Şøķåŕą
07-04-2021, 04:32 PM
العفو من شيم الكرام
الحمدُ اللهِ، أَمَرَ أَلاَّ تَعبُدُوا إِلاَّ إِيَّاه، لا يَكشفُ الضُّرَ سِواه، ولا يَدعُو المضطَرُّ إِلاَّ إِيَّاه، نَعُوذُ مِن سَخَطِهِ بِرِضَاه، وَنُنزِلُ فَقرَنا بِغِناه، وَنَستغفِرُهُ وَمن يَغفرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ الله.
أَحمَدُهُ وَالحمدُ مِن إِنعَامِهِ *** إِذ ذِكرُنَا إِيَّاهُ مِن إِلهَامِهِ
وَأَشهدُ أَن لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، أَحَاط بِكُل شيءٍ عِلمًا، وَوَسِع كُلَّ شيءٍ رَحمةً وَحِلمًا، لاَ تُدركهُ الأبصار، وُكُلُّ شيءٍ عندهُ بِمقدَار، جَعَل النارَ بردًا وَسلاَمًا عَلى إِبرَاهِيم، وَفلقَ البحرَ لمُوسَى الكَلِيم ﴿ وَإِن يَمسَسكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمسَسكَ بِخَيرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ القَاهِرُ فَوقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 17، 18].
وَأَشهدُ أَنَّ مُحمدًا عبدُهُ ورسولُه، وخِيرتُه مِن خلقِه وأَمِينُه عَلى وَحيه، دَعَا إِلى سَبيل رَبه بِالحكمة، فَأَحيا اللهُ بِه الأُمَّة، وَكَشفَ بِه الغُمَّة، فصَلوَاتُ اللهِ وَسلاَمُهُ عَليهِ وَعلى آلِه وَأَتباعِهِ بِإِحسَانٍ وَصَحبِه، أما بعد:
فيقول المولى تبارك وتعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133، 134].
فَيَا لَهُ مِن أجرٍ عَظِيمٍ، وجَزَاءٍ عَمِيمٍ، وَعَطَاءٍ كَرِيمٍ، لِمَن عَفَا وأصلح، وتجاوز وَسَامَحَ.
ألا ما أثقل الحديثَ عن خلقٍ وسلوكٍ ليس للإنسان منه إلا جمال البريق، واستفاف الرحيق، مع بعد النفس عن التطبيق، والمرجو من الرؤوف الرحيم الستر والعافية.
وإنني من المعين استمِد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عونًا فما لي دونَهُ من مُعتمَد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يا مالك الملك يا من لا شريك له https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يا صاحب الأمر في ماضٍ وفي آتي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يسر أموري بيسر منك يتبعه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عونٌ ولطفٌ وتسهيلُ المهمات https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إن العفو يا عباد الله صفة من صفات الله؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ [النساء:43].
وقال سبحانه: ﴿ إِن تُبدُوا خَيرًا أَو تُخفُوهُ أَو تَعفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ﴾ [النساء:149].
يستوجبُ العفوَ الفتى إِذا اعترف https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وتابَ مما قد جَنَاه واقترف https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لقوله: قل للذين كفروا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِن ينتهوا يُغفر لهم ما قد سَلف https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قال صلى الله عليه وسلم: «مَا أَحَدٌ أَصبَرَ عَلَى أَذًى يَسمَعُهُ مِنَ اللهِ تَعَالَى، إِنَّهُم يَجعَلُونَ لَهُ نِدًّا وَيَجعَلُونَ لَهُ وَلَدًا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَرزُقُهُم وَيُعَافِيهِم وَيُعطِيهِم»[1].
سُبحَانَ مَن نَهفُو وَيَعفُو دَائِمًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَلَم يَزَل مَهمَا هَفَا العَبدُ عَفَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يُعطِي الَّذِي يُخطِي وَلاَ يَمنَعُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
جَلاَلُهُ مِنَ العَطَا لِذِي الخَطَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وتأمل إلى جمال ورونق هذا العتاب الرباني لنبيه صلى الله عليه وسلم، الذي ابتدأه سبحانه بهذا المطلع البديع: ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [التوبة: 43].
فأيُّ عتاب أجملُ من هذا الذي يُستفتح بالعفو والصفح!
إن العَفوُ هُوَ: تَركُ المُؤَاخَذَةِ بِالذَّنبِ، وَالصَّفحُ هُوَ: إِزَالَةُ أَثَرِهِ مِنَ النَّفسِ؛ ولقد أمر الله نبيه بهذا الخلق، فقال: ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 13].
واصبِر بغَيرِ تَسَخُّطٍ وشَكَايَةٍ *** واصفَح بِغَيرِ عِتَابِ مَن هُوَ جَانِ
وقال له: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199].
رُوي عن جعفر الصادق أنه قال: ليس في القرآن آيةٌ أجمعَ لمكارم الأخلاق منها[2].
عَن عَبدِاللَّهِ بنِ الزُّبَيرِ، ﴿ خُذِ العَفوَ وَأمُرْ بِالعُرفِ ﴾ قَالَ: «مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَّا فِي أَخلاَقِ النَّاسِ»[3].
كما أوصَى اللهُ عباده بالعفو، فقال: ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [البقرة: 237].
وأمرهم قائلًا: ﴿ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾ [البقرة: 109].
وقال: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الجاثية: 14].
ورغبهم قائلًا: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22].
﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40].
﴿ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التغابن: 14].
﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِن عَزمِ الأُمُورِ ﴾ [الشورى:43].
وامتدح أقوامًا بأنهم: ﴿ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثمِ وَالفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ [الشورى:37].
لاَ يَبلُغُ المَجدَ أَقوَامٌ وَإِن كَرُمُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
حَتَّى يَذِلُّوا وَإِنَّ عَزُّوا لأَقوَامِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَيُشتَمُوا فَتَرَى الأَلوَانَ مُسفِرَةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا صَفحَ ذُلٍّ وَلَكِن صَفحُ أَحلاَمِhttps://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا نَقَصَت صَدَقَةٌ مِن مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبدًا بِعَفوٍ إِلاَّ عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ»[4].
عَن عَبدِاللَّهِ بنِ عَمرِو عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى المِنبَرِ: «ارحَمُوا تُرحَمُوا، وَاغفِرُوا يَغفِرِ اللَّهُ لَكُم، وَيلٌ لِأَقمَاعِ القَولِ، وَيلٌ لِلمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُم يَعلَمُونَ»[5].
وقال: «تَعَافَوا فِيمَا بَينَكُم، قَبلَ أَن تَأتُونِي، فَمَا بَلَغَنِي مِن حَدٍّ فَقَد وَجَبَ »[6].
عَن عَبدِاللَّهِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي خَادِمًا يُسِيءُ وَيَظلِمُ، أَفَأَضرِبُهُ؟، قَالَ: «تَعفُو عَنهُ كُلَّ يَومٍ سَبعِينَ مَرَّةً»[7].
والصفحُ لا يحسنُ عن محسنٍ *** وإِنما يَحسُنُ عن جاني
وجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَم نَعفُو عَنِ الخَادِمِ؟ فَصَمَتَ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيهِ الكَلَامَ، فَصَمَتَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ، قَالَ: «اعفُوا عَنهُ فِي كُلِّ يَومٍ سَبعِينَ مَرَّةً»[8].
رُوِيَ عَن أَبِي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنهُ قَالَ: بَلَغَنَا أَن اللهَ تعالى يَأمُرُ مُنَادِيًا يَومَ القِيَامَةِ، فَيُنَادِي: مَن كَانَ لَهُ عِندَ اللهِ شَيءٌ فَليَقُم، فَيَقُومُ أَهلُ العَفوِ، فَيُكَافِئُهُمُ اللهُ بِمَا كَانَ من عَفوِهِم عن الناسِ[9].
وقال نبيُّنا فيما رواه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عن الرحمن في علم الغيوبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
محالٌ أن ينال العفو من لا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يمنُّ به على أهل الذُّنوبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولقد سُئِل أبو الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنهُ عن أعزِّ الناس، فقال: «الذي يعفو إذا قدر، فاعفوا يعزَّكم الله»[10].
يَقُولُ الحَسَنُ بن علي رَضِيَ اللهُ عَنهُما: لَو أَنَّ رَجُلًَا شَتَمَنِي فِي أُذُنِي هَذِهِ، وَاعتَذَرَ إلَيَّ فِي أُذُنِي الأُخرَى، لَقَبِلتُ عُذرَهُ[11].
قيل لي قد أساء إليك فلانٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومُقام الفتى على الذلّ عارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قلت: قد جاءنا فأحدث عذرًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ودِية الذنب الاعتذارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ويَقُولُ جَعفَرُ الصادِقُ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ -: لَأَن أَندَمَ عَلَى العَفوِ عِشرِينَ مَرَّةً، أَحَبُّ إلَيَّ مِن أَن أَندَمَ عَلَى العُقُوبَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً[12].
ورُوي أنَّ راهبًا دخل على هشام بن عبدالملك، فقال للرَّاهب: «أرأيت ذا القرنين أكان نبيًّا؟»، فقال: «لا، ولكنَّه إنَّما أُعطي ما أُعطي بأربعِ خصالٍ كُنَّ فيه: كان إذا قدر عفا، وإذا وعد وفَّى، وإذا حدَّث صدق، ولا يجمع شغل اليوم لغد»[13].
قال أحد البلغاء: أحسنُ المكارم: عفو المقتدر، وَجُودُ المفتقر[14].
ومما يؤثرُ: أن رجلًا قال لصاحبه: تعال نتعاتب، فرد عليه صاحبه وهو يحاوره قائلًا: بل تعال نتغافر[15].
وكتب أخ إلى أخيه يعتذر منه فقال: مثلي هفا ومثلك عفا، فأجابه: مثلُك اعتذر ومِثلِي غَفَر[16].
ما ألطف الإشارة، وأوجز العبارة!
ما أَحسَنَ العَفوَ مِنَ القادِرِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا سيَّما عَن غَيرِ ذي ناصِرِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِن كانَ لي ذَنبٌ وَلا ذَنبَ لي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَما لَهُ غَيرُكَ مِن غافِرِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بِحُرمَةِ الوُدِّ الَّذي بَينَنا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا تُفسِدِ الأَوَّلَ بِالآخِرِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولك أن تتأمل تعاملَه وعفوه صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن التأسي بسواه، وهل الفضل إلا من نداه؟!
يا معشر العبَّاد أوبوا للهدى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
واقفوا سبيل المصطفى الأوَّابِhttps://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إن الهُدى في قفوِ شِرعَةِ أحمدٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وخلافُها رَدٌّ على الأعقابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
روى البخاري عن أبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه في قصة ثُمَامَة بن أُثَالٍ، حين رَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِن سَوَارِي المَسجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «مَا عِندَكَ يَا ثُمَامَةُ؟»، فَقَالَ: «عِندِي خَيرٌ يَا مُحَمَّدُ، إِن تَقتُلنِي تَقتُل ذَا دَمٍ، وَإِن تُنعِم تُنعِم عَلَى شَاكِرٍ»، وَإِن كُنتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَل مِنهُ مَا شِئتَ، فلما كان الثالثة قَالَ: «أَطلِقُوا ثُمَامَةَ»، فَانطَلَقَ إِلَى نَخلٍ قَرِيبٍ مِن المَسجِدِ فَاغتَسَلَ ثُم دَخَلَ المَسجِدَ، فَقَال: أَشهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَشهَدُ أَن مُحَمدًا رَسُولُ اللهِ، يَا مُحَمدُ، وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرضِ وَجهٌ أَبغَضَ إِلَي مِن وَجهِكَ، فَقَد أَصبَحَ وَجهُكَ أَحَبَّ الوُجُوهِ إِلَي، وَاللهِ مَا كَانَ مِن دِينٍ أَبغَضَ إِلَي مِن دِينِكَ، فَأَصبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدينِ إِلَي، وَاللهِ مَا كَانَ مِن بَلَدٍ أَبغَضَ إِلَي مِن بَلَدِكَ، فَأَصبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ البِلاَدِ إِلَي، فَلَمَّا قَدِمَ مَكةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: «صَبَوتَ؟ قَالَ: لاَ وَلَكِن أَسلَمتُ مَعَ مُحَمدٍ رَسُولِ اللهِ، وَلاَ وَاللهِ لاَ يَأتِيكُم مِن اليَمَامَةِ حَبَّةُ حِنطَةٍ حَتى يَأذَنَ فِيهَا النبِي»[17].
