نور القمر
06-16-2021, 04:52 PM
خمس وعشرون موعظة
من كتاب "رؤوس القوارير" لابن الجوزي رحمه الله
١- مراكبُ الوَجْد واقفةٌ تنتظر أنفاس الصُّعداء، فإذا هبَّت، ألقتها إلى بلدِ الوَصْل.
٢- قال ابن الجوزي:
سأل سائل: مِن أين دخلَت هذه الغفلة؟!
فقلت: من باب المخالفة، فإذا رأتِ اليقظة تمكُّنًا أعرضَتْ.
٣- الظالم في خفارة[1] معاصي المظلوم، كما أن مانعَ الصدقة في خفارة كذبِ السائل.
٤- إلى متى هذا الجور والشَّطط؟
إلى كم هذا التَّهافت والغلط؟
لقد كتَبَ الموتُ سُطُورَ التَّخْوِيفِ وَنَقَط، فَما قرَأْتَ الحروفَ ولا فَهِمْتَ النُّقَط!
٥- قال ابن الجوزي:
قرئ بين يدي: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ﴾ [القمر: 54].
فقلت: مسكنٌ طيب، ففي أيِّ المَحالِّ هو؟
قيل: ﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ ﴾ [القمر: 55].
قلتُ: مَن الجارُ؟
قيل: ﴿ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 55].
قلت: الآن تمَّت الأماني.
٦- يا خَاطِبَ الدُّنيا، إنها لا ترضَى بِمَهْرٍ سوي دينِك، فَإن أمْهَرْتَها دينَك؛ نَقَلَت إليكَ في جهازِها: الحِرصَ وَالطَّمَعَ.
٧- قال ابن الجوزي:
سُئلت: ما بالُ الكبير يعلمُ قُرْبَ الرحيل وأملُه طويل؟!
فقلت: لو كُشف الغطاء عن العواقب، مات الحرصُ والأملُ، ولهما أجل.
٨- قال ابن الجوزي:
قال قائل: إني لأقنع بالبُلْغة[2]، وفي باطني شَرهٌ.
فقلتُ: لو قنعْتَ ما رَهَنْتَ دارَ القلب على شهوة، وسلَّمت كتب الأصل.
٩- الهوى محنة؛ إن مُدَّ فنزلةٌ، وإن قُصِرَ فنزول[3].
١٠- ما نفشَتْ غنمُ العيون النَّواظر في زروع الوجوه النَّواضر، إلا وأُغير على السَّرحِ.
١١- إخواني، إطلاقُ البصرِ سببُ حبسِ القلب.
١٢- يا مُظْهِرًا من الخُشُوع ما ليس في باطِنه، لا تَبِعْ ما ليس عندك.
١٣- كم أعرضْتَ عن قبول النصيح، وما يخطر على قلبك نزولُ الضَّريح، والوعيد عندك صوتُ الريح، أعظمَ الله أجرَك في عمر قد مضى، ما رُزقْتَ فيه العفو ولا الرِّضا، انقضت فيه اللذَّاتُ كما انقضى، وصارت الحسرات من الشَّهوات عِوَضًا.
١٤- أيُّها المذنب، قِف بالباب إذْ نامَ الناسُ، وابسُط لسانَ الاعتذار ونكِّس الرَّاس، وامْدُد يَدَ السُّؤالِ ولا باس، وقُلْ: ليس عندي سوى الفقر والإفلاس.
١٥- ما هذه الغفلة وأنتم مستبصرون؟
ما هذه الرقدة وأنتم مستيقظون؟
كيف نسيتُم الزاد وأنتم راحلون؟
أين مَن كان قبلكم ألا تتفكرون؟
أما رأيتم كيف نازلهم نازل المنون، ﴿ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [يس: 50].
١٦- رحم الله عبدًا أعتقَ نفسه من رِقِّ شهواتها، ونظرَ لها قبل مماتِها، وأخذ من جدَّته عتادًا لفقره، وادَّخر مِن صحته زادًا لقبره، قبل أن يفوت زمان الاستدراك، بوقوع الهلاك.
١٧- يا خجل المقصرين، ويا أسف المذنبين، ويا حسرة المفرِّطين، ويا سوء منقلب الظالِمين!
١٨- يا مَن قد بقي من عمره القليل، ولا يدري متى يقع الرحيلُ، كأنك بطرفِك حين الموت يسيل، والروح تنزع والكرب ثقيل، والنقلة قد أزِفت وأين المقيل؟!
١٩- يا من تُعَدُّ عليه أنفاسُه: استدرِكْها، يا مَن ستفوت أيامه: أدرِكها، أعزُّ الخلق عليك نفْسُك فلا تُهلِكها.
