه يقول:

وإني لَعَبدُ الضيف ما دام ثاويًا *** وما فيَّ إلا تلك من شيمة العبدِ



لقد سمِعَنا فهلمَّ ننظر ولا نتكلم، ها هي قدوره منصوبة على أثافيِّها، تُرى هل نصبتها زوجته وعبيده فور علمهم بقدومنا أو هي منصوبة هكذا سلفًا لم تغادر؟ ربما نسَوها من أثَرِ إطعام مَن كان قبلنا، لكنه يقول:

قدوري بصحراءَ منصوبةٌ *** وما ينبح الكلب أضْيافِيَهْ



إذًا هي لا تغادر مكانها هذا، وكيف ستغادر والضيوف لا يغادر ضيف منهم إلا ويأتي ضيف آخر؟ وما يلفت النظر أكثر هو هذه النار التي تبدو للناظرين، وليس دون رؤيتها حجاب، إنه يوقدها في مكان ظاهر لتجذب أنظار السائرين بالصحراء في ظلمة الليل البهيم:

وليس على ناري حجابٌ يكُنُّها *** لِمُستوْبِصٍ ليلًا ولكن أُنيرها



ها هو حاتم بعد أن التقانا بالبشر والترحاب، وفدانا بالأهل والأحباب، يقوم إلى كرائم ماله لينظر أكثرها لحمًا، وأطيبها شحمًا لينْحَرَ ويُطعم، لكن تراه يفعل ذلك لأن الزمان زمان خصب ونماء، وهل لو كان أحد من العرب مكانه أمَا كان سيفعل ما يفعل حاتم؟ يقول حاتم:

ألم تعلمي أني إذا الضيف نابني *** وعزَّ القِرى أقري السَّدِيفَ المُسَرهَدا



والسديف المسرهد هو لحم السنام المقطع، وهو أطيب اللحم، فهو إذا عزَّ القِرى فأصبح نادرًا لا وجود له، فحاتم حينها يُقِري ضيفه بأطايب اللحم، وكان أحبابي من أهل اليمن يقولون لي: أطيب اللحم ما بعُد عن الأرض.



لكن: يا حاتم، ألَا تأتيك أيامٌ لا تجد فيها شيئًا تُقرِي به الضيف؟

يقول حاتم: بلى.

فماذا تفعل حينها؟

وإن لم أجد لنزيلي قِرًى *** قطعت له بعض أطرافِيَهْ



وا عجبًا لك يا حاتم، وكلُّ أمرك عَجَبٌ.

ها هو طعامه قد نضج، وجاء الغلمان يحملونه ليضعوه بين يدي أضيافه، لكنه لا يأكل كما يأكل الآخرون، إنه يبدو كأنه يستحيي من شيء، ما لك يا حاتم، أأصابك شيء؟

وإني لأستحيي صِحابي أن يَرَوا
مكان يدي في جانب الزاد أقرعا
أُقصِّر كفِّي أن تنال أكُفَّهم
إذا نحن أهْوَيْنا وحاجتنا معا


إذًا هو ذاك، إنه يؤثر أضيافه بالزاد، ربما يكون حديثَ عهدٍ بالطعام، هو هذا.



همس صاحبي إليَّ وأشار بسبَّابته إلى فمه كأنه يُسكتني، أو ربما يلفت نظري إلى شيء، إنه يشير إلى زوجة حاتم، ها هي تقدُم ناحيتنا، وكأنَّها تريد أن تقول شيئًا، فلنستمع إليها؛ ربما تقول شيئًا جديدًا لم نَرَهُ في رحلتنا هذه، ماذا وراءك يا سيدتي؟ تقول النَّوَّار:

