رحيل
06-23-2021, 01:07 PM
ومن ذرائع الشرك الأكبر التي تدخل تحت هذا الأصل الكبير أيضا:-باب التبرك بما لم يرد الدليل بجواز التبرك به ، من الأزمان والأمكنة والأعيان ، فإن المتقرر أن باب التبرك مبناه على التوقيف ، فلا يجوز ادعاء البركة في عين ، أو زمان أو مكان إلا وعلى ذلك دليل من الشرع ، فلا يجوز ادعاء البركة فيما لم يرد الدليل به ، فمن طلب البركة مما لم يرد به الدليل فلا يخلو :- إما أن يعتقد أن الله تعالى هو واضع البركة ، ولكنه ظن أن هذا الشيء مما يتبرك به فهذا أقل أحواله أن يكون شركا أصغر ، لأنه اعتقد سببا ما ليس بسبب لا شرعا ولا قدرا ، ولأنه ذريعة للشرك الأكبر والمتقرر أن كل ما كان ذريعة للشرك الأكبر فهو محرم ، وقد اهتم أهل السنة رحمهم الله تعالى بهذا الباب اهتماما كبيرا ، فقرروا فيه القواعد المستقاة من الكتاب والسنة ، فقالوا :- المتقرر أن الأصل في باب التبرك التوقيف على الأدلة ، وقالوا :- المتقرر أن الأصل في التبرك بالأعيان التوقيف على الأدلة ، وقالوا :- المتقرر أن الأصل في التبرك بالأزمنة التوقيف على الأدلة ، وقالوا :- المتقرر أن الأصل في التبرك بالأمكنة التوقيف على الأدلة، وقالوا :- كل شيء ثبت جواز التبرك به ، فإنه لا يجوز أن يتجاوز به حدود التبرك المشروع فيه، وقالوا :- إن وضع البركة في الشيء من صفات الله تعالى الفعلية ، فواضع البركة هو الله تعالى ، ولا يقدر أحد أن يضع البركة لا في عين ولا في زمن ولا في مكان ، بل هو من فعل الرب جل وعلا ، فقرروا هذه القواعد والأصول لسد ذريعة الشرك ، فسد باب التبرك الممنوع أثر من آثار قاعدة ( سد الذرائع) ولذلك منع أهل السنة رحمهم الله تعالى التبرك بالأموات والصالحين ، وبتراب القبور وبالسياج الموضوع عليها ، أيا كان صاحب القبر علما ودينا وتقى ، فلا يجوز التبرك بأي شيء ، إلا بما ثبت الدليل بجواز التبرك به هذا لمن أراد السلامة في دينه ، وإلا فإن من تبرك بشيء لا دليل عليه فلا يخلو :- إما أن يتعقد أنه هو واضع البركة الذي بيده النفع والضر ، فهذا من الشرك الأكبر المخرج عن الملة بالكلية ، وإما أن يكون يعتقد أن البركة من الله تعالى وأن الله تعالى هو واضع البركة ولكنه ظن أن هذا الشيء فيه بركة ، فهذا من الشرك الأصغر ، فانتبه لهذا بارك الله فيك ، فإننا لا نريد أن تعتقد إلا ما دل عليه كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وسار عليه سلفنا الصالح ، لأننا نرجو لك الصلاح والهدى والتوفيق لكل خير ، ومما قرره أهل السنة رحمهم الله تعالى في هذا الباب ضرورة التفريق بين البركة الذاتية المنتقلة ، والبركة المعنوية اللازمة ، وقالوا :- إن البركة العينية لا تكون إلا في ذات النبي صلى الله عليه وسلم ، فذاته صلى الله عليه وسلم ذات مباركة ، ولذلك فقد ثبت في الأحاديث أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبركون بعرقه وثيابه ووضوئه وبقية شرابه صلى الله عليه وسلم ، لأن ذاته صلى الله عليه وسلم ذات مباركة ، وبركتها تنتقل لما لامسها ، وهذا باتفاق أهل السنة رحمهم الله تعالى ، بل ويجوز على قول أهل السنة رحمهم الله تعالى التبرك بآثاره ولو بعد مماته صلى الله عليه وسلم ، ولكن اتفق أهل العلم رحمهم الله تعالى على أن آثاره كلها قد فقدت فلم يبق منها شيء ، وأما ما يذاع هنا وهناك من أن من أثر النبي صلى الله عليه وسلم فهو كذب وافتراء يراد به ابتزاز أموال الناس وإفساد عقيدتهم ، واتفق عامة أهل السنة رحمهم الله