وَمَا قَتَلَ الأَحرَارَ كَالعَفوِ عَنهُمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَمَن لَكَ بِالحُرِّ الَّذِي يَحفَظُ اليَدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِذَا أَنتَ أَكرَمتَ الكَرِيمَ مَلَكتَهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَإِن أَنتَ أَكرَمتَ اللَّئِيمَ تَمَرَّدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَوَضعُ النَّدَى فِي مَوضِعِ السَّيفِ بِالعُلاَhttps://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مُضِرٌّ كَوَضعِ السَّيفِ فِي مَوضِعِ النَّدَىhttps://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
سألت عَائِشَةَ رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللهِ، هَل أَتَى عَلَيكَ يَومٌ كَانَ أَشَدَّ مِن يَومِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: «لَقَد لَقِيتُ مِن قَومِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنهُم يَومَ العَقَبَةِ، إِذ عَرَضتُ نَفسِي عَلَى ابنِ عَبدِ يَالِيلَ بنِ عَبدِكُلَالٍ فَلَم يُجِبنِي إِلَى مَا أَرَدتُ، فَانطَلَقتُ وَأَنَا مَهمُومٌ عَلَى وَجهِي، فَلَم أَستَفِق إِلَّا بِقَرنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعتُ رَأسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَد أَظَلَّتنِي فَنَظَرتُ فَإِذَا فِيهَا جِبرِيلُ، فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَد سَمِعَ قَولَ قَومِكَ لَكَ، وَمَا رُدُّوا عَلَيكَ، وَقَد بَعَثَ إِلَيكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأمُرَهُ بِمَا شِئتَ فِيهِم»، قَالَ: «فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ قَد سَمِعَ قَولَ قَومِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الجِبَالِ وَقَد بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيكَ لِتَأمُرَنِي بِأَمرِكَ، فَمَا شِئتَ، إِن شِئتَ أَن أُطبِقَ عَلَيهِمُ الأَخشَبَينِ»، فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم: «بَل أَرجُو أَن يُخرِجَ اللهُ مِن أَصلَابِهِم مَن يَعبُدُ اللهَ وَحدَهُ لَا يُشرِكُ بِهِ شَيئًا»[18].
أَرُومُ امتِدَاحَ المُصطَفَى فَيَرُدُّنِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قُصُورِي عَن إِدرَاكِ تِلكَ المَنَاقِبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَمَن لِي بِحَصرِ البَحرِ، وَالبَحرُ زَاخِرٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَمَن لِي بِإِحصَاءِ الحَصَى وَالكَوَاكِبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَلَو أَنَّ كُلَّ العَالمَيِنَ تَأَلَّفُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عَلَى مَدحِهِ لَم يَبلُغُوا بَعضَ وَاجِبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَأَمسَكتُ عَنهُ هَيبَةً وَتَأَدُّبًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَخَوفًا وَإِعظَامًا لِأَرفَعِ جَانِبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَرُبَّ سكُوتٍ كَانَ فِيهِ بَلَاغَةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَرُبَّ كَلَامٍ فِيهِ عَتبٌ لِعَاتِبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: كنتُ أَمشِى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيهِ رِدَاءٌ نَجرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأَدرَكَهُ أَعرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبذَةً شَدِيدَةً نَظَرتُ إِلَى صَفحَةِ عُنُقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَد أَثَّرَت بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِن شِدَّةِ جَبذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مُر لِي مِن مَالِ اللَّهِ الَّذِى عِندَكَ، فَالتَفَتَ إِلَيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ[19].
فدَتهُ نفسي فما نفسٌ تُشابِهُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ما مِثلُهُ بَشَرٌ والنَّاسُ أشبَاهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
القلبُ حَنَّ لهُ والعينُ ترقُبُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
صَلُّوا عليهِ فقد أوصاكُمُ اللهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عَن شَقِيقٍ عَن عَبدِاللَّهِ، قَالَ: كَأَنِّي أَنظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، يَحكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنبِيَاءِ، ضَرَبَهُ قَومُهُ فَأَدمَوهُ، وَهُوَ يَمسَحُ الدَّمَ عَن وَجهِهِ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغفِر لِقَومِي فَإِنَّهُم لاَ يَعلَمُونَ»[20].
يعفو عن الذنب العظيم تكرمًا *** ويجود مسئولًا وإن لم يُسأل
جرَّعه أهلُ مكة وأصحابَه الصاب والعلقم، أخرجوه، وحاربُوه، وآذوه، قالوا عنه، ونالُوا منه، وقاطعوه وسبُّوه وشتمُوه، وسخروا منه، وحبسوه، ووضعوا الشوك في طريقه، وألقوا سلا الجزور على رأسه، وائتمروا به ليقتلوه، وما تركوا بابًا من أبواب الشرِّ إلا سلكوه، ثم أظهره الله عليهم، وأظفره بهم، فأذعنوا في ساعة من نهار إلى حق قضوا في حربه نيفًا وعشرين سنة، ويحكِّمه الله فيهم، فأقامهم أمامه حول الكعبة أذلاءَ ضعفاء بؤساء،لَا يَملِكُونَ لِأَنفُسِهِم ضَرًّا وَلَا نَفعًا، وَلَا يَملِكُونَ مَوتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا، وجاءت ساعة العقوبة، وحانت لحظة التأديب، التي يكون فيها الرد على سلسلة طويلة من الإساءات والتعديات، والتجاوزات، فَتَحَ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ ودَخَلَ البَيتَ، فَصَلَّى بَينَ السَّارِيَتَينِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَيهِ عَلَى عِضَادَتَيِ البَابِ، فَقَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحدَهُ، صَدَقَ وَعدَهُ، وَنَصَرَ عَبدَهُ، وَهَزَمَ الأَحزَابَ وَحدَهُ، مَاذَا تَقُولُونَ، وَمَاذَا تَظُنُّونَ؟»، هل يا تُرى يعاملهم بالمثل؟ أم هو أحق بقول المقنع:
إذا قدحوا لي نارَ حربٍ بِزَندِهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قَدَحتُ لَهم في كلِّ مُكرُمَةٍ زَندا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن أكَلوا لَحمي وَفَرتُ لُحُومَهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن هدَمُوا مَجدِي بَنَيتُ لَهم مَجدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا أَحمِل الحقدَ القَدِيمَ عليهمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وليسَ رَئيسُ القَومِ مَن يَحمِلُ الحِقدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مَا تَرَونَ أَنِّي صَانِعٌ بِكُم؟! اصفرت الجباه، ويبست الشفاه، وغارت العيون، وتنوعت الظنون، وتذكروا ما كانوا يفعلون، وأدركوا أن استئصال شأفتهم وإبادَة خضرائهم عين ما يستحقون، ومع هذا يذكرون خلقه صلى الله عليه وسلم ولا ينسون؛ فَقَالوا: نَقُولُ خَيرًا، وَنَظُنُّ خَيرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابنُ أَخٍ كَرِيمٍ. فكانت المفاجأة التي فعلت في نفوس قريش ما لم تفعله الجيوش، قَالَ: «فَإِنِّي أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِي يُوسُفُ: ﴿ لَا تَثرِيبَ عَلَيكُمُ اليَومَ يَغفِرُ اللَّهُ لَكُم وَهُوَ أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف:92][21].