أصابتنا سنة اقشعرَّت لها الأرض، واغبرَّ لها أُفُق السماء، وراحت الإبل حدبًا حدابير، وضنَّت المراضع عن أولادها فما تَبِضُّ بقطرة، وجلَّفت السنةُ المالَ، وأيقنا أنه الهلاك، فوالله إني لفي ليلة صِنَّبر، بعيدة ما بين الطرفين، إذ تضاغى الأصبية من الجوع؛ عبدالله وعدي وسفَّانة، فقام حاتم إلى الصبيَّيْنِ، وقمت إلى الصبيَّة، فوالله ما سكنوا إلا بعد هَدْأةٍ من الليل، ثم ناموا ونمتُ أنا معه، وأقبل يعلِّلني بالحديث، فعرفت ما يريد فتناومت، فلما تهوَّرت النجوم، إذا شيء قد رفع كسر البيت، فقال: من هذا؟ فولَّى ثم عاد، فقال: من هذا؟ فولى ثم عاد آخر الليل، فقال: من هذا؟ فقالت: جارتك فلانة، أتيتك من عند صبية يتعاوَون عُواءَ الذئاب من الجوع، فما وجدتُ مِعولًا إلا عليك أبا عدي، فقال: والله لأشبعنَّهم، فقلت: من أين؟ قال: لا عليكِ، فقال: أعجليهم، فقد أشبعكِ الله وإياهم، فأقبلت المرأة تحمل ابنين، ويمشي جانبها أربعة، كأنها نعامة حولها رِئالها، فقام إلى فرسه، فَوَجَأَ لَبَّتَها بمُدْيَتِهِ، فخرَّ، ثم كَشَطَهُ، ودفع المُدية إلى المرأة، فقال: شأنكِ الآن، فاجتمعنا على اللحم، فقال: سوأة، تأكلون دون الصِّرم؟ ثم جعل يأتيهم بيتًا بيتًا، ويقول: هُبُّوا أيها القوم، عليكم بالنار، فاجتمعوا، والْتَفَعَ بثوبه ناحيةً ينظر إلينا، لا والله ما ذاق منه مُزْعَةً، وإنه لأحوج إليه منا، فأصبحنا وما على الأرض من الفَرَسِ إلا عظم، أو حافر.



صدقتِ يا نوَّار، قد كنا نعجب من أمر حاتم، ونقول: إن ما يُروى عنه ضربٌ من الخيال، أو هو أحاديث خرافة، فاليوم لو قيل لنا في كرم حاتم ما لا تستسيغه العقول، لَقَبِلْناه بعد ما سمعنا منكِ ما سمعنا، ثم تقدمنا إلى حاتم واستأذنَّاه في العودة إلى ديارنا، فأذِن لنا على كُرْهٍ منه، وعُدنا إلى ديارنا مأخوذين بما رأينا وسمعنا، وصارت مجالسنا بعد ذلك كلها مجالس كرم لا تُعقد لإطعام الطعام، وإنما للحديث عن كرم حاتم، ولم يَطُلْ بنا المقام في ديارنا؛ إذ إن روعة شخصية حاتم قد جذبتنا، فعُدنا مسرعين نركب جناحَ الشوق، ويحدُونا حادي الحب إلى هذا الرجل الكريم والسيد المِفضال، وأنَخْنَا المطايا عند بابه، فلم نَرَ كلبًا ولا قِدرًا، ولم نسمع لأحد رِكْزًا، فأخذنا ما قرب وما بعُد، وسألنا عن حاتم: أين هو؟ فقالوا: مات، فسألنا عن قبره، فدُلِلْنا عليه، وكان معنا رجل سيئ الخُلُقِ يُقال له: أبو الخيبري، جعل يركض قبر حاتم برجله، ويقول: يا حاتم، أقِرنا، فقلنا: ماذا تبتغي من عظام قد رَمَّتْ؟ فقال: إن طيئًا تزعُمُ أن حاتمًا لا يمر به أحدٌ إلا قَرَاه، ثم ضرب الليل الكون بجناحه، فأخذتنا سِنةٌ من النَّوم، فأيقظنا صياح أبي الخيبري يقول: وا راحلتاه، فجعني حاتم بناقتي، قلنا: وكيف ذلك؟ قال: أتاني في المنام، فعقر ناقتي بسيفه، فالتفتنا فإذا ناقته تكوِّس عقيرًا، فقمنا إليها فنحرناها وطعِمنا، وبِتنا نأكل ثم سِرنا، فما راعنا إلا رجل يركب بعيرًا، ويقود بعيرًا، وهو يقول: أيُّكُم أبو الخيبري؟ فأشرنا إليه، فدفع إليه الناقة، وقال: أنا عدي بن حاتم، أتاني أبي فزعم أنه قَرَاكم بناقتك، فشأنك والبعير، ودفع إليه البعير ومضى.



ماذا نقول يا حاتم؟ كرم بعد الموت، لا نملك إلا أن نقول: حقًّا يا حاتم لو كنتَ مسلمًا لترحمنا عليك.

