رحيل
08-21-2021, 12:55 PM
تخريج حديث: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث
الشيخ محمد طه شعبان
«إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ». (1/ 36) و (1/37) و (1/40) و (1/43) و (1/44) و (1/45) و (1/46) و (1/48) و (1/ 50) و (1/ 51) و (1/ 56) و (1/ 66) و (1/ 67).
صحيح.
وقد رُوِي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق:
الطريق الأول: حماد بن سلمة، عن عاصم بن المنذر، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه.
قلت: عاصم ابن المنذر، صدوق.
قال أبو زرعة في «الجرح والتعديل» (6/ 350): «صدوق».
وقال أبو حاتم: «صالح الحديث».
وقال ابن حجر في «التقريب»: «صدوق».
وبقية رجال الإسناد ثقات.
وقد اختُلف في لفظ هذا الحديث.
فقد أخرجه الطيالسي (2066)، وأبو داود (65)، وابن الجارود (46)، والطحاوي في «معاني الآثار» (28)، والدارقطني (23) و (24) و (25) و (26) و (27)، والمخلص في «المخلصيات» (2222)، والبيهقي في «الكبير» (1243)، وفي «الصغير» (195)، بلفظ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قَدْرَ قُلَّتَيْنِ، لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ».
وأخرجه أبو عبيد في «الطهور» (166)، وأحمد (4753) و (5855)، وعبد بن حميد (819)، وابن ماجه (518)، والدارقطني (22)، والحاكم (463)، والبيهقي في «الكبير» (1244)، وفي «معرفة السنن» (1875)، بلفظ: «إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ».
قال الحاكم: «وقد رواه عفان بن مسلم، وغيره من الحفاظ، عن حماد بن سلمة ولم يذكروا فيه: أو ثلاثًا».
وقال البيهقي في «الكبير»: «رواية الجماعة الذين لم يشكُّوا أولى».
قلت: الذين رووه عن حماد بدون الشك، جماعة من الثقات؛ منهم: الطيالسي، وموسى بن إسماعيل التبوذكي، وهدبة بن خالد.
والذين رووه عنه على الشك، جماعة من الثقات أيضًا؛ منهم: وكيع بن الجراح، وزيد بن الحباب.
وقد رواه عفان بن مسلم عن حماد على الوجهين جميعًا:
فرواه أحمد (5855)، عن عفان على الشك.
ورواه ابن الجارود (46)، عن محمد بن يحيى الذهلي، عن عفان بدون الشك.
وكذا رواه الدارقطني (25)، عن الحسن بن محمد الزعفراني - وهو ثقة - عن عفان.
ورواه أيضًا يزيد بن هارون عن حماد على الوجهين جميعًا.
فالظاهر أن الشك في هذا الحديث من حماد، لا من غيره.
وذكره البيهقي في «معرفة السنن والآثار» (2/ 89)، ثم قال عقبه: «وهذا إسناد صحيح موصول». ثم ذَكَر البيهقي بإسناده عن يحيى بن معين، وسئل عن حديث حماد بن سلمة, عن عاصم بن المنذر بن الزبير، فقال: هذا جيد الإسناد, قيل له: فإنَّ ابن علية، لم يرفعه, قال يحيى: وإن لم يحفظه ابن علية، فالحديث حديث جيد الإسناد, وهو أحسن من حديث الوليد بن كثير. يعني يحيى في قصة الماء لا ينجسه شيء».
الطريق الثاني: رواه أبو أسامة حماد بن أسامة.
واختُلف عنه فيه على أربعة وجوه:
الوجه الأول: أخرجه ابن أبي شيبة (36094)، والدارمي في «سننه» (759)، والنسائي في «المجتبى» (328)، وابن خزيمة في «صحيحه» (92)، والطحاوي في «معاني الآثار» (24)، والدارقطني في «سننه» (15)، والجورقاني في «الأباطيل والمناكير» (321)، عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه ﭬ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا».
الوجه الثاني: أخرجه ابن أبي شيبة (1526)، وعبد بن حميد في «المنتخب من مسنده» (818)، وأبو داود (63)، والنسائي في «المجتبى» (52)، وفي «الكبرى» (50)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (2644) و (2645)، وابن الأعرابي في «معجمه» (1408) و (1409)، وابن حبان في «صحيحه» (1249)، والدارقطني في «سننه» (1) و (2) و (12)، والحاكم في «المستدرك» (458)، والبيهقي في «الكبير» (1231) و (1233)، وفي «الصغير» (193)، وفي «معرفة السنن» (1854)، وابن الجوزي في «التحقيق في مسائل الخلاف» (7)، عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن عبد الله، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب، فقال: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ».
فجعل هنا عبد الله بن عبد الله بن عمر بدل عبيد الله بن عبد الله بن عمر.
الوجه الثالث: أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (1253)، وابن الأعرابي في «معجمه» (65)، من طريق أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، به.
فقال: محمد بن عباد بن جعفر بدل محمد بن جعفر بن الزبير.
الوجه الرابع: أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه.
فقال أيضًا: محمد بن عباد بن جعفر من رواية عبد الله بن عبد الله بن عمر.
وقد أخرجه من هذا الوجه: الشافعي في «مسنده» (36)، وفي «اختلاف الحديث» (8/ 611)، وفي «الأم» (1/ 4)، قال أخبرنا الثقة، عن الوليد بن كثير.
والثقة الذي روى عنه الشافعي هنا هو أبو أسامة حماد بن أسامة.
وقد جزم الإمام الحاكم بذلك؛ فقال - بعد روايته لهذا الحديث من طريق أبي أسامة -: «وهكذا رواه الشافعي في «المبسوط»، عن الثقة، وهو أبو أسامة بلا شك فيه».
وكذا جزم به الإمام البيهقي؛ حيث قال في «معرفة السنن والآثار» (2/ 84): «هذا الثقة هو أبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي؛ فإنَّ الحديث مشهور به».
وقد قال الزركشي في «نكته على ابن الصلاح» (3/ 365، 366): «وهنا فائدة ذكرها أبو الحسين محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم الآبري السجزي في «مناقب الشافعي»: سمعت بعض أهل المعرفة بالحديث يقول: إذا قال الشافعي في كتبه: أخبرنا الثقة عن ابن أبي ذئب، فهو ابن أبي فديك، وإذا قال: أخبرنا الثقة عن الليث بن سعد، فهو يحيى بن حسان، وإذا قال: أخبرنا الثقة عن الوليد بن كثير، فهو أبو أسامة، وإذا قال: أخبرنا الثقة عن الأوزاعي، فهو عمرو بن أبي سلمة، وإذا قال: أخبرنا الثقة عن صالح مولى التوأمة، فهو إبراهيم بن أبي يحيى»اهـ.
ومن طريق أبي أسامة أخرجه ابن الجارود في «المنتقى» (44) و (45)، والدارقطني في «سننه» (3) و (4) و (5) و (6) و (7) و (8) و (9) و (10) و (13) و (14)، والحاكم في «المستدرك» (459) و (460)، والبيهقي في «الكبير» (1232) و (1234) وفي «الخلافيات» (938) و (940)، وفي «معرفة السنن» (1850).
قلت: والاختلاف في هذا الطريق لا يضر؛ لأنه دائر بين ثقات، ولأنه ثبت عن أبي أسامة الرواية بالوجهين جميعًا.
* فأبو أسامة حماد بن أسامة.
قال الإمام أحمد كما في «الجرح والتعديل» (3/ 133): «كان ثبتًا، ما كان أثبته، لا يكاد يخطئ» اهـ.
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/ 133): «وسئل أبي عن أبي أسامة وأبي عاصم من أثبتهما في الحديث؟ فقال: أبو أسامة أثبت من مئة مثل أبي عاصم، كان أبو أسامة صحيح الكتاب ضابطًا للحديث كيِّسًا صدوقًا»اهـ.
وقال الدارمي في «تاريخه» (242): «وسألت يحيى؛ قلت: أبو أسامة أحب إليك أو عبدة بن سليمان؟ فقال: ما منهما إلا ثقة»اهـ.
* والوليد بن كثير؛ هو المخزومي.
ذَكَر ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/ 14)، عن علي بن المديني، قال: «سمعت سفيان بن عيينة يقول: كان الوليد بن كثير صدوقًا».
وقال الدوري في «تاريخه» (677): «سمعت يحيى يقول: الوليد بن كثير ثقة».
وروى ابن أبي خيثمة في «تاريخه» (2/ 331)، عن إبراهيم بن سعد، قال: «كان الوليد بن كثير متتبِّعًا للمغازي، حريصًا على عِلمها، وكان ثقة».
وفي «تهذيب الكمال» (31/ 74): «قال عيسى بن يونس: حدثنا الوليد بن كثير، وكان ثقة».
وقال يعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 701): «حدثني أحمد بن الخليل، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا الوليد بن كثير؛ وكان متثبِّتًا في الحديث»اهـ.
وقال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (5/ 92): «ثقة صدوق، حديثه في الصحاح، سمع سعيد بن أبي هند، والكبار.
قال أبو داود: ثقة إلا أنه إباضي»اهـ.
قال ابن حجر في «هدي الساري» (ص450): «وثَّقه إبراهيم بن سعد، وابن معين، وأبو داود، وقال ابن سعد: ليس بذاك. وقال الساجي: قد كان ثقة ثبتًا يُحتج بحديثه، لم يضعفه أحد؛ إنما عابوا عليه الرأي. وقال الآجري، عن أبي داود: ثقة إلا أنه إباضي.
قلت [ابن حجر]: الإباضية فِرقة من الخوارج ليست مقالتهم شديدة الفحش، ولم يكن الوليد داعية، والله أعلم»اهـ.
* ومحمد بن جعفر بن الزبير بن العوام، ثقة، روى له الجماعة.
* ومحمد بن عباد بن جعفر بن رفاعة بن أمية، ثقة، روى له الجماعة.
* وعبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأخوه عبد الله،. كلاهما ثقتان كبيران؛ والأول روى له الجماعة، والثاني من رجال الشيخين.
قال الإمام الحاكم رحمه الله: «هذا خلاف لا يُوهِّن هذا الحديث؛ فقد احتج الشيخان جميعًا بالوليد بن كثير، ومحمد بن عباد بن جعفر، وإنما قرنه أبو أسامة إلى محمد بن جعفر، ثم حدَّث به مرة عن هذا ومرة عن ذاك، والدليل عليه: ما حدثنيه أبو علي محمد بن علي الإسفراييني من أصل كتابه، وأنا سألته، حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر الواسطي، حدثنا شعيب بن أيوب، حدثنا أبو أسامة، حدثنا الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، ومحمد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث»، وقد صح وثبت بهذه الرواية صحة الحديث وظهر أن أبا أسامة ساق الحديث، عن الوليد بن كثير عنهما جميعًا، فإن شعيب بن أيوب الصريفيني ثقة مأمون، وكذلك الطريق إليه»اهـ.
وقال الإمام الدارقطني رحمه الله: «اتفق عثمان بن أبي شيبة، وعبد الله بن الزبير الحميدي، ومحمد بن حسان الأزرق، ويعيش بن الجهم، ومحمد بن عثمان بن كرامة، والحسين بن علي بن الأسود، وأحمد بن عبد الحميد الحارثي، وأحمد بن زكريا بن سفيان الواسطي، وعلي بن شعيب، وعلي بن محمد بن أبي الخصيب، وأبو مسعود، ومحمد بن الفضيل البلخي فرووه عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر، وتابعهم الشافعي، عن الثقة عنده، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر.
وقال يعقوب بن إبراهيم الدورقي ومَن ذَكَرْنا معه في أول الكتاب: عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير.
فلما اختُلف على أبي أسامة في إسناده أحببنا أن نعلم مَن أتى بالصواب؛ فنظرنا في ذلك، فوجدنا شعيب بن أيوب قد رواه عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير على الوجهين جميعًا، عن محمد بن جعفر بن الزبير، ثم أتبعه عن محمد بن عباد بن جعفر؛ فصح القولان جميعًا عن أبي أسامة، وصح أن الوليد بن كثير رواه عن محمد بن جعفر بن الزبير، وعن محمد بن عباد بن جعفر جميعًا، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه؛ فكان أبو أسامة مَرَّة يحدِّث به عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، ومَرَّة يحدِّث به عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر، والله أعلم.
فأما حديث شعيب بن أيوب عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير عن الرجلين جميعًا: فحدثنا به أبو بكر أحمد بن محمد بن سعدان الصيدلاني بواسط، أخبرنا شعيب بن أيوب، أخبرنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر... وذَكَر الحديث.
وحدثنا أحمد بن محمد بن سعدان، أخبرنا شعيب بن أيوب، أخبرنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله»اهـ.
وقال الإمام الدارقطني أيضًا في «العلل» - بعدما ذَكَر هذه الأوجه - (12/ 435): «فصَحَّ القولان عن أبي أسامة بهذه الرواية»اهـ.
وقال الإمام البيهقي رحمه الله في «معرفة السنن والآثار» (2/ 84، 85) - بعدما روى الحديث عن جماعة، عن أبي أسامة، عن الوليد، عن محمد بن عباد بن جعفر -: «وقد رواه جماعة عن أبي أسامة هكذا، ورواه جماعة عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثي، قال: حدثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه عبد الله بن عمر، وذَكَر الحديث.
وأخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه، قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثي، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه.
فهو ذا قد رواه أحمد بن عبد الحميد الحارثي، عن أبي أسامة على الوجهين جميعًا.
ورواه أبو داود في كتاب «السنن»، عن محمد بن العلاء، وعثمان بن أبي شيبة، وغيرهما، عن أبي أسامة.
وقال في حديث ابن العلاء: محمد بن جعفر بن الزبير، وفي حديث عثمان: محمد بن عباد بن جعفر.
وقد رواه إسماعيل بن قتيبة النيسابوري، عن أبي بكر، وعثمان ابني أبي شيبة، عن أبي أسامة، فقال: محمد بن جعفر بن الزبير.
فثبت بذلك رواية عثمان الحديث على الوجهين جميعًا.
ورواه شعيب بن أيوب الصريفيني، عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، ومحمد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله، أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثني أبو علي محمد بن علي الإسفراييني، من أصل كتابه، قال: حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر الواسطي، قال: حدثنا شعيب بن أيوب، فذكره.
وكذلك رواه أبو الحسن الدارقطني رحمه الله، عن أبي بكر بن سعدان، عن شعيب.
فالحديث محفوظ عنهما جميعًا.
إلا أنَّ غير أبي أسامة يرويه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، وكان شيخنا أبو عبد الله الحافظ يقول: الحديث محفوظ عنهما جميعًا، وكلاهما رواه عن أبيه، وإليه ذهب كثير من أهل الرواية، وكان إسحاق بن إبراهيم الحنظلي رحمه الله يقول: غلط أبو أسامة في عبد الله بن عبد الله، إنما هو عبيد الله»اهـ.
وقال الإمام البيهقي في موضع آخر في «الخلافيات» (3/ 155، 156): «قال الحاكم أبو عبد الله رحمه الله: «هذا خلاف لا يوهِّن هذا الحديث؛ فقد احتج الشيخان - يعني: البخاري ومسلم - بالوليد بن كثير ومحمد بن جعفر بن الزبير، فأما محمد بن عباد، فغير مُحتجٍّ به، وإنما قرنه أبو أسامة إلى محمد بن جعفر بن الزبير، ثم حدَّث به مرَّة عن هذا ومرة عن ذلك». قال البيهقي: قول شيخنا رحمه الله في محمد بن عباد بن جعفر: «إنه غير محتج به»، سهو منه، فقد أخرج البخاري ومسلم رحمهما الله حديثه في الصحيح واحتجَّا به، والحديث محفوظ عن الوليد بن كثير عنهما جميعًا»اهـ.
وقال الإمام النووي رحمه الله في «المجموع» (1/ 114): «فإنْ قالوا: هو مضطرب؛ لأن الوليد بن كثير رواه تارة عن محمد بن عباد بن جعفر، وتارة عن محمد بن جعفر بن الزبير، ورُوِي تارة عن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه، وتارة عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه؛ وهذا اضطراب ثان.
فالجواب: أن هذا ليس اضطرابًا؛ بل رواه محمد بن عباد ومحمد بن جعفر؛ وهما ثقتان معروفان، ورواه أيضًا عبد الله وعبيد الله ابنا عبد الله بن عمر عن أبيهما؛ وهما أيضًا ثقتان.
وليس هذا من الاضطراب؛ وبهذا الجواب أجاب أصحابنا وجماعات من حفاظ الحديث، وقد جمع البيهقي طرقه وبيَّن رواية المُحَمَّدَيْن وعبد الله وعبيد الله، وذكر طرق ذلك كله وبينها أحسن بيان، ثم قال: فالحديث محفوظ عن عبد الله وعبيد الله، قال: وكذا كان شيخنا أبو عبد الله الحافظ الحاكم يقول: الحديث محفوظ عنهما، وكلاهما رواه عن أبيه، قال: وإلى هذا ذهب كثير من أهل الرواية؛ وكان إسحاق بن راهويه يقول: غلط أبو أسامة في عبد الله بن عبد الله؛ إنما هو عبيد الله بن عبد الله، بالتصغير، وأطنب البيهقي في تصحيح الحديث بدلائله؛ فحصل أنه غير مضطرب»اهـ.
قلت: فهكذا رجح هؤلاء الأئمة رواية الحديث على الوجهين جميعًا.
وأما الإمام أبو داود فقد رجَّح رواية محمد بن عباد بن جعفر، وخطَّأ رواية محمد بن جعفر بن الزبير؛ حيث قال رحمه الله: «حدثنا محمد بن العلاء، وعثمان بن أبي شيبة، والحسن بن علي، وغيرهم، قالوا: حدثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، وذَكَر الحديث؛ قال أبو داود: وهذا لفظ ابن العلاء، وقال عثمان، والحسن بن علي: عن محمد بن عباد بن جعفر، قال أبو داود: وهو الصواب»اهـ.
وأما الإمام أبو حاتم الرازي رحمه الله فرجَّح رواية محمد بن جعفر بن الزبير؛ حيث قال رحمه الله في «علل الحديث» (1/ 546): «محمد بن عباد بن جعفر، ثقة، ومحمد بن جعفر بن الزبير، ثقة، والحديث لمحمد بن جعفر بن الزبير أشبه»اهـ.
قلت: وهذا الترجيح لا يضر بالحديث لأنَّ الاضطراب إنما يكون عند عدم إمكان الترجيح، وأما إذا استطعنا ترجيح رواية على أخرى، فلا اضطراب حينئذ؛ لا سيما وكلاهما ثقة.
قلت: ومما يرجِّح صحة الوجهين أنَّ محمد بن إسحاق تابع الوليد بن كثير على الوجهين جميعًا.
فقد أخرجه أحمد (4605) و (4803) و (4961)، والدارمي في «سننه» (758)، والترمذي (67)، وابن ماجه (517)، وأبو بكر الأثرم في «سننه» (50)، وأبو يعلى في «مسنده» (5590)، والطبري في «تهذيب الآثار» مسند ابن عباس (1111)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (2646)، وفي «معاني الآثار» (25) و (26) و (27)، والدارقطني في «سننه» (16) و (17) و (18) و (19)، والبيهقي «الكبير» (1240) و (1241) و (1242)، وفي «الخلافيات» (947)، وفي «معرفة السنن» (1869) و (1870)، والبغوي في «شرح السنة» (282)، وابن الجوزي في «التحقيق في مسائل الخلاف» (6)، من طرق، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، به.
وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند الطبري والدارقطني.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (1525)، والحاكم في «المستدرك» (462)، من طرق، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، به.
الطريق الثالث: أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (266)، عن إبراهيم بن محمد، عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن، عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، به.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الدارقطني في «سننه» (28)، وأخرجه البيهقي في «معرفة السنن» (1885)، من طريق الدارقطني.
وإبراهيم بن محمد؛ هو ابن أبي يحيى الأسلمي أبو إسحاق؛ كذاب متروك.
وهذا سند مرسل؛ فعبيد الله بن عبد الله بن عمر، لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
الطريق الرابع: أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (258)، عن ابن جريج، قال: حُدِّثت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجِسًا وَلَا بَأْسًا».
يتبع
الشيخ محمد طه شعبان
«إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ». (1/ 36) و (1/37) و (1/40) و (1/43) و (1/44) و (1/45) و (1/46) و (1/48) و (1/ 50) و (1/ 51) و (1/ 56) و (1/ 66) و (1/ 67).
صحيح.
وقد رُوِي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق:
الطريق الأول: حماد بن سلمة، عن عاصم بن المنذر، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه.
قلت: عاصم ابن المنذر، صدوق.
قال أبو زرعة في «الجرح والتعديل» (6/ 350): «صدوق».
وقال أبو حاتم: «صالح الحديث».
وقال ابن حجر في «التقريب»: «صدوق».
وبقية رجال الإسناد ثقات.
وقد اختُلف في لفظ هذا الحديث.
فقد أخرجه الطيالسي (2066)، وأبو داود (65)، وابن الجارود (46)، والطحاوي في «معاني الآثار» (28)، والدارقطني (23) و (24) و (25) و (26) و (27)، والمخلص في «المخلصيات» (2222)، والبيهقي في «الكبير» (1243)، وفي «الصغير» (195)، بلفظ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قَدْرَ قُلَّتَيْنِ، لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ».
وأخرجه أبو عبيد في «الطهور» (166)، وأحمد (4753) و (5855)، وعبد بن حميد (819)، وابن ماجه (518)، والدارقطني (22)، والحاكم (463)، والبيهقي في «الكبير» (1244)، وفي «معرفة السنن» (1875)، بلفظ: «إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ».
قال الحاكم: «وقد رواه عفان بن مسلم، وغيره من الحفاظ، عن حماد بن سلمة ولم يذكروا فيه: أو ثلاثًا».
وقال البيهقي في «الكبير»: «رواية الجماعة الذين لم يشكُّوا أولى».
قلت: الذين رووه عن حماد بدون الشك، جماعة من الثقات؛ منهم: الطيالسي، وموسى بن إسماعيل التبوذكي، وهدبة بن خالد.
والذين رووه عنه على الشك، جماعة من الثقات أيضًا؛ منهم: وكيع بن الجراح، وزيد بن الحباب.
وقد رواه عفان بن مسلم عن حماد على الوجهين جميعًا:
فرواه أحمد (5855)، عن عفان على الشك.
ورواه ابن الجارود (46)، عن محمد بن يحيى الذهلي، عن عفان بدون الشك.
وكذا رواه الدارقطني (25)، عن الحسن بن محمد الزعفراني - وهو ثقة - عن عفان.
ورواه أيضًا يزيد بن هارون عن حماد على الوجهين جميعًا.
فالظاهر أن الشك في هذا الحديث من حماد، لا من غيره.
وذكره البيهقي في «معرفة السنن والآثار» (2/ 89)، ثم قال عقبه: «وهذا إسناد صحيح موصول». ثم ذَكَر البيهقي بإسناده عن يحيى بن معين، وسئل عن حديث حماد بن سلمة, عن عاصم بن المنذر بن الزبير، فقال: هذا جيد الإسناد, قيل له: فإنَّ ابن علية، لم يرفعه, قال يحيى: وإن لم يحفظه ابن علية، فالحديث حديث جيد الإسناد, وهو أحسن من حديث الوليد بن كثير. يعني يحيى في قصة الماء لا ينجسه شيء».
الطريق الثاني: رواه أبو أسامة حماد بن أسامة.
واختُلف عنه فيه على أربعة وجوه:
الوجه الأول: أخرجه ابن أبي شيبة (36094)، والدارمي في «سننه» (759)، والنسائي في «المجتبى» (328)، وابن خزيمة في «صحيحه» (92)، والطحاوي في «معاني الآثار» (24)، والدارقطني في «سننه» (15)، والجورقاني في «الأباطيل والمناكير» (321)، عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه ﭬ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا».
الوجه الثاني: أخرجه ابن أبي شيبة (1526)، وعبد بن حميد في «المنتخب من مسنده» (818)، وأبو داود (63)، والنسائي في «المجتبى» (52)، وفي «الكبرى» (50)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (2644) و (2645)، وابن الأعرابي في «معجمه» (1408) و (1409)، وابن حبان في «صحيحه» (1249)، والدارقطني في «سننه» (1) و (2) و (12)، والحاكم في «المستدرك» (458)، والبيهقي في «الكبير» (1231) و (1233)، وفي «الصغير» (193)، وفي «معرفة السنن» (1854)، وابن الجوزي في «التحقيق في مسائل الخلاف» (7)، عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن عبد الله، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب، فقال: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ».
فجعل هنا عبد الله بن عبد الله بن عمر بدل عبيد الله بن عبد الله بن عمر.
الوجه الثالث: أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (1253)، وابن الأعرابي في «معجمه» (65)، من طريق أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، به.
فقال: محمد بن عباد بن جعفر بدل محمد بن جعفر بن الزبير.
الوجه الرابع: أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه.
فقال أيضًا: محمد بن عباد بن جعفر من رواية عبد الله بن عبد الله بن عمر.
وقد أخرجه من هذا الوجه: الشافعي في «مسنده» (36)، وفي «اختلاف الحديث» (8/ 611)، وفي «الأم» (1/ 4)، قال أخبرنا الثقة، عن الوليد بن كثير.
والثقة الذي روى عنه الشافعي هنا هو أبو أسامة حماد بن أسامة.
وقد جزم الإمام الحاكم بذلك؛ فقال - بعد روايته لهذا الحديث من طريق أبي أسامة -: «وهكذا رواه الشافعي في «المبسوط»، عن الثقة، وهو أبو أسامة بلا شك فيه».
وكذا جزم به الإمام البيهقي؛ حيث قال في «معرفة السنن والآثار» (2/ 84): «هذا الثقة هو أبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي؛ فإنَّ الحديث مشهور به».
وقد قال الزركشي في «نكته على ابن الصلاح» (3/ 365، 366): «وهنا فائدة ذكرها أبو الحسين محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم الآبري السجزي في «مناقب الشافعي»: سمعت بعض أهل المعرفة بالحديث يقول: إذا قال الشافعي في كتبه: أخبرنا الثقة عن ابن أبي ذئب، فهو ابن أبي فديك، وإذا قال: أخبرنا الثقة عن الليث بن سعد، فهو يحيى بن حسان، وإذا قال: أخبرنا الثقة عن الوليد بن كثير، فهو أبو أسامة، وإذا قال: أخبرنا الثقة عن الأوزاعي، فهو عمرو بن أبي سلمة، وإذا قال: أخبرنا الثقة عن صالح مولى التوأمة، فهو إبراهيم بن أبي يحيى»اهـ.
ومن طريق أبي أسامة أخرجه ابن الجارود في «المنتقى» (44) و (45)، والدارقطني في «سننه» (3) و (4) و (5) و (6) و (7) و (8) و (9) و (10) و (13) و (14)، والحاكم في «المستدرك» (459) و (460)، والبيهقي في «الكبير» (1232) و (1234) وفي «الخلافيات» (938) و (940)، وفي «معرفة السنن» (1850).
قلت: والاختلاف في هذا الطريق لا يضر؛ لأنه دائر بين ثقات، ولأنه ثبت عن أبي أسامة الرواية بالوجهين جميعًا.
* فأبو أسامة حماد بن أسامة.
قال الإمام أحمد كما في «الجرح والتعديل» (3/ 133): «كان ثبتًا، ما كان أثبته، لا يكاد يخطئ» اهـ.
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/ 133): «وسئل أبي عن أبي أسامة وأبي عاصم من أثبتهما في الحديث؟ فقال: أبو أسامة أثبت من مئة مثل أبي عاصم، كان أبو أسامة صحيح الكتاب ضابطًا للحديث كيِّسًا صدوقًا»اهـ.
وقال الدارمي في «تاريخه» (242): «وسألت يحيى؛ قلت: أبو أسامة أحب إليك أو عبدة بن سليمان؟ فقال: ما منهما إلا ثقة»اهـ.
* والوليد بن كثير؛ هو المخزومي.
ذَكَر ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/ 14)، عن علي بن المديني، قال: «سمعت سفيان بن عيينة يقول: كان الوليد بن كثير صدوقًا».
وقال الدوري في «تاريخه» (677): «سمعت يحيى يقول: الوليد بن كثير ثقة».
وروى ابن أبي خيثمة في «تاريخه» (2/ 331)، عن إبراهيم بن سعد، قال: «كان الوليد بن كثير متتبِّعًا للمغازي، حريصًا على عِلمها، وكان ثقة».
وفي «تهذيب الكمال» (31/ 74): «قال عيسى بن يونس: حدثنا الوليد بن كثير، وكان ثقة».
وقال يعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 701): «حدثني أحمد بن الخليل، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا الوليد بن كثير؛ وكان متثبِّتًا في الحديث»اهـ.
وقال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (5/ 92): «ثقة صدوق، حديثه في الصحاح، سمع سعيد بن أبي هند، والكبار.
قال أبو داود: ثقة إلا أنه إباضي»اهـ.
قال ابن حجر في «هدي الساري» (ص450): «وثَّقه إبراهيم بن سعد، وابن معين، وأبو داود، وقال ابن سعد: ليس بذاك. وقال الساجي: قد كان ثقة ثبتًا يُحتج بحديثه، لم يضعفه أحد؛ إنما عابوا عليه الرأي. وقال الآجري، عن أبي داود: ثقة إلا أنه إباضي.
قلت [ابن حجر]: الإباضية فِرقة من الخوارج ليست مقالتهم شديدة الفحش، ولم يكن الوليد داعية، والله أعلم»اهـ.
* ومحمد بن جعفر بن الزبير بن العوام، ثقة، روى له الجماعة.
* ومحمد بن عباد بن جعفر بن رفاعة بن أمية، ثقة، روى له الجماعة.
* وعبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأخوه عبد الله،. كلاهما ثقتان كبيران؛ والأول روى له الجماعة، والثاني من رجال الشيخين.
