Şøķåŕą
09-24-2021, 05:30 PM
أيها المؤمنون!
إنَّ مِنْ الأمرِ البيِّنِ شكوى الكثيرِ مِن قلَّةِ الانتفاعِ مِن النِّعَم رُغْمَ وجودِها وتوافرِها والتمكُّنِ منها؛ فلا يَكادُ يُرى لها أثرٌ ملموسٌ في الحياةِ؛ فلا المالَ الكثيرَ يَفِي بالحاجةِ - فَضْلًا عن الرِّفْدِ والنَّجدةِ!-، ولا إنجازاتِ ماثلةً مع بذْلِ الجَهْدِ وإنفاقِ الساعاتِ ومُضيِّ العُمُرِ، ومعاناةُ الوالدِ مريرةٌ من تقصيرِ أولادِه في بِرِّه مع كثرتِهم وقدرتِهم، وكَمُّ المعلوماتِ الهائلُ وسهولةُ الوصولِ لها لمْ تُغْنِ عن حُسْنِ توظيفِها واستفادةِ المجتمعِ منها ورفْعِ الجهلِ عنه، واستغاثةُ مستضعَفيْ المسلمين ومعاناتُهم لا يُجِيبُها عددُهمُ المِلْيَارِيُّ، كلُّ ذلك صورٌ متنوعةٌ لتلك الشكوى؛ فما سبَبُ ذلك؟ إنَّ أبرزَ سببٍ في ذلك وأهمَّه نقصانُ البركةِ الربانيةِ في تلك النِّعمِ أو انعدامُها؛ فلمْ تَعُدْ صورُ النِّعمِ وعَدَدُها تُغْني عن حقيقتِها ونفعِها؛ وذلك داعٍ إلى التذكيرِ بعِظَمِ شأنِ البركةِ والعنايةِ به. إنَّ المتأمِّلَ في الهُدى الربانيِّ يلحظُ شَدَّ الأنظارِ إلى أنَّ النفعَ والقوةَ كامِنانِ في البركةِ لا الكثرة؛ ومنْ ثَمَّ كانَ المعوَّلُ عليها والعنايةُ بها، ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 116]، ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 249]؛ وذلك أنّ البركةَ سِرٌ ربانيٌ يُنْزِلُه اللهُ - سبحانَه- على النِّعم؛ فتَقَرُّ، وتَنْمو، وتَقْوى،
البركةِ لا الكثرة؛ ومنْ ثَمَّ كانَ المعوَّلُ عليها والعنايةُ بها، ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 116]، ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 249]؛ وذلك أنّ البركةَ سِرٌ ربانيٌ يُنْزِلُه اللهُ - سبحانَه- على النِّعم؛ فتَقَرُّ، وتَنْمو، وتَقْوى، ويَمتدُ خيرُها، وتُحمى مِن الآفاتِ والشرورِ؛ فالنفعُ والنماءُ والبقاءُ مِن أخصِّ سِماتِ البركةِ حين يُنزِلُها اللهُ –جلّ وعزَّ. وإنزالُ البركةِ من اللهِ - جل وعلا - مِن أمْرِ الغيبِ الذي لا يُثْبِتُه إلا دليلٌ مِن كتابٍ أو سنةٍ؛ فتَلَمُّسُ أسبابِ البركةِ لا يكونُ من غيرِ طريقِهما.
أيُّها المسلمونَ!