تعالى على أنه ليس في الأمة من بركته بركة ذاتية منتقلة غيره صلى الله عليه وسلم ، فليس شيء من أجزاء الأرض بركته بركة ذاتية منتقلة ، ولم يبق في الأمة إلا ما بركته بركة معنوية لازمة ، أي أنها لا تنتقل عن محلها ، كبركة رمضان ، وعاشوراء ، وعشر ذي الحجة ، وغيرها مما ثبتت فيه البركة من الأزمنة وكبركة المسجد الحرام ومسجد المدينة ، ومسجد بيت المقدس ، وماء زمزم ، وبركة القرآن ونحوها مما ثبتت فيه البركة بالدليل الصحيح الصريح ، فبركة هذه الأشياء إنما هي بركة معنوية لازمة ، لا ذاتية منتقلة ، وقد أوجب الخلط بين نوعي البركة فسادا كبيرا في الاعتقاد ، وبدعا كثيرة لا عد لها ولا حصر ، فالواجب على أهل العلم أن يبينوا للناس الفرق بين هذين النوعين ، ولعلنا نفرد فيها رسالة خاصة إن شاء الله تعالى ، والمهم هنا أن تعلم أن الأصل في باب التبرك بالأعيان والأزمنة والأمكنة التوقيف على الأدلة ، وما قرر أهل العلم رحمهم الله تعالى ذلك إلا ليسدوا باب البدع والإحداث ، وباب الشرك والوثنية ، فسد هذا الباب من أهم المهمات ، وهو الذي تفيده قاعدة (سد الذرائع) فانظر كيف بركة هذه القاعدة ، وانظر كيف حرص الشريعة على تقريرها ، واطلع كيف اهتم أهل العلم رحمهم الله تعالى على بيانها البيان الكامل ، والله يتولانا وإياك .
{ فصل }
ومن الأمور المهمة التي قررتها الشريعة تفريعا على هذه القاعدة الطيبة( سد باب الأقوال التي قد توهم أو تفضي إلى مشاركة الرب جل وعلا فيما هو من خصائصه ) وعلى ذلك أمثلة :-
فمنها :- سد باب التسمي بملك الأملاك ، وقاضي القضاة ، ونحوها من الأسماء التي تضفي على العبد الفقير العاجز الضعيف أوصافا لا تتناسب مع عبوديته لله تعالى ، قال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( أَخْنَى الأَسْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ )) وقال رحمه الله تعالى *َقَالَ سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَخْنَعُ الأَسْمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ (( رَجُلٌ تَسَمَّى بِمَلِكِ الأَمْلاَكِ )) قَالَ سُفْيَانُ يَقُولُ غَيْرُهُ تَفْسِيرُهُ شَاهَانْ شَاهْ .... وقال مسلم في صحيحه:- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لأَحْمَدَ - قَالَ الأَشْعَثِىُّ أَخْبَرَنَا وَقَالَ الآخَرَانِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ (( إِنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ )) زَادَ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ في رِوَايَتِهِ (( لاَ مَالِكَ إِلاَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ )) قَالَ الأَشْعَثِىُّ قَالَ سُفْيَانُ مِثْلُ شَاهَانْ شَاهْ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ سَأَلْتُ أَبَا عَمْرٍو عَنْ أَخْنَعَ فَقَالَ أَوْضَعَ .... وقال رحمه الله تعالى :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ وَأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ لاَ مَلِكَ إِلاَّ اللَّهُ )) وللطبراني (( اِشْتَدَّ غَضَب اللَّه عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَلِك الْأَمْلَاك )) فهذه السماء وأمثالها لا تجوز ، لأنها توهم المشاركة مع الرب تعالى فيما هو من خصائصه جل وعلا ، ولأنها عبء على العبد الحقير فملك الأملاك هو الله تعالى ، وللحافظ ابن حجر في الفتح كلام جيد حول شرح هذا الحديث فارجع إليه إن شئت .