قال الإمام الحاكم رحمه الله: «هذا خلاف لا يُوهِّن هذا الحديث؛ فقد احتج الشيخان جميعًا بالوليد بن كثير، ومحمد بن عباد بن جعفر، وإنما قرنه أبو أسامة إلى محمد بن جعفر، ثم حدَّث به مرة عن هذا ومرة عن ذاك، والدليل عليه: ما حدثنيه أبو علي محمد بن علي الإسفراييني من أصل كتابه، وأنا سألته، حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر الواسطي، حدثنا شعيب بن أيوب، حدثنا أبو أسامة، حدثنا الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، ومحمد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث»، وقد صح وثبت بهذه الرواية صحة الحديث وظهر أن أبا أسامة ساق الحديث، عن الوليد بن كثير عنهما جميعًا، فإن شعيب بن أيوب الصريفيني ثقة مأمون، وكذلك الطريق إليه»اهـ.
وقال الإمام الدارقطني رحمه الله: «اتفق عثمان بن أبي شيبة، وعبد الله بن الزبير الحميدي، ومحمد بن حسان الأزرق، ويعيش بن الجهم، ومحمد بن عثمان بن كرامة، والحسين بن علي بن الأسود، وأحمد بن عبد الحميد الحارثي، وأحمد بن زكريا بن سفيان الواسطي، وعلي بن شعيب، وعلي بن محمد بن أبي الخصيب، وأبو مسعود، ومحمد بن الفضيل البلخي فرووه عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر، وتابعهم الشافعي، عن الثقة عنده، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر.
وقال يعقوب بن إبراهيم الدورقي ومَن ذَكَرْنا معه في أول الكتاب: عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير.
فلما اختُلف على أبي أسامة في إسناده أحببنا أن نعلم مَن أتى بالصواب؛ فنظرنا في ذلك، فوجدنا شعيب بن أيوب قد رواه عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير على الوجهين جميعًا، عن محمد بن جعفر بن الزبير، ثم أتبعه عن محمد بن عباد بن جعفر؛ فصح القولان جميعًا عن أبي أسامة، وصح أن الوليد بن كثير رواه عن محمد بن جعفر بن الزبير، وعن محمد بن عباد بن جعفر جميعًا، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه؛ فكان أبو أسامة مَرَّة يحدِّث به عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، ومَرَّة يحدِّث به عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر، والله أعلم.
فأما حديث شعيب بن أيوب عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير عن الرجلين جميعًا: فحدثنا به أبو بكر أحمد بن محمد بن سعدان الصيدلاني بواسط، أخبرنا شعيب بن أيوب، أخبرنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر... وذَكَر الحديث.
وحدثنا أحمد بن محمد بن سعدان، أخبرنا شعيب بن أيوب، أخبرنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله»اهـ.
وقال الإمام الدارقطني أيضًا في «العلل» - بعدما ذَكَر هذه الأوجه - (12/ 435): «فصَحَّ القولان عن أبي أسامة بهذه الرواية»اهـ.
وقال الإمام البيهقي رحمه الله في «معرفة السنن والآثار» (2/ 84، 85) - بعدما روى الحديث عن جماعة، عن أبي أسامة، عن الوليد، عن محمد بن عباد بن جعفر -: «وقد رواه جماعة عن أبي أسامة هكذا، ورواه جماعة عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثي، قال: حدثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه عبد الله بن عمر، وذَكَر الحديث.
وأخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه، قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثي، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه.
فهو ذا قد رواه أحمد بن عبد الحميد الحارثي، عن أبي أسامة على الوجهين جميعًا.
ورواه أبو داود في كتاب «السنن»، عن محمد بن العلاء، وعثمان بن أبي شيبة، وغيرهما، عن أبي أسامة.
وقال في حديث ابن العلاء: محمد بن جعفر بن الزبير، وفي حديث عثمان: محمد بن عباد بن جعفر.
وقد رواه إسماعيل بن قتيبة النيسابوري، عن أبي بكر، وعثمان ابني أبي شيبة، عن أبي أسامة، فقال: محمد بن جعفر بن الزبير.
فثبت بذلك رواية عثمان الحديث على الوجهين جميعًا.
ورواه شعيب بن أيوب الصريفيني، عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، ومحمد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله، أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثني أبو علي محمد بن علي الإسفراييني، من أصل كتابه، قال: حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر الواسطي، قال: حدثنا شعيب بن أيوب، فذكره.
وكذلك رواه أبو الحسن الدارقطني رحمه الله، عن أبي بكر بن سعدان، عن شعيب.
فالحديث محفوظ عنهما جميعًا.
إلا أنَّ غير أبي أسامة يرويه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، وكان شيخنا أبو عبد الله الحافظ يقول: الحديث محفوظ عنهما جميعًا، وكلاهما رواه عن أبيه، وإليه ذهب كثير من أهل الرواية، وكان إسحاق بن إبراهيم الحنظلي رحمه الله يقول: غلط أبو أسامة في عبد الله بن عبد الله، إنما هو عبيد الله»اهـ.