ذآتَ حُسن♔
10-06-2021, 06:14 PM
جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض ..
بآرك الله فيك على الطَرح القيم وَ في ميزآن حسناتك ..
آسأل الله أنْ يَرزقـك فسيح آلجنات !!
دمت بحفظ الله ورعآيته ..
لِ روحك

بنت الشام
10-06-2021, 07:48 PM
جزاك الله كل خير
على هذا الموضوع القييم
بارك الله فيكِ وعافاك
سلم لنا طرحكِ المفيد
وسلم لنا ذوقــــك
جزاك الله خيراعظيما

سليدا
10-06-2021, 09:59 PM
جزاك الله خيرا واثابك بقدر كل هذا العطاء
ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة
وكتبه في ميزان حسناتك
تحياتي وتقديري لكم
https://upload.3dlat.com/uploads/136182293111.gif

رُّوحي بروحهُ
10-07-2021, 12:31 AM
-




جزاك الله كل خير

خالد الشاعر
10-07-2021, 02:30 PM
الله يجزاكى كل خير على مجهودكِ
ويجعل الأجر الاوفر بميزان حسناتكِ
لكى خالص تحياتى

نور القمر
10-07-2021, 04:22 PM
سلمت يداك
طرح مميز ورائع
وأطروحاتك دائماً قيّمة
ثريه بالجمال والابداع
دمت برضا
تحياتي لك

الدكتور على حسن
10-07-2021, 10:36 PM
الرائعة والجميلة الاستاذة
سكــرة
كل الشكر وكل التقدير
لحضرتك
سلمت يداك على روعة طرحك
الاكثر من رائـــع
وسلم لنا ذوقك الراقى
على روعة الاختيــار
أسال الله عز وجل
لك سعادة دائمة لا تنتهــى
لك ولحضورك الجميل
كل الشكر وكل التقدير
تحياتى وتقديرى وإحترامى
الدكتـــور علـــى
:85::158::85:

Şøķåŕą
10-08-2021, 08:09 AM
اميره
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
10-08-2021, 08:09 AM
ذات الحسن
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
10-08-2021, 08:09 AM
نبض وريدي
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
10-08-2021, 08:09 AM
بنت الشام
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
10-08-2021, 08:09 AM
خالد
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
10-08-2021, 08:10 AM
سيلد ا
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
10-08-2021, 08:10 AM
الدكتور على
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

رحيل
10-08-2021, 09:42 AM
بارك الله فيكـ وأثابكـ
وجزاكـ جنة عرضها السموات و الأرض
على موضوعكـ الراقي
وجعله في ميزان حسناتكـ
ورزقكـ الفردووس الأعلى من الجنة
بـ انتظار جديدكـ بـ كل شوق

Şøķåŕą
10-09-2021, 06:58 AM
اميره
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
10-09-2021, 06:58 AM
غرام
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

حلا
10-09-2021, 07:11 PM
جزاك الله خير
:f15:

Şøķåŕą
10-11-2021, 07:22 AM
اميره
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
10-11-2021, 07:22 AM
حلا
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

ڞــمۭــۃ ۛ ּڂۡــڣــﯟڦ ❥
10-12-2021, 05:20 PM
,,~

جَزآگ اللهُ خَيرَ آلجَزآءْ..،
جَعَلَ يومَگ نُوراً وَسُروراً
وَجَبآلاُ مِنِ آلحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحوراً..
جَعَلَهُا آلله في مُوآزيَنَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآعَطآئُگ..
دُمْت بــِطآعَة الله ..~

,,~

Şøķåŕą
10-16-2021, 07:47 AM
روحي تحبك
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
10-28-2021, 08:08 AM
أميره
شكرا على المرور الكريم
عطر أرجاء متصفحي
بارك الله فيك
دمت بود

Şøķåŕą
02-08-2024, 07:13 PM
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

Şøķåŕą
04-27-2025, 02:17 PM
شكرا لك على المرور العذب :x21:

Şøķåŕą
04-27-2025, 02:17 PM
شكرا لك على المرور العذب :or1:

Şøķåŕą
04-27-2025, 02:17 PM
شكرا لك على المرور العذب :lr5:

Şøķåŕą
04-27-2025, 02:18 PM
شكرا لك على المرور العذب :x2:

Şøķåŕą
04-27-2025, 02:18 PM
شكرا لك على المرور العذب :sood2:

Şøķåŕą
04-27-2025, 02:18 PM
شكرا لك على المرور العذب :nay2: