Şøķåŕą
08-26-2021, 04:32 PM
شرح حديث الأترجة
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصَحْبه وسلَّم.
الحمد لله على خصوص الْمِنَح وعموم النعماء، وله الشكر على ما أَوْلَى من عظائم الْمِنَن وكرائم الآلاء.
وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله جلَّتْ نعوتُه عن الإحصاء، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله سيِّد الرُّسل وخاتَم الأنبياء.
محمد المنتخب من لُباب العرب العرباء، ونبيُّه المنتجَب من أعلى سَنام الذِّروة العلياء، صلى الله عليه وعلى جميع عِترته الطاهرة، وصحابته الأنجم الزاهرة، وأهل بيته النُّجباء.
الحديث:
عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَثَلُ المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأُتْرُجَّة؛ ريحُها طيِّب وطعمُها طيِّب، ومَثَل المؤمن الذي لا يقرأ القرآنَ مثَل التمرة؛ لا ريحَ وطعمُها حُلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الرَّيحانة؛ ريحُها طيِّب وطعمُها مُرٌّ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة؛ ليس لها ريحٌ وطعمُها مُرٌّ))؛ رواه مسلم.
هذا مثل يَضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسِّم فيه الناسَ وعلاقتهم بالقرآن؛ قال النووي في شَرْحه على صحيح مسلم: "هذا الحديث فيه فضيلة حافظ القرآن، واستحباب ضَرْب الأمثال لإيضاح المقاصد".
ورَدَ في "مختار الصحاح": "الأُتْرُجَّة والأُتْرُج بضمِّ الهمزة والراء، وتشديد الجيم فيهما، وحكى أبو زيد تُرُنْجَة وتُرُنْجٌ.
والأُتْرُجَّة: ثمرة طيِّبة المذاق، طيِّبة الريح، ويبدو أنها غالية الثمن.
ولكن يبقى سؤال: لماذا شبَّه النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤمن قارئ القرآن بالأُتْرُجَّة؟!
قال الحافظ ابن حجر في شَرْحه على صحيح البخاري:
"قيلَ: الحكمة في تخصيص الأُتْرُجَّة بالتمثيل دون غيرها من الفاكهة التي تجمعُ طيب الطعم والريح كالتفاحة؛ لأنه يُتداوَى بقِشْرها وهو مُفْرِح بالخاصِّيَّة، ويُستخرَج من حَبِّها دُهنٌ له منافع، وقيل: إنَّ الجنَّ لا تقْرَب البيت الذي فيه الأُتْرُج؛ فناسَبَ أن يُمثِّل به القرآن الذي لا تقرَبه الشياطين، وغلاف حَبِّه أبيض، فيناسِب قلب المؤمن، وفيها أيضًا من المزايا كِبر جِرْمها، وحُسن مَنظرها، وتفريح لونها، ولِين مَلْمَسها، وفي أكلها مع الالتذاذ طيبُ نَكْهة، ودباغ مَعِدة، وجودة هَضْمٍ، ولها منافعُ أخرى مذكورة في المفردات".
يقسِّم النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الناس أربعة أقسام في علاقتهم بالقرآن:
القسم الأول: المؤمن الذي يقرأ القرآن ويُفهم من ذلك أنه يعملُ بما يقرأ، وينفذ أوامره، ويصير خُلقه القرآن؛ كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - خُلقه القرآن؛ كما حدَّثَتْ بذلك عائشة، قالتْ: "كان خُلقه القرآن".
أما القسم الثاني، فهو المؤمن الذي لا يقرأ القرآن؛ أي: إنه يعمل بما في القرآن لكنَّه لا يتلوه، فمثله مَثَل التمرة؛ طعمها حلو ولا رِيحَ لها، ولاختيار التمرة هنا معنًى بديع: وهو أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد شبَّه المؤمن بالنخلة بجامع كَثَرة الفوائد بينهما؛ قال ابن عمر: "كنَّا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتى بجُمَّار، فقال: ((إنَّ من الشجر شجرة مَثَلها كمَثَل المسلم))، فأردتُ أن أقول: هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم، فسكتُّ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((هي النخلة))؛ رواه البخاري.
قال صاحب تُحفة الأحوذي:
"ووجْه الشَّبَه بين النخلة والمؤمن من جهة عدم سقوط الوَرَق ما رواه الحرث بن أسامة في هذا الحديث من وجهٍ آخرَ عن ابن عمر ولفظه، قال: "كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فقال: ((إنَّ مثَلَ المؤمن كمثل شجرة لا تسقط لها أُنْمُلَة، أتدرون ما هي؟))، قالوا: لا، فقال: ((هي النخلة، لا تسقط لها أُنْمُلة، ولا تسقط لمؤمن دعوة)).
ووقَعَ عند البخاري في الأطعمة من طريق الأعْمَش، قال: حدَّثني مُجاهد عن ابن عمر، قال: "بينا نحن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أتَى بجُمَّار، فقال: ((إنَّ من الشجر لَمَا بركته كبركة المسلم))، وهذا أعمُّ من الذي قبله.
وبركة النخل كامنة في جميع أجزائها، مستمرَّة في جميع أحوالها، فمن حين تطلُع إلى أن تيبسَ تؤكل أنواعًا، ثم بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها، حتى النَّوَى في عَلف الدَّوَاب، والليف في الحبال، وغير ذلك مما لا يخفى، وكذلك بركة المؤمنِ عامَّة في جميع الأحوال، ونفعُه مستمرٌّ له ولغيره، حتى بعد موته"؛ تحفة الأحوذي، ج 8، ص 135.
القسم الثالث: المنافق الذي يقرأ القرآن، فهو لا يعمل به ويتظاهر أمام الناس أنه مؤمنٌ، فهو في ذلك مثل الريحانة لها رائحة وطعمها مُرٌّ.
القسم الرابع: المنافق الذي لا يقرأ القرآن، شبَّهه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحنظلة، وفيها ما فيها من المذاق المرِّ؛ ولذا قال: ((لا رائحة لها، وطعمها مُرٌّ))، وفي رواية للترمذي: ((رِيحُها مُرٌّ وطعمُها مُرٌّ))، واستشكلتْ هذه الرواية من جهة أنَّ المرارة من أوصاف الطعوم، فكيف يوصف بها الريحُ؟! والإجابة بأنَّ الريح لَمَّا كان كريهًا، اسْتُعيرَ له وصْفُ (المرارة).
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصَحْبه وسلَّم.
الحمد لله على خصوص الْمِنَح وعموم النعماء، وله الشكر على ما أَوْلَى من عظائم الْمِنَن وكرائم الآلاء.
وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله جلَّتْ نعوتُه عن الإحصاء، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله سيِّد الرُّسل وخاتَم الأنبياء.
محمد المنتخب من لُباب العرب العرباء، ونبيُّه المنتجَب من أعلى سَنام الذِّروة العلياء، صلى الله عليه وعلى جميع عِترته الطاهرة، وصحابته الأنجم الزاهرة، وأهل بيته النُّجباء.
الحديث:
عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَثَلُ المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأُتْرُجَّة؛ ريحُها طيِّب وطعمُها طيِّب، ومَثَل المؤمن الذي لا يقرأ القرآنَ مثَل التمرة؛ لا ريحَ وطعمُها حُلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الرَّيحانة؛ ريحُها طيِّب وطعمُها مُرٌّ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة؛ ليس لها ريحٌ وطعمُها مُرٌّ))؛ رواه مسلم.
هذا مثل يَضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسِّم فيه الناسَ وعلاقتهم بالقرآن؛ قال النووي في شَرْحه على صحيح مسلم: "هذا الحديث فيه فضيلة حافظ القرآن، واستحباب ضَرْب الأمثال لإيضاح المقاصد".
ورَدَ في "مختار الصحاح": "الأُتْرُجَّة والأُتْرُج بضمِّ الهمزة والراء، وتشديد الجيم فيهما، وحكى أبو زيد تُرُنْجَة وتُرُنْجٌ.
والأُتْرُجَّة: ثمرة طيِّبة المذاق، طيِّبة الريح، ويبدو أنها غالية الثمن.
ولكن يبقى سؤال: لماذا شبَّه النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤمن قارئ القرآن بالأُتْرُجَّة؟!