إنَّ للبركةِ الربانيةِ أسبابًا عامةً، يَحْسنُ العلمُ بها وفقهُها؛ سعيًا إلى الظَّفَرِ بها، والتنعُّمِ بها، ومِن أعظمِ تلك الأسبابِ الإيمانُ والتقوى، كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]. والإخلاصُ عَصَبُ الإيمانِ الذي عليه يقومُ القبولُ وتُسْتَنْزَلُ به البركةُ، كما أنزلَها اللهُ –سبحانه- على بناءِ الخليلِ وابنِه إسماعيلَ – عليهما السلامُ-بيتَه المحرَّمَ؛ فكان مَهْوى الأفئدةِ على مَرِّ العُصُورِ. والاستغفارُ من أخصِّ خِصالِ التقوى التي لا تفارقُها قوةُ البركةِ، كما قال تعالى عن نبيِّه هودٍ - عليه السلامُ -: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُم ﴾ [هود: 52]. وتقديمُ هَمِّ الآخرةِ على هَمِّ الدنيا مِن أسبابِ حصولِ بركةِ النِّعم، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " مَن كانت الدنيا همَّه؛ فَرَّقَ الله عليه أمرَه، وجعل فقرَه بين عينيه، ولم يأتِه مِن الدنيا إلا ما كُتب له، ومَن كانت الآخرةُ نيتَّه؛ جَمَعَ اللهُ له أمرَه، وجعلَ غناه في قلبِه، وأَتَتْه الدنيا وهيَ راغمةٌ "، رواه ابنُ ماجه وصححه البُوصيريُّ. ومِن شأنِ تقديمِ الهَمِّ الأخرويِّ سخاوةُ النَّفْسِ في أمرِ الدنيا، وعَدَمُ كَلَفِها به، ورضاها وقناعتُُها بما قَسَمَ اللهُ لها؛ وذاك مِن أسبابِ بركةِ الحالِ، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " إن هذا المالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فمَن أخذَه بسخاوةِ نفسٍ؛ بُوركَ له فيه، ومَن أخذَه بإشرافِ نَفْسٍ؛ لمْ يُباركْ له فيه، وكان كالذي يأكلُ ولا يَشبعُ " رواه البخاريُّ، ويقولُ: " إنَّ اللهَ -تبارك وتعالى- يَبتلي عبدَه بما أعطاه، فمَن رضيَ بما قَسَمَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- له؛ باركَ اللهُ له فيه، ووسَّعَه، ومَن لم يَرْضََ؛ لمْ يُباركْ له فيه " رواه أحمدُ وصحَّحه الألبانيُّ على شرطِ مُسلِمٍ. وتَوْفِيةُ الحقوقِ لأهلِها سببٌ به يُنْزِلُ اللهُ – سبحانَه- البركةَ على عبدِه الوَفِـيِّ، كما قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الدنيا خضرةٌ حُلْوَةٌ، مَن أخذَها بحقِّها؛ بُورك له فيها، وَرُبَّ مُتَخَوِّضٍ في مالِ اللهِ، ومالِ رسولِه، له النارُ يومَ يَلقى اللهَ " رواه أحمدُ وصحَّحه ابنُ حبانَ. وتوفيةُ الحقوقِ مِن أعظمِ ما يَنْتَفِع به الناسُ، وما كان هذا شأنَه فحَقُّه أن يَبقى ويدومَ بالبركةِ، كما قال اللهُ –تعالى-: ﴿ وأمّا ما ينفعُ الناسَ فيمكثُ في الأرض ﴾ [الرعد: 17]. والصدقُ والوضوحُ والبيانُ في التعاملِ مع الناسِ مِن أَجَلِّ ما يكونُ به وفاءُ حقوقِهم، وهو مِن أسبابِ تَنَزُّلِ البركةِ مِن اللهِ - سبحانه-، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " البَيِّعانِ بالخِيارِ ما لم يتفرَّقا، فإنْ صَدَقا وبَيَّنا؛ بُورك لهما في بيعِهما، وإنْ كَذَبا وكَتَما؛ مُحِقَتْ بركةُ بيعِهما " رواه البخاريُّ ومسلمٌ. ولَئِنْ كان وفاءُ الحقوقِ مِن أسبابِ تنزُّلِ البركةِ؛ فإنَّ تنزُّلَها أرجى ما يكونُ إنْ كان المؤدَّى إليه الحقُّ ذا رحمٍ أو ضعيفًا كاليتيمِ والفقيرِ والمرأةِ والمظلومِ العاجزِ، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " مَن أحبَّ أن يُبْسطَ له في رزقِه، ويُنْسَأَ له في أثرِه؛ فلْيصِلْ رحمَه " رواه البخاريُّ ومسلمٌ، وقال في شأن الضِعاف: " ابْغُوني ضعفاءَكم؛ فإنما تُرزقون وتُنصرون بضعفائِكم "؛ رواه الترمذيُ وقال: حسنٌ صحيحٌ.
ومِن شأنِ القيامِ بالحقوقِ ووفائِها أن يفشوَ العدلُ في المجتمعِ، وبَسْطُ العدلِ في رحابِ المجتمعِ مِن أسبابِ تَنَزُّلِ البركةِ عليه، كما ذَكَرَ النبي صلى الله عليه وسلم حالَ المؤمنين الصالحين بعد قَتْلِ عيسى بنِ مريم – عليه الصلاةُ والسلامُ-المسيحَ الدجالَ وسيادةِ العدلِ المعمورةَ، فقال: " ثُمُّ يرسلُ اللهُ مطرًا لا يُكِنُّ منه (أي: يستر) بيتُ مَدَرٍ(وهو الطين) ولا وَبَرٍ، فيغسلُ الأرضَ حتى يتركَها كالزَّلَفَةِ (أي: المِرْآة)، ثم يُقالُ للأرض: أنْبِتي ثمرتَك، ورُدِّي بركتَك، فيومئذٍ تَأكلُ العصابةُ (أي: الجماعة من الناس) مِن الرمانةِ، ويَستظلُّون بقِحْفِها (أي: قاعِ قشرِها)، ويبارك في الرِّسْلِ (أي: اللبن)، حتى أنَّ اللِّقَحَةَ من الإبل (وهي الناقةُ القريبة من الولادة) لَتكفي الفئامَ (أي: الجماعةَ الكثيرةَ) مِن الناسِ، واللِّقَحَةَ مِن البقرِ لَتكفي القبيلةَ مِن الناسِ، واللِّقَحَةَ مِن الغنمِ لتكفي الفَخِذَ من الناسِ " رواه مسلم، قال أبو قَحْذَمٍ: " وُجِدَ في بعضِ بُيوتاتِ كسرى صُرّةٌ فيها حِنطةٌ (وهو البُرُّ) مثلُ نوى التمرِ، وعليه مكتوبٌ: هذا نَبَتَ زمانَ كان يُعمل فيه بالعدلِ "، وكانتِ الزكاةُ يُنادَى بها في عهدِ الخليفةِ الراشدِ عمرَ بنِ عبدِالعزيزِ ولا تجدُ لها مجيبًا.
إنَّ مِنْ الأمرِ البيِّنِ شكوى الكثيرِ مِن قلَّةِ الانتفاعِ مِن النِّعَم رُغْمَ وجودِها وتوافرِها والتمكُّنِ منها؛ فلا يَكادُ يُرى لها أثرٌ ملموسٌ في الحياةِ؛ فلا المالَ الكثيرَ يَفِي بالحاجةِ - فَضْلًا عن الرِّفْدِ والنَّجدةِ!-، ولا إنجازاتِ ماثلةً مع بذْلِ الجَهْدِ وإنفاقِ الساعاتِ ومُضيِّ العُمُرِ، ومعاناةُ الوالدِ مريرةٌ من تقصيرِ أولادِه في بِرِّه مع كثرتِهم وقدرتِهم، وكَمُّ المعلوماتِ الهائلُ وسهولةُ الوصولِ لها لمْ تُغْنِ عن حُسْنِ توظيفِها واستفادةِ المجتمعِ منها ورفْعِ الجهلِ عنه، واستغاثةُ مستضعَفيْ المسلمين ومعاناتُهم لا يُجِيبُها عددُهمُ المِلْيَارِيُّ، كلُّ ذلك صورٌ متنوعةٌ لتلك الشكوى؛ فما سبَبُ ذلك؟ إنَّ أبرزَ سببٍ في ذلك وأهمَّه نقصانُ البركةِ الربانيةِ في تلك النِّعمِ أو انعدامُها؛ فلمْ تَعُدْ صورُ النِّعمِ وعَدَدُها تُغْني عن حقيقتِها ونفعِها؛ وذلك داعٍ إلى التذكيرِ بعِظَمِ شأنِ البركةِ والعنايةِ به. إنَّ المتأمِّلَ في الهُدى الربانيِّ يلحظُ شَدَّ الأنظارِ إلى أنَّ النفعَ والقوةَ كامِنانِ في البركةِ لا الكثرة؛ ومنْ ثَمَّ كانَ المعوَّلُ عليها والعنايةُ بها، ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 116]، ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 249]؛ وذلك أنّ البركةَ سِرٌ ربانيٌ يُنْزِلُه اللهُ - سبحانَه- على النِّعم؛ فتَقَرُّ، وتَنْمو، وتَقْوى،
البركةِ لا الكثرة؛ ومنْ ثَمَّ كانَ المعوَّلُ عليها والعنايةُ بها، ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 116]، ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 249]؛ وذلك أنّ البركةَ سِرٌ ربانيٌ يُنْزِلُه اللهُ - سبحانَه- على النِّعم؛ فتَقَرُّ، وتَنْمو، وتَقْوى، ويَمتدُ خيرُها، وتُحمى مِن الآفاتِ والشرورِ؛ فالنفعُ والنماءُ والبقاءُ مِن أخصِّ سِماتِ البركةِ حين يُنزِلُها اللهُ –جلّ وعزَّ. وإنزالُ البركةِ من اللهِ - جل وعلا - مِن أمْرِ الغيبِ الذي لا يُثْبِتُه إلا دليلٌ مِن كتابٍ أو سنةٍ؛ فتَلَمُّسُ أسبابِ البركةِ لا يكونُ من غيرِ طريقِهما.