كأن القولَ من فيه له در وياقوتُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن الورد والريحان فيه المسك مفتوتُhttps://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تلذُّذُه بالصفح والعفو والتقى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وبذل العطايا لا بطيب المآكلِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فالحلم جيد وهو حلية نحره https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والعفو جسمٌ وهو جنة خلده https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بارَك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم، وأستغفر الله من كل ذنب وخطيئة، إنه غفور تواب رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ذي الطول والآلاء، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم الرسل والأنبياء، وعلى آله وأصحابه الأتقياء، ومن سار على نهجمهم واقتفى أثرهم، ما علت أرضٌ سماء، أما بعد:
فتأمَّل عفو تلاميذ محمد صلى الله عليه وسلم، الذين تربوا على مائدته، وعاشوا في كنف هدايته، ونهلوا من معين مدرسته، وشاهدوا الأنوار، وطالعوا الأسرار، وسبروا الأغوار، لما أَنزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفكِ عُصبَةٌ مِنكُم لاَ تَحسِبُوهُ شَرًّا لَكُم بَل هُوَ خَيرٌ لَكُم ﴾ [النور:11]، حلف أَبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ ألا يُنفِقُ عَلَى مِسطَحٍ شَيئًا أَبَدًا بَعدَ الَّذِي قَالَ، فَأَنزَلَ اللَّهُ: ﴿ وَلاَ يَأتَلِ أُولُو الفَضلِ مِنكُم وَالسَّعَةِ أَن يُؤتُوا أُولِي القُربَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَليَعفُوا وَليَصفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغفِرَ اللَّهُ لَكُم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور:22]، قَالَ أَبُو بَكرٍ: بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ أَن يَغفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنفِقُ عَلَيهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ أَنزِعُهَا مِنهُ أَبَدًا[22].
حلمًا وعفوًا كاملًا وبراعةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وتقًى وحسنَ سكينةٍ وتورُّعَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مقالًا حسنُهُ بلَغَ النِّهاية https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وليس لحدِّه في اللُّطف غاية https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومن كان في سخطه محسنًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فكيف يكون إذا ما رضي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عن ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: «قَدِمَ عُيَينَةُ بنُ حِصنِ بنِ حُذَيفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابنِ أَخِيهِ الحُرِّ بنِ قَيسٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدنِيهِم عُمَرُ، وَكَانَ القُرَّاءُ أَصحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ، كُهُولًا كَانُوا أَو شُبَّانًا»، فَقَالَ عُيَينَةُ لِابنِ أَخِيهِ: يَا ابنَ أَخِي، هَل لَكَ وَجهٌ عِندَ هَذَا الأَمِيرِ، فَاستَأذِن لِي عَلَيهِ، قَالَ: سَأَستَأذِنُ لَكَ عَلَيهِ، قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: «فَاستَأذَنَ الحُرُّ لِعُيَينَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ»، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيهِ قَالَ: هِي يَا بنَ الخَطَّابِ، فَوَاللَّهِ مَا تُعطِينَا الجَزلَ وَلاَ تَحكُمُ بَينَنَا بِالعَدلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَن يُوقِعَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الحُرُّ: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ، «وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِندَ كِتَابِ اللَّهِ»[23].
خُذِ العفوَ وأمر بعرفٍ كما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أمرتَ وأعرض عن الجاهلين https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولِن في الكلامِ لكل الأنامِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فمستحسنٌ من ذوي الجاهِ لينhttps://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إن العفو عن الناس والصفحَ دليل كمال الرجولة والمروءة، وعنوان سلامة الصدر من الغش والحقد والحسد والضغينة، وأما الانتصار للنفس والتشفي والانتقام، فهو دليل ضعف النفس، وحبِّ الذات والغلظة والفظاظة، وقسوة القلب وضيق الصدر، ومحدودية الرؤية والمعرفة.
فالمنتقم عدو عقله، يغضب لأتفه سبب، ويجلب لنفسه العداوات والكدر، والاضطراب والقلق، والوهن في جسده.
لما عفوتُ ولم أحقِد على أحدٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أرحتُ نفسي مِن همِّ العداواتِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إني أُحيِّي عدُوِّي عندَ رؤيتِه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لأدفعَ الشرَّ عني بالتحياتِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأُظهرُ البِشرَ للإنسانِ أُبغِضُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كأنما قد حشَى قلبي محباتِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
النَّاسُ داءٌ، وداءُ النَّاسِ قُربُهمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وفي اعتزالِهمُ قطعُ الموداتِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هذا وقد قيل في الأمثال والحكم:في إغضائِك راحةُ أَعضائِك[24].
حُكيَ أن جارية كانت تصب الماء لعلي بن الحسين، فسقط الإبريق من يدها على وجهه فشجه، فرفع رأسه إليها، فقالت له: ﴿ وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ ﴾ [آل عمران:134]، فقال: كظمت غيظي، قالت: ﴿ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ [آل عمران:134]، قال: قد عفوت عنك، قالت: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ ﴾ [آل عمران:134]، قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله[25].
عفوتَ وكان العفوُ منكَ سجيةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كما كان معقودًا بمفرقك الملكُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإن أنت أتممتَ الرضى فهو المُنى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن أنت جازيتَ المسيَء فذا الهلكُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا يا كريم.
ختامًا، عبد الله:
كُن قَابِلَ العُذر، وَاغفِر زَلَّةَ النَّاسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا تُطِع يا لَبيبًا أَمرَ وَسواسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هلَّا تَذَكَّرتَ يومًا أنتَ مُدركُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يَومًا سَتُخرِجُ فيه كُلَّ أَنفَاسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يومَ الرَّحِيلِ عن الدُّنيَا وزِينَتِهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يَومَ الوَداعِ شَديدَ البَطشِ والبَاسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ويومَ وضعِكَ في القَبرِ المُخيفِ وقَد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ردُّوا التُّرابَ بأَيديهِم وبِالفاسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ويومَ يَبعثُنَا والأرضُ هائِجَةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
الشَّمسُ مُحرقةٌ تَدنُو من الرَّاسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والنَّاسُ في مُنتهى جُوعٍ وفي ظَمإٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وفي شَقاءٍ وفي هَمٍّ وإِفلاسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هَيَّا تَعَالوا إلى فَوزٍ ومَغفِرَةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هَيَّا تعالوا إلى بِشرٍ وإِينَاسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أَينَ الذين على الرَّحمنِ أَجرُهُمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَلا يَقُومُ سوى العَافي عَن النَّاسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
اللهم ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار.
اللهم ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ربنا وسِعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا، واتَّبعوا سبيلك وقِهم عذاب الجحيم.