ومن هذه الأقوال أيضا:- تغيير النبي صلى الله عليه وسلم لاسم ( الحكم ) لما روقب فيه معنى الصفة ، وذلك فيما رواه النسائي رحمه الله تعالى في سننه قال :- أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَهُوَ ابْنُ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ { عَنْ أَبِيهِ } عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِيهِ هَانِئٍ أَنَّهُ لَمَّا وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَهُ وَهُمْ يَكْنُونَ هَانِئًا أَبَا الْحَكَمِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ (( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ )) فَقَالَ إِنَّ قومي إِذَا اخْتَلَفُوا في شيء أتوني فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فرضي كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ قَالَ (( مَا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا فَمَا لَكَ مِنَ الْوُلْدِ )) قَالَ لي شُرَيْحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَمُسْلِمٌ, قَالَ (( فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ )) قَالَ شُرَيْحٌ, قَالَ (( فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ )) فَدَعَا لَهُ وَلِوَلَدِهِ . فانظر كيف غير النبي صلى الله عليه وسلم كنيته لما روقب فيها معنى الصفة ، سدا لذريعة توهم أنه ممن يجب الحكم بقوله مطلقا ، وذلك هو الله تعالى ، فهو الحكم العدل ، جل وعلا ولذلك اشترط أهل السنة رحمهم الله تعالى في التسمي بشيء من أسماء الله تعالى أن لا يكون من الأسماء الخاصة به جل وعلا ، وأن يكون مجردا عن ( أل ) وأن لا يراقب فيه معنى الصفة ، وكل هذا لسد ذريعة المشابهة بالله تعالى.
ومن ذلك أيضا :- قول ما شاء الله وشئت ، وهذا مما لا يجوز ، قال النسائي رحمه الله تعالى في سننه :- أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ قُتَيْلَةَ - امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ - أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنَّكُمْ تُنَدِّدُونَ وَإِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ تَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ وَتَقُولُونَ وَالْكَعْبَةِ فَأَمَرَهُمُ النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا (( وَرَبِّ الْكَعْبَةِ )) وَيَقُولُونَ (( مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتَ )) فلا يجوز أن يقرن مع الله تعالى غيره في المشيئة بـ ( واو ) العطف ، لأنها تفيد في اللغة مطلق الجمع وهذا لسد ذريعة مساواة غير الله تعالى بالله تعالى فيما هو من خصائصه ، وهذا كله لحماية جناب التوحيد ، ولسد أبواب الشرك والتنديد .
ومن ذلك أيضا:- ما نص عليه أهل العلم رحمهم الله تعالى من منعهم لقول ( لولا الله وفلان ) وقول ( لولا كليبة فلا لأتانا اللصوص ) وقول ( لولا البط في الدار لأتانا اللصوص ) ونحو هذه الأقوال التي فيها الجمع بين الله تعالى وغيره بواو الجمع ، كل ذلك مما لا يجوز لسد ذريعة الشرك والتنديد ، وهو كثير في كلام الناس ، ولكن يجب بيان هذه المسائل لهم ليحذروا منها ، والمخرج من ذلك أن تقول ( لولا الله ثم فلان ) أو لا تجعل فيها فلانا أصلا ، فتقول ( لولا الله وحده ) وتقول ( ما شاء الله وحده ) أو تقول ( ما شاء الله ثم شئت ) فهذا الباب قد سدته الأدلة ، وما ذلك إلا لسد الذرائع الموصلة إلى الوقوع في الشرك ، والله يتولانا وإياك
{ فصل }
ومن الأمور المهمة التي قررتها الشريعة تفريعا على هذه القاعدة الطيبة( سد باب الأقوال التي قد توهم أو تفضي إلى مشاركة الرب جل وعلا فيما هو من خصائصه ) وعلى ذلك أمثلة :-
فمنها :- سد باب التسمي بملك الأملاك ، وقاضي القضاة ، ونحوها من الأسماء التي تضفي على العبد الفقير العاجز الضعيف أوصافا لا تتناسب مع عبوديته لله تعالى ، قال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( أَخْنَى الأَسْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ )) وقال رحمه الله تعالى *َقَالَ سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَخْنَعُ الأَسْمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ (( رَجُلٌ تَسَمَّى بِمَلِكِ الأَمْلاَكِ )) قَالَ سُفْيَانُ يَقُولُ غَيْرُهُ تَفْسِيرُهُ شَاهَانْ شَاهْ .... وقال مسلم في صحيحه:- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لأَحْمَدَ - قَالَ الأَشْعَثِىُّ أَخْبَرَنَا وَقَالَ الآخَرَانِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ (( إِنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ )) زَادَ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ في رِوَايَتِهِ (( لاَ مَالِكَ إِلاَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ )) قَالَ الأَشْعَثِىُّ قَالَ سُفْيَانُ مِثْلُ شَاهَانْ شَاهْ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ سَأَلْتُ أَبَا عَمْرٍو عَنْ أَخْنَعَ فَقَالَ أَوْضَعَ .... وقال رحمه الله تعالى :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (( أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ وَأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ لاَ مَلِكَ إِلاَّ اللَّهُ )) وللطبراني (( اِشْتَدَّ غَضَب اللَّه عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَلِك الْأَمْلَاك )) فهذه السماء وأمثالها لا تجوز ، لأنها توهم المشاركة مع الرب تعالى فيما هو من خصائصه جل وعلا ، ولأنها عبء على العبد الحقير فملك الأملاك هو الله تعالى ، وللحافظ ابن حجر في الفتح كلام جيد حول شرح هذا الحديث فارجع إليه إن شئت .