وقال الإمام البيهقي في موضع آخر في «الخلافيات» (3/ 155، 156): «قال الحاكم أبو عبد الله رحمه الله: «هذا خلاف لا يوهِّن هذا الحديث؛ فقد احتج الشيخان - يعني: البخاري ومسلم - بالوليد بن كثير ومحمد بن جعفر بن الزبير، فأما محمد بن عباد، فغير مُحتجٍّ به، وإنما قرنه أبو أسامة إلى محمد بن جعفر بن الزبير، ثم حدَّث به مرَّة عن هذا ومرة عن ذلك». قال البيهقي: قول شيخنا رحمه الله في محمد بن عباد بن جعفر: «إنه غير محتج به»، سهو منه، فقد أخرج البخاري ومسلم رحمهما الله حديثه في الصحيح واحتجَّا به، والحديث محفوظ عن الوليد بن كثير عنهما جميعًا»اهـ.
وقال الإمام النووي رحمه الله في «المجموع» (1/ 114): «فإنْ قالوا: هو مضطرب؛ لأن الوليد بن كثير رواه تارة عن محمد بن عباد بن جعفر، وتارة عن محمد بن جعفر بن الزبير، ورُوِي تارة عن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه، وتارة عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه؛ وهذا اضطراب ثان.
فالجواب: أن هذا ليس اضطرابًا؛ بل رواه محمد بن عباد ومحمد بن جعفر؛ وهما ثقتان معروفان، ورواه أيضًا عبد الله وعبيد الله ابنا عبد الله بن عمر عن أبيهما؛ وهما أيضًا ثقتان.
وليس هذا من الاضطراب؛ وبهذا الجواب أجاب أصحابنا وجماعات من حفاظ الحديث، وقد جمع البيهقي طرقه وبيَّن رواية المُحَمَّدَيْن وعبد الله وعبيد الله، وذكر طرق ذلك كله وبينها أحسن بيان، ثم قال: فالحديث محفوظ عن عبد الله وعبيد الله، قال: وكذا كان شيخنا أبو عبد الله الحافظ الحاكم يقول: الحديث محفوظ عنهما، وكلاهما رواه عن أبيه، قال: وإلى هذا ذهب كثير من أهل الرواية؛ وكان إسحاق بن راهويه يقول: غلط أبو أسامة في عبد الله بن عبد الله؛ إنما هو عبيد الله بن عبد الله، بالتصغير، وأطنب البيهقي في تصحيح الحديث بدلائله؛ فحصل أنه غير مضطرب»اهـ.
قلت: فهكذا رجح هؤلاء الأئمة رواية الحديث على الوجهين جميعًا.
وأما الإمام أبو داود فقد رجَّح رواية محمد بن عباد بن جعفر، وخطَّأ رواية محمد بن جعفر بن الزبير؛ حيث قال رحمه الله: «حدثنا محمد بن العلاء، وعثمان بن أبي شيبة، والحسن بن علي، وغيرهم، قالوا: حدثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، وذَكَر الحديث؛ قال أبو داود: وهذا لفظ ابن العلاء، وقال عثمان، والحسن بن علي: عن محمد بن عباد بن جعفر، قال أبو داود: وهو الصواب»اهـ.
وأما الإمام أبو حاتم الرازي رحمه الله فرجَّح رواية محمد بن جعفر بن الزبير؛ حيث قال رحمه الله في «علل الحديث» (1/ 546): «محمد بن عباد بن جعفر، ثقة، ومحمد بن جعفر بن الزبير، ثقة، والحديث لمحمد بن جعفر بن الزبير أشبه»اهـ.
قلت: وهذا الترجيح لا يضر بالحديث لأنَّ الاضطراب إنما يكون عند عدم إمكان الترجيح، وأما إذا استطعنا ترجيح رواية على أخرى، فلا اضطراب حينئذ؛ لا سيما وكلاهما ثقة.
قلت: ومما يرجِّح صحة الوجهين أنَّ محمد بن إسحاق تابع الوليد بن كثير على الوجهين جميعًا.
فقد أخرجه أحمد (4605) و (4803) و (4961)، والدارمي في «سننه» (758)، والترمذي (67)، وابن ماجه (517)، وأبو بكر الأثرم في «سننه» (50)، وأبو يعلى في «مسنده» (5590)، والطبري في «تهذيب الآثار» مسند ابن عباس (1111)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (2646)، وفي «معاني الآثار» (25) و (26) و (27)، والدارقطني في «سننه» (16) و (17) و (18) و (19)، والبيهقي «الكبير» (1240) و (1241) و (1242)، وفي «الخلافيات» (947)، وفي «معرفة السنن» (1869) و (1870)، والبغوي في «شرح السنة» (282)، وابن الجوزي في «التحقيق في مسائل الخلاف» (6)، من طرق، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، به.
وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند الطبري والدارقطني.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (1525)، والحاكم في «المستدرك» (462)، من طرق، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، به.
الطريق الثالث: أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (266)، عن إبراهيم بن محمد، عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن، عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، به.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الدارقطني في «سننه» (28)، وأخرجه البيهقي في «معرفة السنن» (1885)، من طريق الدارقطني.
وإبراهيم بن محمد؛ هو ابن أبي يحيى الأسلمي أبو إسحاق؛ كذاب متروك.
وهذا سند مرسل؛ فعبيد الله بن عبد الله بن عمر، لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
الطريق الرابع: أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (258)، عن ابن جريج، قال: حُدِّثت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجِسًا وَلَا بَأْسًا».
يتبع