٢٠- تنبَّه أيها الشاب لاغتنام العمل، تيقَّظ أيها الكهل قبل خيبة الأمل، بادِرْ أيها الشيخ، فكأن قد قيل: رحل، كأنك بالمرض قد ألقاك صريعًا، وبالندم قد أبقاك بخيعًا، وبالأسف قد ضربك ضربًا وجيعًا، وبملَك الموت قد أقبل إليك سريعًا.
٢١- أزف الرحيل وما حصل الزاد، وقرب التحويل وكلما جاء الزلل زاد.
٢٢- إخواني، كيف يغتر مَن تعد أنفاسه؟! وكيف يقَرُّ مَن قد قرب اختلاسه؟!
٢٣- رحِم الله عبدًا علم أن الدنيا دار غرور، ففارق ما رافق فيها من الشرور، واختار حَزْنَ[4] الحُزنِ على سهل السرور، ولاحَظَ قرب الآخرة فصاحبُ الصُّور قد التقم الصور.
٢٤- يا مَن حركاته للدنيا قوية، وللآخرة أبطؤها، كيف يعجبك دنيا يمر هناؤها، كل عين تلمحها محبة تفقؤها، يا ويح نفس في الذنوب منشؤها، والمختار عندها من الأمور أردؤها، تعصي ليلًا ونهارًا وتنسى مَن يكلؤها.
٢٥- يا لِرحيلك ما أعجله! يا لِسفرك ما أطوله! يا لِطريقك ما أهوله! يا لعقلك خيرٌ منه البَله!
[1] إجارة وحِمَى، ومعنى العبارة كما قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: (اقتضت حكمة الله العزيز الحكيم أن يأكل الظالمُ الباغي، ويتمتع في خفارة ذنوب المظلوم المبغي عليه؛ فذنوبه من أعظم أسباب الرحمة في حق ظالمه، كما أن المسؤول إذا رد السائل فهو في خفارة كذبه، ولو صدق السائل لما أفلح من رده، وكذلك السارق وقاطع الطريق في خفارة منع أصحاب الأموال حقوق الله فيها، ولو أدوا ما لله عليهم فيها، لحفِظها الله عليهم).
[2] أي القليل الذي يكفي، أو ما يكفي لسد الحاجة ولا يفضل عنها.
[3] وقد شرح لي هذه الجملة، د. عبدالحكيم الأنيس حفظه الله، فقال: إنْ مُدَّ يصبح هواءً، والهواء يسبب المرض (نزلة برد)، وإن قُصِرَ فهو الهوى الذي ينزل بالإنسان عن مراتب الكمال.
[4] صعب.
من كتاب "رؤوس القوارير" لابن الجوزي رحمه الله
١- مراكبُ الوَجْد واقفةٌ تنتظر أنفاس الصُّعداء، فإذا هبَّت، ألقتها إلى بلدِ الوَصْل.
٢- قال ابن الجوزي:
سأل سائل: مِن أين دخلَت هذه الغفلة؟!
فقلت: من باب المخالفة، فإذا رأتِ اليقظة تمكُّنًا أعرضَتْ.
٣- الظالم في خفارة[1] معاصي المظلوم، كما أن مانعَ الصدقة في خفارة كذبِ السائل.
٤- إلى متى هذا الجور والشَّطط؟
إلى كم هذا التَّهافت والغلط؟
لقد كتَبَ الموتُ سُطُورَ التَّخْوِيفِ وَنَقَط، فَما قرَأْتَ الحروفَ ولا فَهِمْتَ النُّقَط!
٥- قال ابن الجوزي:
قرئ بين يدي: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ﴾ [القمر: 54].
فقلت: مسكنٌ طيب، ففي أيِّ المَحالِّ هو؟
قيل: ﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ ﴾ [القمر: 55].
قلتُ: مَن الجارُ؟
قيل: ﴿ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 55].
قلت: الآن تمَّت الأماني.
٦- يا خَاطِبَ الدُّنيا، إنها لا ترضَى بِمَهْرٍ سوي دينِك، فَإن أمْهَرْتَها دينَك؛ نَقَلَت إليكَ في جهازِها: الحِرصَ وَالطَّمَعَ.
٧- قال ابن الجوزي:
سُئلت: ما بالُ الكبير يعلمُ قُرْبَ الرحيل وأملُه طويل؟!
فقلت: لو كُشف الغطاء عن العواقب، مات الحرصُ والأملُ، ولهما أجل.
٨- قال ابن الجوزي:
قال قائل: إني لأقنع بالبُلْغة[2]، وفي باطني شَرهٌ.
فقلتُ: لو قنعْتَ ما رَهَنْتَ دارَ القلب على شهوة، وسلَّمت كتب الأصل.
٩- الهوى محنة؛ إن مُدَّ فنزلةٌ، وإن قُصِرَ فنزول[3].
١٠- ما نفشَتْ غنمُ العيون النَّواظر في زروع الوجوه النَّواضر، إلا وأُغير على السَّرحِ.
