نور القمر
10-02-2021, 04:03 PM
https://h.top4top.io/p_2100jrwwb0.png
حينما تتزين الدنيا للناس وتُظهِر مباهجها ومفاتنها؛ ينخدعُ أهلُ الغفلة بها وتغرُّهم زينتُها ويركنون إليها حتى تَشغلهم عن أُخراهم؛ بينما يقف أهلُ الإيمان صامدين أمامها، ثابتين على مبادئهم لا تغرّهم الفتنُ، ولا تؤثّـر فيهم زخارفُ الدنيا، بل هم على العكس من ذلك؛ إِذْ يقلِبون هذه الزخارفَ والمفاتنَ إلى عوامل تثبيت، ووسائل تذكير؛ تذكِّرهم المصيرَ الأخير، وترغِّبهم في نعيم الجنة المقيم، فالمَشاهد واحدة، والصور هي هي! لكنها فتنةٌ للغافلين الجاهلين، وتثبيتٌ للمتقين المؤمنين [1].
من هنا كان من مقاصد القرآن وأهدافه السامية الراقية؛ ربطُ الدنيا بالآخرة، والتذكير بالمعاد، والاهتمام بالحقائق والمقاصد ومنتهى الأمور، والعبور بالمشاهد الحسيّة الملموسة إلى مشاهد معنوية روحية وفكرية؛ تنفع العبد في آخرته ودينه، وهي من الأمور التي متى ما اهتم العبدُ بها وتمرّس عليها فإنها ترتقي به في شعوره وتفكيره؛ فيعيش بين الناس بجسده، ويأكل معهم ويشرب شربهم، يرى ما يرون، ويسمع ما يسمعون؛ لكنه يحلِّق بروحه وفكره وخياله الزّاكي فوق السماء، ويَسْرح ويَمرح في عالَمٍ آخر، ومَسْرحٍ فريد.
تنوعت المشاهد القرآنية التي تنمِّي في نفس المؤمن هذا الحسّ، وهي كثيرة لا يمكن عدُّها ولا حصرُها، ومن الآيات التي أشارت إلى هذا المعنى بصورة مجملة قولُه تعالى في محكم كتابه: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[الكهف: 7]، وذلك بأنْ حسّنَه في العيون، وأبهج به النفوس، وكُلُّ ذلك لحكمة وغاية واحدة، حيث قال: {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}، أي: أيهم أصلحُ عملًا، وقيل: أيهم أترَكُ للدنيا.
وجاء في معنى هذه الآية عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: تلا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية: {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلًا}، فقلتُ: ما معنى ذلك يا رسول الله؟ قال: «ليبلوكم أيّكم أحسن عقلًا وأورع عن محارم الله، وأسرعكم في طاعة الله»[2].
ومن الآيات المجملة أيضًا: قوله تعالى في سورة ق: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}[ق: 6، 7]، ثم ذكر الحكمة العظمى والغاية القصوى من ذلك فقال: {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}[ق: 8]، قال ابن كثير: «ومشاهدة خلق السماوات والأرض، وما جعل الله فيهما من الآيات العظيمة تبصرة ودلالة وذكرى لكلّ عبدٍ منيب، أي: خاضع خائف وَجِل رَجَّاع إلى الله»[3].
فهي إذًا تربية القرآن لنا أن ننظر بعينٍ أُخروية سماوية إلى كلّ مباهج هذه الدنيا وزينتها لِتنقلبَ إلى أداة تذكِّرنا بالآخرة، والجنة، والنار؛ فَنَجِدَّ في العمل ونُسارع إلى الخيرات؛ لنكون مِن أَحسَنِ الناس عملًا.
وفي السُّنة كذلك نلحظ اغتنامه -صلى الله عليه وسلم- لبعض المواقف العابرة ليغرس هذا المفهوم في نفوس أصحابه، ويعبُر بهم من خلال مشاهدات سطحية ليرسِّخ مفاهيم عميقة قويمة تنقلهم من الدنيا إلى الآخرة؛ من ذلك ما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرَّ بالسُّوق داخلًا من بعض العالية، والناسُ كَنَفَتَهُ [أي: جانبه]، فمَرّ بجَدْيٍ أَسَكَّ [أي: صغير الأُذنين] ميِّتٍ، فتناوله فأخذ بأُذنِه، ثم قال: «أيُّكم يحبّ أنّ هذا له بدرهم؟» فقالوا: ما نحبّ أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟! قال: «أتحبون أنه لكم؟» قالوا: واللهِ لو كان حيًّا كان عيبًا فيه لأنه أسَكُّ، فكيف وهو ميّت؟! فقال: «فوالله لَلدنيا أهون على الله من هذا عليكم»[4].