ومن هذه الأقوال أيضا:- تغيير النبي صلى الله عليه وسلم لاسم ( الحكم ) لما روقب فيه معنى الصفة ، وذلك فيما رواه النسائي رحمه الله تعالى في سننه قال :- أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَهُوَ ابْنُ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ { عَنْ أَبِيهِ } عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِيهِ هَانِئٍ أَنَّهُ لَمَّا وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَهُ وَهُمْ يَكْنُونَ هَانِئًا أَبَا الْحَكَمِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ (( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ )) فَقَالَ إِنَّ قومي إِذَا اخْتَلَفُوا في شيء أتوني فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فرضي كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ قَالَ (( مَا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا فَمَا لَكَ مِنَ الْوُلْدِ )) قَالَ لي شُرَيْحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَمُسْلِمٌ, قَالَ (( فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ )) قَالَ شُرَيْحٌ, قَالَ (( فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ )) فَدَعَا لَهُ وَلِوَلَدِهِ . فانظر كيف غير النبي صلى الله عليه وسلم كنيته لما روقب فيها معنى الصفة ، سدا لذريعة توهم أنه ممن يجب الحكم بقوله مطلقا ، وذلك هو الله تعالى ، فهو الحكم العدل ، جل وعلا ولذلك اشترط أهل السنة رحمهم الله تعالى في التسمي بشيء من أسماء الله تعالى أن لا يكون من الأسماء الخاصة به جل وعلا ، وأن يكون مجردا عن ( أل ) وأن لا يراقب فيه معنى الصفة ، وكل هذا لسد ذريعة المشابهة بالله تعالى.
ومن ذلك أيضا :- قول ما شاء الله وشئت ، وهذا مما لا يجوز ، قال النسائي رحمه الله تعالى في سننه :- أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ قُتَيْلَةَ - امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ - أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنَّكُمْ تُنَدِّدُونَ وَإِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ تَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ وَتَقُولُونَ وَالْكَعْبَةِ فَأَمَرَهُمُ النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا (( وَرَبِّ الْكَعْبَةِ )) وَيَقُولُونَ (( مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتَ )) فلا يجوز أن يقرن مع الله تعالى غيره في المشيئة بـ ( واو ) العطف ، لأنها تفيد في اللغة مطلق الجمع وهذا لسد ذريعة مساواة غير الله تعالى بالله تعالى فيما هو من خصائصه ، وهذا كله لحماية جناب التوحيد ، ولسد أبواب الشرك والتنديد .
ومن ذلك أيضا:- ما نص عليه أهل العلم رحمهم الله تعالى من منعهم لقول ( لولا الله وفلان ) وقول ( لولا كليبة فلا لأتانا اللصوص ) وقول ( لولا البط في الدار لأتانا اللصوص ) ونحو هذه الأقوال التي فيها الجمع بين الله تعالى وغيره بواو الجمع ، كل ذلك مما لا يجوز لسد ذريعة الشرك والتنديد ، وهو كثير في كلام الناس ، ولكن يجب بيان هذه المسائل لهم ليحذروا منها ، والمخرج من ذلك أن تقول ( لولا الله ثم فلان ) أو لا تجعل فيها فلانا أصلا ، فتقول ( لولا الله وحده ) وتقول ( ما شاء الله وحده ) أو تقول ( ما شاء الله ثم شئت ) فهذا الباب قد سدته الأدلة ، وما ذلك إلا لسد الذرائع الموصلة إلى الوقوع في الشرك ، والله يتولانا وإياك