أيُّها المسلمونَ!
إنَّ للبركةِ الربانيةِ أسبابًا عامةً، يَحْسنُ العلمُ بها وفقهُها؛ سعيًا إلى الظَّفَرِ بها، والتنعُّمِ بها، ومِن أعظمِ تلك الأسبابِ الإيمانُ والتقوى، كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]. والإخلاصُ عَصَبُ الإيمانِ الذي عليه يقومُ القبولُ وتُسْتَنْزَلُ به البركةُ، كما أنزلَها اللهُ –سبحانه- على بناءِ الخليلِ وابنِه إسماعيلَ – عليهما السلامُ-بيتَه المحرَّمَ؛ فكان مَهْوى الأفئدةِ على مَرِّ العُصُورِ. والاستغفارُ من أخصِّ خِصالِ التقوى التي لا تفارقُها قوةُ البركةِ، كما قال تعالى عن نبيِّه هودٍ - عليه السلامُ -: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُم ﴾ [هود: 52]. وتقديمُ هَمِّ الآخرةِ على هَمِّ الدنيا مِن أسبابِ حصولِ بركةِ النِّعم، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " مَن كانت الدنيا همَّه؛ فَرَّقَ الله عليه أمرَه، وجعل فقرَه بين عينيه، ولم يأتِه مِن الدنيا إلا ما كُتب له، ومَن كانت الآخرةُ نيتَّه؛ جَمَعَ اللهُ له أمرَه، وجعلَ غناه في قلبِه، وأَتَتْه الدنيا وهيَ راغمةٌ "، رواه ابنُ ماجه وصححه البُوصيريُّ. ومِن شأنِ تقديمِ الهَمِّ الأخرويِّ سخاوةُ النَّفْسِ في أمرِ الدنيا، وعَدَمُ كَلَفِها به، ورضاها وقناعتُُها بما قَسَمَ اللهُ لها؛ وذاك مِن أسبابِ بركةِ الحالِ، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " إن هذا المالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فمَن أخذَه بسخاوةِ نفسٍ؛ بُوركَ له فيه، ومَن أخذَه بإشرافِ نَفْسٍ؛ لمْ يُباركْ له فيه، وكان كالذي يأكلُ ولا يَشبعُ " رواه البخاريُّ، ويقولُ: " إنَّ اللهَ -تبارك وتعالى- يَبتلي عبدَه بما أعطاه، فمَن رضيَ بما قَسَمَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- له؛ باركَ اللهُ له فيه، ووسَّعَه، ومَن لم يَرْضََ؛ لمْ يُباركْ له فيه " رواه أحمدُ وصحَّحه الألبانيُّ على شرطِ مُسلِمٍ. وتَوْفِيةُ الحقوقِ لأهلِها سببٌ به يُنْزِلُ اللهُ – سبحانَه- البركةَ على عبدِه الوَفِـيِّ، كما قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الدنيا خضرةٌ حُلْوَةٌ، مَن أخذَها بحقِّها؛ بُورك له فيها، وَرُبَّ مُتَخَوِّضٍ في مالِ اللهِ، ومالِ رسولِه، له النارُ يومَ يَلقى اللهَ " رواه أحمدُ وصحَّحه ابنُ حبانَ. وتوفيةُ الحقوقِ مِن أعظمِ ما يَنْتَفِع به الناسُ، وما كان هذا شأنَه فحَقُّه أن يَبقى ويدومَ بالبركةِ، كما قال اللهُ –تعالى-: ﴿ وأمّا ما ينفعُ الناسَ فيمكثُ في الأرض ﴾ [الرعد: 17]. والصدقُ والوضوحُ والبيانُ في التعاملِ مع الناسِ مِن أَجَلِّ ما يكونُ به وفاءُ حقوقِهم، وهو مِن أسبابِ تَنَزُّلِ البركةِ مِن اللهِ - سبحانه-، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " البَيِّعانِ بالخِيارِ ما لم يتفرَّقا، فإنْ صَدَقا وبَيَّنا؛ بُورك لهما في بيعِهما، وإنْ كَذَبا وكَتَما؛ مُحِقَتْ بركةُ بيعِهما " رواه البخاريُّ ومسلمٌ. ولَئِنْ كان وفاءُ الحقوقِ مِن أسبابِ تنزُّلِ البركةِ؛ فإنَّ تنزُّلَها أرجى ما يكونُ إنْ كان المؤدَّى إليه الحقُّ ذا رحمٍ أو ضعيفًا كاليتيمِ والفقيرِ والمرأةِ والمظلومِ العاجزِ، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " مَن أحبَّ أن يُبْسطَ له في رزقِه، ويُنْسَأَ له في أثرِه؛ فلْيصِلْ رحمَه " رواه البخاريُّ ومسلمٌ، وقال في شأن الضِعاف: " ابْغُوني ضعفاءَكم؛ فإنما تُرزقون وتُنصرون بضعفائِكم "؛ رواه الترمذيُ وقال: حسنٌ صحيحٌ.
ومِن شأنِ القيامِ بالحقوقِ ووفائِها أن يفشوَ العدلُ في المجتمعِ، وبَسْطُ العدلِ في رحابِ المجتمعِ مِن أسبابِ تَنَزُّلِ البركةِ عليه، كما ذَكَرَ النبي صلى الله عليه وسلم حالَ المؤمنين الصالحين بعد قَتْلِ عيسى بنِ مريم – عليه الصلاةُ والسلامُ-المسيحَ الدجالَ وسيادةِ العدلِ المعمورةَ، فقال: " ثُمُّ يرسلُ اللهُ مطرًا لا يُكِنُّ منه (أي: يستر) بيتُ مَدَرٍ(وهو الطين) ولا وَبَرٍ، فيغسلُ الأرضَ حتى يتركَها كالزَّلَفَةِ (أي: المِرْآة)، ثم يُقالُ للأرض: أنْبِتي ثمرتَك، ورُدِّي بركتَك، فيومئذٍ تَأكلُ العصابةُ (أي: الجماعة من الناس) مِن الرمانةِ، ويَستظلُّون بقِحْفِها (أي: قاعِ قشرِها)، ويبارك في الرِّسْلِ (أي: اللبن)، حتى أنَّ اللِّقَحَةَ من الإبل (وهي الناقةُ القريبة من الولادة) لَتكفي الفئامَ (أي: الجماعةَ الكثيرةَ) مِن الناسِ، واللِّقَحَةَ مِن البقرِ لَتكفي القبيلةَ مِن الناسِ، واللِّقَحَةَ مِن الغنمِ لتكفي الفَخِذَ من الناسِ " رواه مسلم، قال أبو قَحْذَمٍ: " وُجِدَ في بعضِ بُيوتاتِ كسرى صُرّةٌ فيها حِنطةٌ (وهو البُرُّ) مثلُ نوى التمرِ، وعليه مكتوبٌ: هذا نَبَتَ زمانَ كان يُعمل فيه بالعدلِ "، وكانتِ الزكاةُ يُنادَى بها في عهدِ الخليفةِ الراشدِ عمرَ بنِ عبدِالعزيزِ ولا تجدُ لها مجيبًا.