ومَن تَتَبَّعَ القرآنَ والسُّنة فإنه سيتحصّل
له من هذا الشيء الكثير
حينما تتزين الدنيا للناس وتُظهِر مباهجها ومفاتنها؛ ينخدعُ أهلُ الغفلة بها وتغرُّهم زينتُها ويركنون إليها حتى تَشغلهم عن أُخراهم؛ بينما يقف أهلُ الإيمان صامدين أمامها، ثابتين على مبادئهم لا تغرّهم الفتنُ، ولا تؤثّـر فيهم زخارفُ الدنيا، بل هم على العكس من ذلك؛ إِذْ يقلِبون هذه الزخارفَ والمفاتنَ إلى عوامل تثبيت، ووسائل تذكير؛ تذكِّرهم المصيرَ الأخير، وترغِّبهم في نعيم الجنة المقيم، فالمَشاهد واحدة، والصور هي هي! لكنها فتنةٌ للغافلين الجاهلين، وتثبيتٌ للمتقين المؤمنين [1].
من هنا كان من مقاصد القرآن وأهدافه السامية الراقية؛ ربطُ الدنيا بالآخرة، والتذكير بالمعاد، والاهتمام بالحقائق والمقاصد ومنتهى الأمور، والعبور بالمشاهد الحسيّة الملموسة إلى مشاهد معنوية روحية وفكرية؛ تنفع العبد في آخرته ودينه، وهي من الأمور التي متى ما اهتم العبدُ بها وتمرّس عليها فإنها ترتقي به في شعوره وتفكيره؛ فيعيش بين الناس بجسده، ويأكل معهم ويشرب شربهم، يرى ما يرون، ويسمع ما يسمعون؛ لكنه يحلِّق بروحه وفكره وخياله الزّاكي فوق السماء، ويَسْرح ويَمرح في عالَمٍ آخر، ومَسْرحٍ فريد.
تنوعت المشاهد القرآنية التي تنمِّي في نفس المؤمن هذا الحسّ، وهي كثيرة لا يمكن عدُّها ولا حصرُها، ومن الآيات التي أشارت إلى هذا المعنى بصورة مجملة قولُه تعالى في محكم كتابه: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[الكهف: 7]، وذلك بأنْ حسّنَه في العيون، وأبهج به النفوس، وكُلُّ ذلك لحكمة وغاية واحدة، حيث قال: {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}، أي: أيهم أصلحُ عملًا، وقيل: أيهم أترَكُ للدنيا.
وجاء في معنى هذه الآية عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: تلا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية: {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلًا}، فقلتُ: ما معنى ذلك يا رسول الله؟ قال: «ليبلوكم أيّكم أحسن عقلًا وأورع عن محارم الله، وأسرعكم في طاعة الله»[2].
ومن الآيات المجملة أيضًا: قوله تعالى في سورة ق: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}[ق: 6، 7]، ثم ذكر الحكمة العظمى والغاية القصوى من ذلك فقال: {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}[ق: 8]، قال ابن كثير: «ومشاهدة خلق السماوات والأرض، وما جعل الله فيهما من الآيات العظيمة تبصرة ودلالة وذكرى لكلّ عبدٍ منيب، أي: خاضع خائف وَجِل رَجَّاع إلى الله»[3].
فهي إذًا تربية القرآن لنا أن ننظر بعينٍ أُخروية سماوية إلى كلّ مباهج هذه الدنيا وزينتها لِتنقلبَ إلى أداة تذكِّرنا بالآخرة، والجنة، والنار؛ فَنَجِدَّ في العمل ونُسارع إلى الخيرات؛ لنكون مِن أَحسَنِ الناس عملًا.
وفي السُّنة كذلك نلحظ اغتنامه -صلى الله عليه وسلم- لبعض المواقف العابرة ليغرس هذا المفهوم في نفوس أصحابه، ويعبُر بهم من خلال مشاهدات سطحية ليرسِّخ مفاهيم عميقة قويمة تنقلهم من الدنيا إلى الآخرة؛ من ذلك ما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرَّ بالسُّوق داخلًا من بعض العالية، والناسُ كَنَفَتَهُ [أي: جانبه]، فمَرّ بجَدْيٍ أَسَكَّ [أي: صغير الأُذنين] ميِّتٍ، فتناوله فأخذ بأُذنِه، ثم قال: «أيُّكم يحبّ أنّ هذا له بدرهم؟» فقالوا: ما نحبّ أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟! قال: «أتحبون أنه لكم؟» قالوا: واللهِ لو كان حيًّا كان عيبًا فيه لأنه أسَكُّ، فكيف وهو ميّت؟! فقال: «فوالله لَلدنيا أهون على الله من هذا عليكم»[4].
ومَن تَتَبَّعَ القرآنَ والسُّنة فإنه سيتحصّل
له من هذا الشيء الكثير