اللهم أقِل عثراتنا، واغفر زلاتنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار.
الحمدُ اللهِ، أَمَرَ أَلاَّ تَعبُدُوا إِلاَّ إِيَّاه، لا يَكشفُ الضُّرَ سِواه، ولا يَدعُو المضطَرُّ إِلاَّ إِيَّاه، نَعُوذُ مِن سَخَطِهِ بِرِضَاه، وَنُنزِلُ فَقرَنا بِغِناه، وَنَستغفِرُهُ وَمن يَغفرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ الله.
أَحمَدُهُ وَالحمدُ مِن إِنعَامِهِ *** إِذ ذِكرُنَا إِيَّاهُ مِن إِلهَامِهِ
وَأَشهدُ أَن لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، أَحَاط بِكُل شيءٍ عِلمًا، وَوَسِع كُلَّ شيءٍ رَحمةً وَحِلمًا، لاَ تُدركهُ الأبصار، وُكُلُّ شيءٍ عندهُ بِمقدَار، جَعَل النارَ بردًا وَسلاَمًا عَلى إِبرَاهِيم، وَفلقَ البحرَ لمُوسَى الكَلِيم ﴿ وَإِن يَمسَسكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمسَسكَ بِخَيرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ القَاهِرُ فَوقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 17، 18].
وَأَشهدُ أَنَّ مُحمدًا عبدُهُ ورسولُه، وخِيرتُه مِن خلقِه وأَمِينُه عَلى وَحيه، دَعَا إِلى سَبيل رَبه بِالحكمة، فَأَحيا اللهُ بِه الأُمَّة، وَكَشفَ بِه الغُمَّة، فصَلوَاتُ اللهِ وَسلاَمُهُ عَليهِ وَعلى آلِه وَأَتباعِهِ بِإِحسَانٍ وَصَحبِه، أما بعد:
فيقول المولى تبارك وتعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133، 134].
فَيَا لَهُ مِن أجرٍ عَظِيمٍ، وجَزَاءٍ عَمِيمٍ، وَعَطَاءٍ كَرِيمٍ، لِمَن عَفَا وأصلح، وتجاوز وَسَامَحَ.
ألا ما أثقل الحديثَ عن خلقٍ وسلوكٍ ليس للإنسان منه إلا جمال البريق، واستفاف الرحيق، مع بعد النفس عن التطبيق، والمرجو من الرؤوف الرحيم الستر والعافية.
وإنني من المعين استمِد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عونًا فما لي دونَهُ من مُعتمَد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يا مالك الملك يا من لا شريك له https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يا صاحب الأمر في ماضٍ وفي آتي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يسر أموري بيسر منك يتبعه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عونٌ ولطفٌ وتسهيلُ المهمات https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إن العفو يا عباد الله صفة من صفات الله؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ [النساء:43].
وقال سبحانه: ﴿ إِن تُبدُوا خَيرًا أَو تُخفُوهُ أَو تَعفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ﴾ [النساء:149].
يستوجبُ العفوَ الفتى إِذا اعترف https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وتابَ مما قد جَنَاه واقترف https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لقوله: قل للذين كفروا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِن ينتهوا يُغفر لهم ما قد سَلف https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قال صلى الله عليه وسلم: «مَا أَحَدٌ أَصبَرَ عَلَى أَذًى يَسمَعُهُ مِنَ اللهِ تَعَالَى، إِنَّهُم يَجعَلُونَ لَهُ نِدًّا وَيَجعَلُونَ لَهُ وَلَدًا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَرزُقُهُم وَيُعَافِيهِم وَيُعطِيهِم»[1].
سُبحَانَ مَن نَهفُو وَيَعفُو دَائِمًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَلَم يَزَل مَهمَا هَفَا العَبدُ عَفَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يُعطِي الَّذِي يُخطِي وَلاَ يَمنَعُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
جَلاَلُهُ مِنَ العَطَا لِذِي الخَطَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وتأمل إلى جمال ورونق هذا العتاب الرباني لنبيه صلى الله عليه وسلم، الذي ابتدأه سبحانه بهذا المطلع البديع: ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [التوبة: 43].
فأيُّ عتاب أجملُ من هذا الذي يُستفتح بالعفو والصفح!
إن العَفوُ هُوَ: تَركُ المُؤَاخَذَةِ بِالذَّنبِ، وَالصَّفحُ هُوَ: إِزَالَةُ أَثَرِهِ مِنَ النَّفسِ؛ ولقد أمر الله نبيه بهذا الخلق، فقال: ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 13].
واصبِر بغَيرِ تَسَخُّطٍ وشَكَايَةٍ *** واصفَح بِغَيرِ عِتَابِ مَن هُوَ جَانِ
وقال له: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199].
رُوي عن جعفر الصادق أنه قال: ليس في القرآن آيةٌ أجمعَ لمكارم الأخلاق منها[2].
عَن عَبدِاللَّهِ بنِ الزُّبَيرِ، ﴿ خُذِ العَفوَ وَأمُرْ بِالعُرفِ ﴾ قَالَ: «مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَّا فِي أَخلاَقِ النَّاسِ»[3].
كما أوصَى اللهُ عباده بالعفو، فقال: ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [البقرة: 237].
وأمرهم قائلًا: ﴿ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾ [البقرة: 109].
وقال: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الجاثية: 14].
ورغبهم قائلًا: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22].
﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40].
﴿ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التغابن: 14].
﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِن عَزمِ الأُمُورِ ﴾ [الشورى:43].
وامتدح أقوامًا بأنهم: ﴿ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثمِ وَالفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ [الشورى:37].
لاَ يَبلُغُ المَجدَ أَقوَامٌ وَإِن كَرُمُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
حَتَّى يَذِلُّوا وَإِنَّ عَزُّوا لأَقوَامِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَيُشتَمُوا فَتَرَى الأَلوَانَ مُسفِرَةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا صَفحَ ذُلٍّ وَلَكِن صَفحُ أَحلاَمِhttps://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا نَقَصَت صَدَقَةٌ مِن مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبدًا بِعَفوٍ إِلاَّ عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ»[4].
عَن عَبدِاللَّهِ بنِ عَمرِو عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى المِنبَرِ: «ارحَمُوا تُرحَمُوا، وَاغفِرُوا يَغفِرِ اللَّهُ لَكُم، وَيلٌ لِأَقمَاعِ القَولِ، وَيلٌ لِلمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُم يَعلَمُونَ»[5].
وقال: «تَعَافَوا فِيمَا بَينَكُم، قَبلَ أَن تَأتُونِي، فَمَا بَلَغَنِي مِن حَدٍّ فَقَد وَجَبَ »[6].
عَن عَبدِاللَّهِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي خَادِمًا يُسِيءُ وَيَظلِمُ، أَفَأَضرِبُهُ؟، قَالَ: «تَعفُو عَنهُ كُلَّ يَومٍ سَبعِينَ مَرَّةً»[7].
والصفحُ لا يحسنُ عن محسنٍ *** وإِنما يَحسُنُ عن جاني
وجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَم نَعفُو عَنِ الخَادِمِ؟ فَصَمَتَ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيهِ الكَلَامَ، فَصَمَتَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ، قَالَ: «اعفُوا عَنهُ فِي كُلِّ يَومٍ سَبعِينَ مَرَّةً»[8].
رُوِيَ عَن أَبِي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنهُ قَالَ: بَلَغَنَا أَن اللهَ تعالى يَأمُرُ مُنَادِيًا يَومَ القِيَامَةِ، فَيُنَادِي: مَن كَانَ لَهُ عِندَ اللهِ شَيءٌ فَليَقُم، فَيَقُومُ أَهلُ العَفوِ، فَيُكَافِئُهُمُ اللهُ بِمَا كَانَ من عَفوِهِم عن الناسِ[9].
وقال نبيُّنا فيما رواه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عن الرحمن في علم الغيوبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
محالٌ أن ينال العفو من لا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يمنُّ به على أهل الذُّنوبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولقد سُئِل أبو الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنهُ عن أعزِّ الناس، فقال: «الذي يعفو إذا قدر، فاعفوا يعزَّكم الله»[10].
يَقُولُ الحَسَنُ بن علي رَضِيَ اللهُ عَنهُما: لَو أَنَّ رَجُلًَا شَتَمَنِي فِي أُذُنِي هَذِهِ، وَاعتَذَرَ إلَيَّ فِي أُذُنِي الأُخرَى، لَقَبِلتُ عُذرَهُ[11].
قيل لي قد أساء إليك فلانٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومُقام الفتى على الذلّ عارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قلت: قد جاءنا فأحدث عذرًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ودِية الذنب الاعتذارُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ويَقُولُ جَعفَرُ الصادِقُ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ -: لَأَن أَندَمَ عَلَى العَفوِ عِشرِينَ مَرَّةً، أَحَبُّ إلَيَّ مِن أَن أَندَمَ عَلَى العُقُوبَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً[12].
ورُوي أنَّ راهبًا دخل على هشام بن عبدالملك، فقال للرَّاهب: «أرأيت ذا القرنين أكان نبيًّا؟»، فقال: «لا، ولكنَّه إنَّما أُعطي ما أُعطي بأربعِ خصالٍ كُنَّ فيه: كان إذا قدر عفا، وإذا وعد وفَّى، وإذا حدَّث صدق، ولا يجمع شغل اليوم لغد»[13].
قال أحد البلغاء: أحسنُ المكارم: عفو المقتدر، وَجُودُ المفتقر[14].
ومما يؤثرُ: أن رجلًا قال لصاحبه: تعال نتعاتب، فرد عليه صاحبه وهو يحاوره قائلًا: بل تعال نتغافر[15].
وكتب أخ إلى أخيه يعتذر منه فقال: مثلي هفا ومثلك عفا، فأجابه: مثلُك اعتذر ومِثلِي غَفَر[16].
ما ألطف الإشارة، وأوجز العبارة!
ما أَحسَنَ العَفوَ مِنَ القادِرِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا سيَّما عَن غَيرِ ذي ناصِرِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِن كانَ لي ذَنبٌ وَلا ذَنبَ لي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَما لَهُ غَيرُكَ مِن غافِرِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بِحُرمَةِ الوُدِّ الَّذي بَينَنا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا تُفسِدِ الأَوَّلَ بِالآخِرِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولك أن تتأمل تعاملَه وعفوه صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن التأسي بسواه، وهل الفضل إلا من نداه؟!
يا معشر العبَّاد أوبوا للهدى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
واقفوا سبيل المصطفى الأوَّابِhttps://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إن الهُدى في قفوِ شِرعَةِ أحمدٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وخلافُها رَدٌّ على الأعقابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
روى البخاري عن أبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه في قصة ثُمَامَة بن أُثَالٍ، حين رَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِن سَوَارِي المَسجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «مَا عِندَكَ يَا ثُمَامَةُ؟»، فَقَالَ: «عِندِي خَيرٌ يَا مُحَمَّدُ، إِن تَقتُلنِي تَقتُل ذَا دَمٍ، وَإِن تُنعِم تُنعِم عَلَى شَاكِرٍ»، وَإِن كُنتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَل مِنهُ مَا شِئتَ، فلما كان الثالثة قَالَ: «أَطلِقُوا ثُمَامَةَ»، فَانطَلَقَ إِلَى نَخلٍ قَرِيبٍ مِن المَسجِدِ فَاغتَسَلَ ثُم دَخَلَ المَسجِدَ، فَقَال: أَشهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَشهَدُ أَن مُحَمدًا رَسُولُ اللهِ، يَا مُحَمدُ، وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرضِ وَجهٌ أَبغَضَ إِلَي مِن وَجهِكَ، فَقَد أَصبَحَ وَجهُكَ أَحَبَّ الوُجُوهِ إِلَي، وَاللهِ مَا كَانَ مِن دِينٍ أَبغَضَ إِلَي مِن دِينِكَ، فَأَصبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدينِ إِلَي، وَاللهِ مَا كَانَ مِن بَلَدٍ أَبغَضَ إِلَي مِن بَلَدِكَ، فَأَصبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ البِلاَدِ إِلَي، فَلَمَّا قَدِمَ مَكةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: «صَبَوتَ؟ قَالَ: لاَ وَلَكِن أَسلَمتُ مَعَ مُحَمدٍ رَسُولِ اللهِ، وَلاَ وَاللهِ لاَ يَأتِيكُم مِن اليَمَامَةِ حَبَّةُ حِنطَةٍ حَتى يَأذَنَ فِيهَا النبِي»[17].
وَمَا قَتَلَ الأَحرَارَ كَالعَفوِ عَنهُمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَمَن لَكَ بِالحُرِّ الَّذِي يَحفَظُ اليَدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إِذَا أَنتَ أَكرَمتَ الكَرِيمَ مَلَكتَهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَإِن أَنتَ أَكرَمتَ اللَّئِيمَ تَمَرَّدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَوَضعُ النَّدَى فِي مَوضِعِ السَّيفِ بِالعُلاَhttps://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مُضِرٌّ كَوَضعِ السَّيفِ فِي مَوضِعِ النَّدَىhttps://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
سألت عَائِشَةَ رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللهِ، هَل أَتَى عَلَيكَ يَومٌ كَانَ أَشَدَّ مِن يَومِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: «لَقَد لَقِيتُ مِن قَومِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنهُم يَومَ العَقَبَةِ، إِذ عَرَضتُ نَفسِي عَلَى ابنِ عَبدِ يَالِيلَ بنِ عَبدِكُلَالٍ فَلَم يُجِبنِي إِلَى مَا أَرَدتُ، فَانطَلَقتُ وَأَنَا مَهمُومٌ عَلَى وَجهِي، فَلَم أَستَفِق إِلَّا بِقَرنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعتُ رَأسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَد أَظَلَّتنِي فَنَظَرتُ فَإِذَا فِيهَا جِبرِيلُ، فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَد سَمِعَ قَولَ قَومِكَ لَكَ، وَمَا رُدُّوا عَلَيكَ، وَقَد بَعَثَ إِلَيكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأمُرَهُ بِمَا شِئتَ فِيهِم»، قَالَ: «فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ قَد سَمِعَ قَولَ قَومِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الجِبَالِ وَقَد بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيكَ لِتَأمُرَنِي بِأَمرِكَ، فَمَا شِئتَ، إِن شِئتَ أَن أُطبِقَ عَلَيهِمُ الأَخشَبَينِ»، فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم: «بَل أَرجُو أَن يُخرِجَ اللهُ مِن أَصلَابِهِم مَن يَعبُدُ اللهَ وَحدَهُ لَا يُشرِكُ بِهِ شَيئًا»[18].
أَرُومُ امتِدَاحَ المُصطَفَى فَيَرُدُّنِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قُصُورِي عَن إِدرَاكِ تِلكَ المَنَاقِبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَمَن لِي بِحَصرِ البَحرِ، وَالبَحرُ زَاخِرٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَمَن لِي بِإِحصَاءِ الحَصَى وَالكَوَاكِبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَلَو أَنَّ كُلَّ العَالمَيِنَ تَأَلَّفُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عَلَى مَدحِهِ لَم يَبلُغُوا بَعضَ وَاجِبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَأَمسَكتُ عَنهُ هَيبَةً وَتَأَدُّبًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَخَوفًا وَإِعظَامًا لِأَرفَعِ جَانِبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَرُبَّ سكُوتٍ كَانَ فِيهِ بَلَاغَةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَرُبَّ كَلَامٍ فِيهِ عَتبٌ لِعَاتِبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: كنتُ أَمشِى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيهِ رِدَاءٌ نَجرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأَدرَكَهُ أَعرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبذَةً شَدِيدَةً نَظَرتُ إِلَى صَفحَةِ عُنُقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَد أَثَّرَت بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِن شِدَّةِ جَبذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مُر لِي مِن مَالِ اللَّهِ الَّذِى عِندَكَ، فَالتَفَتَ إِلَيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ[19].
فدَتهُ نفسي فما نفسٌ تُشابِهُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ما مِثلُهُ بَشَرٌ والنَّاسُ أشبَاهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
القلبُ حَنَّ لهُ والعينُ ترقُبُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
صَلُّوا عليهِ فقد أوصاكُمُ اللهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عَن شَقِيقٍ عَن عَبدِاللَّهِ، قَالَ: كَأَنِّي أَنظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، يَحكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنبِيَاءِ، ضَرَبَهُ قَومُهُ فَأَدمَوهُ، وَهُوَ يَمسَحُ الدَّمَ عَن وَجهِهِ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغفِر لِقَومِي فَإِنَّهُم لاَ يَعلَمُونَ»[20].
يعفو عن الذنب العظيم تكرمًا *** ويجود مسئولًا وإن لم يُسأل
جرَّعه أهلُ مكة وأصحابَه الصاب والعلقم، أخرجوه، وحاربُوه، وآذوه، قالوا عنه، ونالُوا منه، وقاطعوه وسبُّوه وشتمُوه، وسخروا منه، وحبسوه، ووضعوا الشوك في طريقه، وألقوا سلا الجزور على رأسه، وائتمروا به ليقتلوه، وما تركوا بابًا من أبواب الشرِّ إلا سلكوه، ثم أظهره الله عليهم، وأظفره بهم، فأذعنوا في ساعة من نهار إلى حق قضوا في حربه نيفًا وعشرين سنة، ويحكِّمه الله فيهم، فأقامهم أمامه حول الكعبة أذلاءَ ضعفاء بؤساء،لَا يَملِكُونَ لِأَنفُسِهِم ضَرًّا وَلَا نَفعًا، وَلَا يَملِكُونَ مَوتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا، وجاءت ساعة العقوبة، وحانت لحظة التأديب، التي يكون فيها الرد على سلسلة طويلة من الإساءات والتعديات، والتجاوزات، فَتَحَ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ ودَخَلَ البَيتَ، فَصَلَّى بَينَ السَّارِيَتَينِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَيهِ عَلَى عِضَادَتَيِ البَابِ، فَقَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحدَهُ، صَدَقَ وَعدَهُ، وَنَصَرَ عَبدَهُ، وَهَزَمَ الأَحزَابَ وَحدَهُ، مَاذَا تَقُولُونَ، وَمَاذَا تَظُنُّونَ؟»، هل يا تُرى يعاملهم بالمثل؟ أم هو أحق بقول المقنع:
إذا قدحوا لي نارَ حربٍ بِزَندِهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قَدَحتُ لَهم في كلِّ مُكرُمَةٍ زَندا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن أكَلوا لَحمي وَفَرتُ لُحُومَهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن هدَمُوا مَجدِي بَنَيتُ لَهم مَجدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا أَحمِل الحقدَ القَدِيمَ عليهمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وليسَ رَئيسُ القَومِ مَن يَحمِلُ الحِقدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مَا تَرَونَ أَنِّي صَانِعٌ بِكُم؟! اصفرت الجباه، ويبست الشفاه، وغارت العيون، وتنوعت الظنون، وتذكروا ما كانوا يفعلون، وأدركوا أن استئصال شأفتهم وإبادَة خضرائهم عين ما يستحقون، ومع هذا يذكرون خلقه صلى الله عليه وسلم ولا ينسون؛ فَقَالوا: نَقُولُ خَيرًا، وَنَظُنُّ خَيرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابنُ أَخٍ كَرِيمٍ. فكانت المفاجأة التي فعلت في نفوس قريش ما لم تفعله الجيوش، قَالَ: «فَإِنِّي أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِي يُوسُفُ: ﴿ لَا تَثرِيبَ عَلَيكُمُ اليَومَ يَغفِرُ اللَّهُ لَكُم وَهُوَ أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف:92][21].