قال الحافظ ابن حجر في شَرْحه على صحيح البخاري:
"قيلَ: الحكمة في تخصيص الأُتْرُجَّة بالتمثيل دون غيرها من الفاكهة التي تجمعُ طيب الطعم والريح كالتفاحة؛ لأنه يُتداوَى بقِشْرها وهو مُفْرِح بالخاصِّيَّة، ويُستخرَج من حَبِّها دُهنٌ له منافع، وقيل: إنَّ الجنَّ لا تقْرَب البيت الذي فيه الأُتْرُج؛ فناسَبَ أن يُمثِّل به القرآن الذي لا تقرَبه الشياطين، وغلاف حَبِّه أبيض، فيناسِب قلب المؤمن، وفيها أيضًا من المزايا كِبر جِرْمها، وحُسن مَنظرها، وتفريح لونها، ولِين مَلْمَسها، وفي أكلها مع الالتذاذ طيبُ نَكْهة، ودباغ مَعِدة، وجودة هَضْمٍ، ولها منافعُ أخرى مذكورة في المفردات".
يقسِّم النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الناس أربعة أقسام في علاقتهم بالقرآن:
القسم الأول: المؤمن الذي يقرأ القرآن ويُفهم من ذلك أنه يعملُ بما يقرأ، وينفذ أوامره، ويصير خُلقه القرآن؛ كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - خُلقه القرآن؛ كما حدَّثَتْ بذلك عائشة، قالتْ: "كان خُلقه القرآن".
أما القسم الثاني، فهو المؤمن الذي لا يقرأ القرآن؛ أي: إنه يعمل بما في القرآن لكنَّه لا يتلوه، فمثله مَثَل التمرة؛ طعمها حلو ولا رِيحَ لها، ولاختيار التمرة هنا معنًى بديع: وهو أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد شبَّه المؤمن بالنخلة بجامع كَثَرة الفوائد بينهما؛ قال ابن عمر: "كنَّا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتى بجُمَّار، فقال: ((إنَّ من الشجر شجرة مَثَلها كمَثَل المسلم))، فأردتُ أن أقول: هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم، فسكتُّ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((هي النخلة))؛ رواه البخاري.
قال صاحب تُحفة الأحوذي:
"ووجْه الشَّبَه بين النخلة والمؤمن من جهة عدم سقوط الوَرَق ما رواه الحرث بن أسامة في هذا الحديث من وجهٍ آخرَ عن ابن عمر ولفظه، قال: "كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فقال: ((إنَّ مثَلَ المؤمن كمثل شجرة لا تسقط لها أُنْمُلَة، أتدرون ما هي؟))، قالوا: لا، فقال: ((هي النخلة، لا تسقط لها أُنْمُلة، ولا تسقط لمؤمن دعوة)).
ووقَعَ عند البخاري في الأطعمة من طريق الأعْمَش، قال: حدَّثني مُجاهد عن ابن عمر، قال: "بينا نحن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أتَى بجُمَّار، فقال: ((إنَّ من الشجر لَمَا بركته كبركة المسلم))، وهذا أعمُّ من الذي قبله.
وبركة النخل كامنة في جميع أجزائها، مستمرَّة في جميع أحوالها، فمن حين تطلُع إلى أن تيبسَ تؤكل أنواعًا، ثم بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها، حتى النَّوَى في عَلف الدَّوَاب، والليف في الحبال، وغير ذلك مما لا يخفى، وكذلك بركة المؤمنِ عامَّة في جميع الأحوال، ونفعُه مستمرٌّ له ولغيره، حتى بعد موته"؛ تحفة الأحوذي، ج 8، ص 135.
القسم الثالث: المنافق الذي يقرأ القرآن، فهو لا يعمل به ويتظاهر أمام الناس أنه مؤمنٌ، فهو في ذلك مثل الريحانة لها رائحة وطعمها مُرٌّ.
القسم الرابع: المنافق الذي لا يقرأ القرآن، شبَّهه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحنظلة، وفيها ما فيها من المذاق المرِّ؛ ولذا قال: ((لا رائحة لها، وطعمها مُرٌّ))، وفي رواية للترمذي: ((رِيحُها مُرٌّ وطعمُها مُرٌّ))، واستشكلتْ هذه الرواية من جهة أنَّ المرارة من أوصاف الطعوم، فكيف يوصف بها الريحُ؟! والإجابة بأنَّ الريح لَمَّا كان كريهًا، اسْتُعيرَ له وصْفُ (المرارة).