١١- إخواني، إطلاقُ البصرِ سببُ حبسِ القلب.
١٢- يا مُظْهِرًا من الخُشُوع ما ليس في باطِنه، لا تَبِعْ ما ليس عندك.
١٣- كم أعرضْتَ عن قبول النصيح، وما يخطر على قلبك نزولُ الضَّريح، والوعيد عندك صوتُ الريح، أعظمَ الله أجرَك في عمر قد مضى، ما رُزقْتَ فيه العفو ولا الرِّضا، انقضت فيه اللذَّاتُ كما انقضى، وصارت الحسرات من الشَّهوات عِوَضًا.
١٤- أيُّها المذنب، قِف بالباب إذْ نامَ الناسُ، وابسُط لسانَ الاعتذار ونكِّس الرَّاس، وامْدُد يَدَ السُّؤالِ ولا باس، وقُلْ: ليس عندي سوى الفقر والإفلاس.
١٥- ما هذه الغفلة وأنتم مستبصرون؟
ما هذه الرقدة وأنتم مستيقظون؟
كيف نسيتُم الزاد وأنتم راحلون؟
أين مَن كان قبلكم ألا تتفكرون؟
أما رأيتم كيف نازلهم نازل المنون، ﴿ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [يس: 50].
١٦- رحم الله عبدًا أعتقَ نفسه من رِقِّ شهواتها، ونظرَ لها قبل مماتِها، وأخذ من جدَّته عتادًا لفقره، وادَّخر مِن صحته زادًا لقبره، قبل أن يفوت زمان الاستدراك، بوقوع الهلاك.
١٧- يا خجل المقصرين، ويا أسف المذنبين، ويا حسرة المفرِّطين، ويا سوء منقلب الظالِمين!
١٨- يا مَن قد بقي من عمره القليل، ولا يدري متى يقع الرحيلُ، كأنك بطرفِك حين الموت يسيل، والروح تنزع والكرب ثقيل، والنقلة قد أزِفت وأين المقيل؟!
١٩- يا من تُعَدُّ عليه أنفاسُه: استدرِكْها، يا مَن ستفوت أيامه: أدرِكها، أعزُّ الخلق عليك نفْسُك فلا تُهلِكها.
٢٠- تنبَّه أيها الشاب لاغتنام العمل، تيقَّظ أيها الكهل قبل خيبة الأمل، بادِرْ أيها الشيخ، فكأن قد قيل: رحل، كأنك بالمرض قد ألقاك صريعًا، وبالندم قد أبقاك بخيعًا، وبالأسف قد ضربك ضربًا وجيعًا، وبملَك الموت قد أقبل إليك سريعًا.
٢١- أزف الرحيل وما حصل الزاد، وقرب التحويل وكلما جاء الزلل زاد.
٢٢- إخواني، كيف يغتر مَن تعد أنفاسه؟! وكيف يقَرُّ مَن قد قرب اختلاسه؟!
٢٣- رحِم الله عبدًا علم أن الدنيا دار غرور، ففارق ما رافق فيها من الشرور، واختار حَزْنَ[4] الحُزنِ على سهل السرور، ولاحَظَ قرب الآخرة فصاحبُ الصُّور قد التقم الصور.
٢٤- يا مَن حركاته للدنيا قوية، وللآخرة أبطؤها، كيف يعجبك دنيا يمر هناؤها، كل عين تلمحها محبة تفقؤها، يا ويح نفس في الذنوب منشؤها، والمختار عندها من الأمور أردؤها، تعصي ليلًا ونهارًا وتنسى مَن يكلؤها.
٢٥- يا لِرحيلك ما أعجله! يا لِسفرك ما أطوله! يا لِطريقك ما أهوله! يا لعقلك خيرٌ منه البَله!
[1] إجارة وحِمَى، ومعنى العبارة كما قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: (اقتضت حكمة الله العزيز الحكيم أن يأكل الظالمُ الباغي، ويتمتع في خفارة ذنوب المظلوم المبغي عليه؛ فذنوبه من أعظم أسباب الرحمة في حق ظالمه، كما أن المسؤول إذا رد السائل فهو في خفارة كذبه، ولو صدق السائل لما أفلح من رده، وكذلك السارق وقاطع الطريق في خفارة منع أصحاب الأموال حقوق الله فيها، ولو أدوا ما لله عليهم فيها، لحفِظها الله عليهم).
[2] أي القليل الذي يكفي، أو ما يكفي لسد الحاجة ولا يفضل عنها.
[3] وقد شرح لي هذه الجملة، د. عبدالحكيم الأنيس حفظه الله، فقال: إنْ مُدَّ يصبح هواءً، والهواء يسبب المرض (نزلة برد)، وإن قُصِرَ فهو الهوى الذي ينزل بالإنسان عن مراتب الكمال.
[4] صعب.