كأن القولَ من فيه له در وياقوتُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن الورد والريحان فيه المسك مفتوتُhttps://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تلذُّذُه بالصفح والعفو والتقى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وبذل العطايا لا بطيب المآكلِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فالحلم جيد وهو حلية نحره https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والعفو جسمٌ وهو جنة خلده https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بارَك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم، وأستغفر الله من كل ذنب وخطيئة، إنه غفور تواب رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ذي الطول والآلاء، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم الرسل والأنبياء، وعلى آله وأصحابه الأتقياء، ومن سار على نهجمهم واقتفى أثرهم، ما علت أرضٌ سماء، أما بعد:
فتأمَّل عفو تلاميذ محمد صلى الله عليه وسلم، الذين تربوا على مائدته، وعاشوا في كنف هدايته، ونهلوا من معين مدرسته، وشاهدوا الأنوار، وطالعوا الأسرار، وسبروا الأغوار، لما أَنزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفكِ عُصبَةٌ مِنكُم لاَ تَحسِبُوهُ شَرًّا لَكُم بَل هُوَ خَيرٌ لَكُم ﴾ [النور:11]، حلف أَبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ ألا يُنفِقُ عَلَى مِسطَحٍ شَيئًا أَبَدًا بَعدَ الَّذِي قَالَ، فَأَنزَلَ اللَّهُ: ﴿ وَلاَ يَأتَلِ أُولُو الفَضلِ مِنكُم وَالسَّعَةِ أَن يُؤتُوا أُولِي القُربَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَليَعفُوا وَليَصفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغفِرَ اللَّهُ لَكُم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور:22]، قَالَ أَبُو بَكرٍ: بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ أَن يَغفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنفِقُ عَلَيهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ أَنزِعُهَا مِنهُ أَبَدًا[22].
حلمًا وعفوًا كاملًا وبراعةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وتقًى وحسنَ سكينةٍ وتورُّعَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مقالًا حسنُهُ بلَغَ النِّهاية https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وليس لحدِّه في اللُّطف غاية https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومن كان في سخطه محسنًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فكيف يكون إذا ما رضي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عن ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: «قَدِمَ عُيَينَةُ بنُ حِصنِ بنِ حُذَيفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابنِ أَخِيهِ الحُرِّ بنِ قَيسٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدنِيهِم عُمَرُ، وَكَانَ القُرَّاءُ أَصحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ، كُهُولًا كَانُوا أَو شُبَّانًا»، فَقَالَ عُيَينَةُ لِابنِ أَخِيهِ: يَا ابنَ أَخِي، هَل لَكَ وَجهٌ عِندَ هَذَا الأَمِيرِ، فَاستَأذِن لِي عَلَيهِ، قَالَ: سَأَستَأذِنُ لَكَ عَلَيهِ، قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: «فَاستَأذَنَ الحُرُّ لِعُيَينَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ»، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيهِ قَالَ: هِي يَا بنَ الخَطَّابِ، فَوَاللَّهِ مَا تُعطِينَا الجَزلَ وَلاَ تَحكُمُ بَينَنَا بِالعَدلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَن يُوقِعَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الحُرُّ: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ، «وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِندَ كِتَابِ اللَّهِ»[23].
خُذِ العفوَ وأمر بعرفٍ كما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أمرتَ وأعرض عن الجاهلين https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولِن في الكلامِ لكل الأنامِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فمستحسنٌ من ذوي الجاهِ لينhttps://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إن العفو عن الناس والصفحَ دليل كمال الرجولة والمروءة، وعنوان سلامة الصدر من الغش والحقد والحسد والضغينة، وأما الانتصار للنفس والتشفي والانتقام، فهو دليل ضعف النفس، وحبِّ الذات والغلظة والفظاظة، وقسوة القلب وضيق الصدر، ومحدودية الرؤية والمعرفة.
فالمنتقم عدو عقله، يغضب لأتفه سبب، ويجلب لنفسه العداوات والكدر، والاضطراب والقلق، والوهن في جسده.
لما عفوتُ ولم أحقِد على أحدٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أرحتُ نفسي مِن همِّ العداواتِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إني أُحيِّي عدُوِّي عندَ رؤيتِه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لأدفعَ الشرَّ عني بالتحياتِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأُظهرُ البِشرَ للإنسانِ أُبغِضُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كأنما قد حشَى قلبي محباتِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
النَّاسُ داءٌ، وداءُ النَّاسِ قُربُهمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وفي اعتزالِهمُ قطعُ الموداتِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هذا وقد قيل في الأمثال والحكم:في إغضائِك راحةُ أَعضائِك[24].
حُكيَ أن جارية كانت تصب الماء لعلي بن الحسين، فسقط الإبريق من يدها على وجهه فشجه، فرفع رأسه إليها، فقالت له: ﴿ وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ ﴾ [آل عمران:134]، فقال: كظمت غيظي، قالت: ﴿ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ [آل عمران:134]، قال: قد عفوت عنك، قالت: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ ﴾ [آل عمران:134]، قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله[25].
عفوتَ وكان العفوُ منكَ سجيةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كما كان معقودًا بمفرقك الملكُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإن أنت أتممتَ الرضى فهو المُنى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن أنت جازيتَ المسيَء فذا الهلكُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا يا كريم.
ختامًا، عبد الله:
كُن قَابِلَ العُذر، وَاغفِر زَلَّةَ النَّاسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا تُطِع يا لَبيبًا أَمرَ وَسواسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هلَّا تَذَكَّرتَ يومًا أنتَ مُدركُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يَومًا سَتُخرِجُ فيه كُلَّ أَنفَاسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يومَ الرَّحِيلِ عن الدُّنيَا وزِينَتِهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يَومَ الوَداعِ شَديدَ البَطشِ والبَاسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ويومَ وضعِكَ في القَبرِ المُخيفِ وقَد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ردُّوا التُّرابَ بأَيديهِم وبِالفاسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ويومَ يَبعثُنَا والأرضُ هائِجَةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
الشَّمسُ مُحرقةٌ تَدنُو من الرَّاسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والنَّاسُ في مُنتهى جُوعٍ وفي ظَمإٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وفي شَقاءٍ وفي هَمٍّ وإِفلاسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هَيَّا تَعَالوا إلى فَوزٍ ومَغفِرَةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هَيَّا تعالوا إلى بِشرٍ وإِينَاسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أَينَ الذين على الرَّحمنِ أَجرُهُمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَلا يَقُومُ سوى العَافي عَن النَّاسِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
اللهم ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار.
اللهم ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ربنا وسِعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا، واتَّبعوا سبيلك وقِهم عذاب الجحيم.
اللهم أقِل عثراتنا، واغفر زلاتنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار.