تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : من أبجدية السعادة الزوجية


رحيل
06-01-2021, 01:11 PM
من أبجدية السعادة الزوجية

"أخلص نيتك"


محمد عزت السعيد



في سلسلة ماتعة من المقالات كتب الأستاذ : محمد عزت مصطفى
حرف الألف
"أخلص نيتك"
لا شك أن من أهم أسباب السعادة تحديد الهدف والغاية، فإن من لا غاية له ولا هدف كحاطب بليل؛ لا يدري ماذا يجمع، ولا إلى أين يتوجه، وهو كذلك يعيش في التيه، ويحلم بالأوهام، ويرى السراب ماءً، قال الله تعالى:" {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } " [النور:39]
ولذا فقد وردت العديد من الآيات والأحاديث النبوية تؤسس لإخلاص النية وتوجيه المقصد في كل الأعمال إلى الله – جل في علاه-وقد جاء في سورة البينة قول الله – تعالى-: " {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} " [البينة:5] وفي الحديث الشريف عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله –تعالى- عليه وعلى آله وسلم- يقول: " «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» ." [متفق عليه]
ولذا فاحرص على أن تجدد نيتك لله –تعالى-ليس قبل أن تشرع في الزواج بل حتى وأنت تبحث عن الزوجة في بداية مشوارك الأسري، وثمة نقاط أسوقها إليك أذكرك بها هي – في الواقع -مفاتيح تجلب لك السعادة والسكينة في بيتك ومع زوجتك، وتسهم في تحقيق السكينة والسكن فيما بينكما....

أخلص نيتك في بحثك عن زوجة تعفك وتعفها، سدًا لمنافذ الشيطان وتزيينه الشر أمامك، وعدم الوقوع على الجيف والقاذورات بإطفاء الغريزة الجنسية بما لا يحل الله – سبحانه وتعالى-وفيما لا يرضى، وكم من أناس أبوا أن يعفوا أنفسهم بالحلال، فانزلقوا في مهاوي الردى والشهوات، فباؤوا بخسران مبين.
أخلص نيتك في تعليمها وتأديبها فيكون لك أجر الدعوة إلى الله، ولا ريب أن أساس المجتمع الصالح هو الأسرة الصالحة، ومن روافد المجتمع الرباني أن يقوم الرجل فيه بدور الأب والمربي لزوجته وأولاده، ولك أن تتخيل لو أن كل رجل أصلح نفسه وأهل بيته، كم من الأسر التي ستبني مجتمعًا صحيحًا سليمًا، إضافة إلى أن الرجل حينما يقوم بتعليم أهله وتأديبهم فقد جمع بين الخيرين: تعليم نفسه أولاً وتأديبها وإصلاحها؛ حيث لا يتصور أن يُعَلِّم غيره ولا علم لديه، ففاقد الشيء لا يعطيه، وثانيًا: حاز أجر التعليم والدعوة بما غرس في أهله من قيم وفضائل وآداب، له بها أجرها وأجر من عمل بها، وأسقط ما عليه من واجب في تبليغ دعوة الله – عز وجل – عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ب «لِّغوا عني ولو آية» " [رواه البخاري] .
أخلص نيتك في تعاملك معها بالحسنى، والخلق القويم، ولأنك ذو أصل وجب عليك أن تكون أخلاقك أخلاق الفرسان شهامة ورجولة، كن غيورًا عليها، احمها ... حافظ عليها من نظرات الآخرين وخلساتهم بحجاب شرعي ....
أخلص نيتك في تعاملك وتقرب إلى الله ببر أهلها وصلة ذوي رحمها، والصبر على هفواتها وأخطائها، والتغافل عن بعض ما تقوم بها حسبة لله تعالى.
أخلص نيتكفي إحصان نفسك بها، عَنْ أبي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «وَفِي بِضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ يَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: " أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلالِ كَانَ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ "» " [رواه مسلم] .
أخلص نيتكفي تبسمك في وجهها ومداعبتها والتلطف معها في القول والفعل بل وفي جماعها، وقد ذكرنا ذلك من قبل، ولقد كان أحدهم يقول: " والله إني لأكره نفسي على جماع زوجتي رغبة أن يرزقني الله منها بالولد الصالح"
وتجديد النية لله –تعالى-وإخلاصها له في الأعمال كلها يجلب الاستقرار النفسي والاتزان العاطفي والبركة والطمأنينة والسكينة والسكن والدفء والحميمية في العلاقة بينكما، قال الله تعالى-:" {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} " [الروم: 21] .
وإنك لتعجب كل العجب من زوج هو خارج بيته ضحوكًا بشوشًا بسامًا متفائلاً، يمازح هذا ويداعب ذاك، فإذا دخل إلى بيته ورأى زوجته كان حزينًا مقطبًا عبوسًا متشائمًا صامتًا لا يتكلم، متجهمًا يتطاير منه كل لفظ بذيء كأن بينه وبين صاحبته عدواة لا تنتهي وبغضاء لا تحد، ولله در الشاعر حين قال:

أسَـدٌ عَلَيَّ وَفي الحُروبِ نَعامَــةٌ رَبْداءُ تجفلُ مِن صَفيرِ الصافِرِ
بل كن من خير الناس، ولن تكون إلا إن كنت خيرًا لأهلك، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم-حين قال فيما روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها-قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» " [أخرجه الترمذي] .

رحيل
06-01-2021, 01:12 PM
بادر


محمد عزت السعيد




خلق الله -تعالى-آدم وجعل له زوجًا ليسكن إليه، وكانت إرادة إلهية في ذرية آدم إلى أن تقوم الساعة، قال الله -تعالى-:" {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } .... " الأعراف: 189، وقال – جل شأنه-: " { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } " الروم:21، ولعل ذلك هو المقصود الأعظم والغاية الكبرى، أن يحدث السكن، وتتأصل السكينة فتنتج بذلك المودة والرحمة بين الزوجين، الأمر الذي يستدعي التفكر في عظيم رحمة الله، وجميل تقديره.
وقد جعل الله سبحانه وتعالى لكل من الزوجين خصائص وقدرات: مادية ومعنوية، يختلفان فيها فيما بينهما، لكنه اختلاف تكامل لا تضاد، ففي الوقت الذي تكون فيه القوة البدنية من نصيب الرجل - تهيئة للمهام المنوطة به من السعي على الرزق والجد والاجتهاد في العمل وتوفير متطلبات الحياة له ولأسرته التي يتكفل برعايتها، وفي ذات الوقت لم يجعل ذلك من نصيب المرأة أو من خصائص تكوينها- هيأها- أعني المرأة- لمهمة أخرى، فجعل فيها من الرقة واللين، وملأها بالمشاعر التي من شأنها أن تكون مركزًا للاستقرار العاطفي والنفسي لأفراد الأسرة أجمعين، وعلى هذا في جميع الفروقات والاختلافات بين الرجل والمرأة.
ثم إن الله –تبارك وتعالى-جعل القوامة في يد الرجل بما مكنه وجعل له من خصائص تؤهله للقيام بدوره كرجل، قال الله تعالى: " {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} .... " النساء:34، وأوضح ربنا – سبحانه-العلة والغاية من إسناد تلك القوامة للرجل دون المرأة لما أودع فيه من خصائص بنيوية وغيرها، وبما يقوم به الرجل من رعاية لأسرته من نفقة ونحوها، وعليهما جرى التفضيل.
ولما كانت القوامة بيد الرجل فإن من أسباب السعادة ومفاتيحها أن تبادر إلى القيام بمهامك كرجل في رعايتك لأسرتك في شتى نواحي الحياة ومجالاتها، فإن أردت أن تحقق السعادة في بيتك وأن تفشي مظاهر البهجة والسرور، والحياة الهانئة فكن مبادرًا إلى كل خير لهم......
بادر.... بأن تقدم النصح لزوجتك من تعليم ونحوه، اجعل لكما جلسة أسبوعية تتناولان فيها آيات من القرآن الكريم، وقبسًا من نور النبوة، أو تقرآن كتابًا، أو تتصفحان شيئًا من مواقف السلف الصالح وسيرهم أو نحوًا ذلك.
بادر.... بأن تغمرها بحبك وحنانك، فالمرأة بطبيعتها تحب أن تسمع منك تغزلاً فيها، وإطراءً لها، وأن تبادلها الحب والمودة، ولقد ورد في السنة النبوية المطهر العديد والعديد من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجاته، لا سيما أم المؤمنين عائشة التي حازت النصيب الأوفى من حبه صلى الله عليه وسلم، فكن صاحب لسان عذب ومشاعر جياشة، أظهر حبك لك، ولا تمل من ذلك، فلكما قدمت الحب وجدت أضعاف ما قدمت.
بادر .... بما يدلل على حبك لها، فلا تكدر صفوها بذكرك لامرأة غيرها أو أن تحسن الكلام عنها، فالمرأة غيورة بطبعها، وقد ورد في السنة المطهرة عن أنس -رضي الله عنه- قال: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- عندَ بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصَحْفةٍ فيها طعامٌ، فضربت التي النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في بيتها يدَ الخادم، فسقطت الصَّحْفةُ، فانفَلَقَتْ، فجمع النبي -صلى الله عليه وسلم- فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: "غارت أمُّكم"، ثم حبس الخادمَ حتى أُتِي بصَحْفَةٍ من عند التي هو في بيتها، فدفع الصَّحْفَةَ الصحيحة إلى التي كُسرت صَحْفَتُها، وأمسَكَ المكسورة في بيت التي كسَرَتْ» . رواة البخاري
بادر .... بالسؤال عنها إن كنت خارج البيت، أو كنت مسافرًا، جرب أن ترسل لها رسائل على جوالك، أو تخط لها رسائل خاصة، أو فكر فيما يجدد الحب بينكما دومًا، ولا تستسلم لمرور الأيام أن تحث الجفوة بينكما، فالحب يبلى ويهرم، كما يهرم الإنسان، لكنه يتجدد كما يتجدد الدم في عروقه.
بادر .... بزيارة أهلها، وصلة رحمها، فأهلها هم أهلك، وإخوانها هو إخوانك، حسِّن علاقتك بهم، وكن بارًا بهم كما تبر إخوانك، فكلما فعلت ذلك – ابتغاء رضوان الله-نلت منها الرضى كله، وطابت نفسها لصنيعك، وبادلتك صلة بصلة، وودًا بود.
بادر .... بتقديم هدية لها وإن قلت قيمتها، فقدر الهدية في تذكرك لها، لا بغلو ثمنها وقيمتها المادية، وتحين وقت تقديمها لها، ولتغلف هديتك بالحب الخالص لها، وإياك أن يكون ذلك لمنفعة تريدها منها، أو تقدمة لغاية لك، بل اجعل ذلك إظهار لحبك لها، وتقديرًا لمكانتها في قلبك.
بادر .... بتحفيزها وتعزيز سلوكها، فالزوجة هي المحرك الأساس الذي يقوم عليه البيت كله، فإن مرضت مرض البيت كله، وإن حزنت أصاب البيت كله الهم والغم، ولذا فعليك أن تقدر دورها، وتستشعر عظيم أفعالها، فهي تعتني بك، وتقوم على رعاية أبنائك، تطعم الجائع، وتقم البيت، وتعتني به وبنظافته، تؤدب الولد وتهتم بدروسه، فشجعها وعزز أفعالها، واشكر لها صنيعها، فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله.
بادر .... إلى سد احتياجاتها من ملبس ومأكل ومشرب، فما كانت القوامة لك إلا "وبما أنفقوا من أمولهم ..." فلا تنظر أن تطلب منك طلبًا خاصًا بها، بل تفقد احتياجاتها، وقم على تأمينه في غير إسراف وتبذير أو شح وتقتير، فمن أفضل النفقة النفقة على الأهل والعيال.
بادر .... بالدعاء لها بظاهر الغيب، بصلاحها وصلاح ذريتها، واجعل لها دعوة في كل صلاة لك، وعند خلوتك بربك، فأولى من يدعى له هم أهلك وذريتك، يتقبل الله منك، ويؤمن الملك على دعائك، وتزداد المحبة بينكما وتتنزل السكينة في بيتكم.
بادر .... بحفظ حقها وهيبتها أمام أبنائك، وإياك أن تنال منها أو تعاتبها على أمر صدر منها أمام أحد أبنائها أو أقاربك أو أقاربها، فلطالما انهدمت بيوت لتعامل بغير حكمة أو تصرف غير مدروس، احفظ مكانتها، ولا تسمح لأحد كائنًا من كان أن ينال منها بوجودك وحضرتك.

كن مبادرًا وإيجابيا مقدامًا، ولا تنتظر أن يأتي إليك الخير، واعلم أنه على قدر عطائك تكون ثمرته، وعلى قدر بذلك يكون نصيبك، وعلى قدر مبادراتك تنال من الحب والتقدير وتنعم بالاستقرار والسعادة في بيوت ملؤها الدفء والجنان والبهجة، وهذه من أبجديات السعادة الزوجية.

رحيل
06-01-2021, 01:12 PM
دربهم


محمد عزت السعيد


من أبجدية السعادة الزوجية – دربهم
تتغير أحوال الدنيا وظروفها، فلم تُخلق الحياة على لونٍ واحدٍ من النعيم ولا من الشقاء، بل شاء الله - سبحانه وتعالى- أن يتمايز الخلق في كل شيء: في اللون والشكل والمظهر، وفيما منَّ به الله من رزق في الولد أو المال أو الأهل أو غير ذلك من فضل الله – سبحانه وتعالى- « {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} » [هود:118 ] وقد ذكر ابن كثير في تفسيره: "يخبر تعالى أنه قادر على جعل الناس كلهم أمة واحدة ، من إيمان أو كفران كما قال تعالى: " {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعًا} " [يونس: 99 ] وقوله: " {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك} " أي : ولا يزال الخلف بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم. قال عكرمة: مختلفين(في الهدى) . وقال الحسن البصري، مختلفين في الرزق، يسخر بعضهم بعضًا، والمشهور الصحيح الأول. وقال تعالى: « {وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} » الزخرف:33
ومن وسائل التربية المفيدة، والأساليب الجيدة أن يتحمل أفراد الأسرة المسؤولية، وأن يتعود الأبناء على تحملها، فالأبناء الذين ينشؤون على الاعتماد على الذات وتحمل المسؤولية وتقاسم الأعباء يكبرون وقد اعتادوا ذلك، فلا يصطدمون بمشكلات الحياة وتعقيداتها، وإن حدث كانوا على التعامل معها أقدر، وعلى حلها أكثر قدرة.
ولذا فمن الضروري أن تدرب أبناءك وبناتك وأهل بيتك على تحمل المسؤولية، ففيها النفع الكثير لك ولهم، وفي تعويدهم على تحمل المسؤولية الكثير من المنافع ولعل منها أنها:


تكسبهم الثقة بالنفس وإمكاناتها، واحترام الذات وتقديرها.
تكسبهم التوقف والابتعاد عن الخوف والقلق من الفشل وانتقاد الاخرين وغير ذلك.
تكسبهم التمكن الجيد من إدارة الحياة، فالذي يتعود تحمل المسؤولية يستطيع أن يدير حياته بكل سهولة ويسر.
تكسبهم النجاح المحقق في أغلب شؤون الحياة وذلك من واقع التجربة والخبرة الميدانية.
وكثيرًا ما يتردد قول القائل: اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم، ولا مانع أن ترتب وتخطط لتعويد أبنائك على تحمل المسؤولية وتدريبهم عليها، لأننا – وللأسف الشديد – في كثير من الأحايين لا نهتم بذلك، فنتج جيل اتكالي يعتمد على الآخر، مدلل في الكثير من شؤون حياته، لا يستطيع أن يخدم نفسه، أو أن يكون عونًا لأهله وأسرته في أبسط الأمور، تعوَّد على الراحة والدعة، ولله در عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حينما قال: " إني لأكره أن أرى الرجل سَبَهلَلاً لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة " وما ورد عن بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: " إني لأمقت الرجل أراه فارغًا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة" ومن ثم تجد كم العاطلين بالألوف .... لا تجد لهم عملاً، ولا ترى لهم قيمة سوى أنهم غير ذي قيمة.
ولم يكن ذلك شأن أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا السلف الصالح ولا الكبار والقادة من هذه الأمة، فأسامة بن زيد قاد بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم – للروم وعمره ستة عشر عامًا، ومحمد بن القاسم الثقفي يقود جيوش المسلمين لفتح بلاد السند وعمره ثمانية عشر عامًا، وحفظ الشافعي القرآن وهو ابن سبع والموطأ وهو ابن عشر، وبدأ يفتي وهو دون العشرين، وغيرهم من كبار هذه الأمة.
والحق أنه كلما اعتمد الشاب على نفسه والفتاة على نفسها، كان ذلك أدعى إلى نجاح كل منهما، واستقرار الأسرة وسعادتها، فنجاح الأبناء والبنات -آباء وأمهات المستقبل- لا شك- نجاح الأسرة بأكملها، وفي سعادتهما سعادة للجميع.
وإن مما يعين على تربية الأبناء على تحمل المسؤولية مجموعة من الأمور أضعها بين يديك لعلها تكون سببًا في تربية جيل قادر على تحمل المسؤولية:


وضوح الغاية من خلق الإنسان في نفوس الأبناء، فالله لم يخلقنا عبثًا وإنما لغاية وعلة، قال الله تعالى: " {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} " المؤمنون: 115، وقال – سبحانه-: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " الذاريات: 56، جيد أن يكون ذلك الأساس الذي تبني عليه.
القدوة الحسنة لما تقوم به، فلابد أن يكون الزوج والزوجة مثالاً لتحمل المسؤولية والقيام بها، فلا يمكن أن ينشأ الأبناء على ما تريد وهم يرون الوالدين خلاف ما يوجهان به، أو يأمران بعمله، كن قدوة لأبنائك في القيام بواجبك نحوهم وفي تحمل المسؤولية.
جيد أن تتناول معهم النماذج الرائعة والمشرقة من تاريخ أمتنا وسلفها الصالح، حدثهم عن مالك والشافعي وأحمد، حدثهم عن عائشة ورفيدة وزينب وأم كلثوم، حدثهم عن معاذ بن جبل وزيد بن ثابت، ومحمد الفاتح وصلاح الدين وغيرهم من أبطال الأمة ورموزها، حدثهم وشجعهم على القراءة عنهم، لا شك أنهم يتخذونهم قدوة، وليكن شعارك وشعارهم قول الشاعر:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكــرام فلاح


الميدان العملي والتجربة أفضل ما يمكن أن يصقل المهارات فيهم، كلف أحد أبنائك بإدارة شؤون البيت ليوم واحد، حدد له الغاية والهدف، أعطه الإمكانات والصلاحيات كاملة، في نهاية اليوم اجلس مع أسرتك وقيم التجربة، وقدم له نجاحاته فيما قام به، وما يمكن أن يعالجه لاحقًا.
عزز سلوكه وشجعه، وقدِّر فيه روح الجدية والانضباط والمبادرة والحرص على النجاح، وإياك أن تحبطه أو ترسل له أية رسائل سلبية، فإن أكثر ما يؤدي إلى الفشل هو هذه الرسائل.
لا تيأس من إعادة المحاولة إن لم ينجح، وكرر ذلك معه مرات ومرات وبأشكال مختلفة.

لا تقصر ذلك على أبنائك وفقط، وليكن ذلك نهج تربيتك لأولادك، وليكن لبناتك من ذلك الحظ والنصيب، فهن أمهات المستقبل، لتتحمل البنت هي الأخرى المسؤولية، يمكن أن تكلفها والدتها بالمسؤولية عن إعداد وترتيب وتجهير استقبال ضيوفكم أو إدارة شؤون البيت أو غيرها من المهام.
إن الإنسان ينشأ على ما تربى عليه، وهو بالطبع انعكاس لما تكون عليه بيئته، وإن مما يحفظ من الأشعار قول أبي العلاء المعري:
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوّده أبوه
بهذه المعينات وغيرها يتعود أبناؤكم تحمل المسؤولية، وتنبت العديد من صفات الرجولة والقدرة والوعي بالمهام والتكليفات في أسرتك، وتسعد وتسعد أسرتك، قال -تعالى-:" {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} .... " الأعراف:58

رحيل
06-01-2021, 01:13 PM
ذَكَّرْهم بالله وبذِكره


محمد عزت السعيد



ذِكْرُ الله – سبحانه وتعالى – من أفضل القربات إليه، ومن أسهل الطاعات وأيسرها على المسلم، عن أبي الدرداء – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" «ألا أُنبِّئُكم بخيرِ أعمالِكم، وأزكاها عند مَليكِكم، وأرفعِها في درجاتِكم، وخيرٍ لكم من إنفاقِ الذَّهبِ والوَرِقِ، وخيرٍ لكم من أن تَلْقَوا عدوَّكم فتضرِبوا أعناقَهم، ويضرِبوا أعناقَكم؟ قالوا: بلى. قال: ذكرُ اللهِ» . (1)
هذا الحديث من أجمل ما يُذكر في هذا الباب، فقد فضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ذكر الله على العديد من أمهات الأعمال وعظائمها كالجهاد وإنفاق الأموال النفيسة من ذهب وفضة في سبيل الله، إضافة إلى ما فيها من جهد ومشقةٍ بدنيةٍ واضحةٍ كالجهاد أو نفسيةٍ واضحةٍ كالإنفاق.
ولكن ثمَّة بُعدٍ آخر في جميل ذكر الله وعظمة التعلق به، وهو في الحديث عن فضله وعظيم أثره ليس فقط على عظيم الأجر والثواب، بل آثار أخرى تغير من حياة المسلم الذاتية، وتنعكس - بطبيعة الحال- على أسرته وأهل بيته، والمتصفح لكتاب الله وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – يستطيع أن يخرج بالعديد من آثار ذكر الله- سبحانه وتعالى – على الفرد والأسرة والمجتمع، أذكر منها:


ذِكْرُ الله – تعالى - يحدث نوعًا من الاستقرار النفسي والاتزان الانفعالي بشكل كبير، يدل على ذلك قول الله – تعالى -: " {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} " الرعد:28 ولقد ذكر الطبري في تفسيره:" وقوله: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} ، يقول: ألا بذكر الله تسكن وتستأنس قلوبُ المؤمنين."
يجلب ذِكْرُ الله – سبحانه وتعالى- رضوان الله ومحبته، واصطحاب معيته -جل شأنه- قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يقول الله تعالى: « أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا وإن تقرب إليَّ ذراعًا تقربت إليه باعًا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» ".(2)
ذِكْرُ الله – تعالى- يجلب الطمأنينة والهدوء والسكينة، روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-:" « لا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إلا حَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ» ".(3)
في قراءة القرآن الكريم -وهو من أفضل أنواع ذِكْرِ الله- زوال للهمِّ والغمِّ، وتفريج للكرب والضيق، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: " «ما قال عبدٌ قطُّ إذا أصابه هَمٌّ وحَزَنٌ اللهمَّ إني عبدُك وابنُ عبدِك وابنُ أَمَتِك ناصيتي بيدِك ماضٍ فيَّ حكمُك عَدْلٌ فيَّ قضاؤُك أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك أو أنزلتَه في كتابِك أو علَّمتَه أحدًا مِنْ خلقِك أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك أنْ تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ صدري وجلاءَ حُزْني وذَهابَ هَمِّي إلا أذهب اللهُ عز وجل هَمَّه وأبدله مكانَ حُزْنِه فَرَحًا قالوا : يا رسولَ اللهِ ينبغي لنا أنْ نتعلَّمَ هؤلاء الكلماتِ قال : أجلْ ينبغي لمن سمعهنَّ أنْ يتعلَّمَهن» ." (4)
ذِكْرُ الله – تعالى- سببٌ في سعة الرزق وبركته، عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضِي اللَّه عنْهُما قَال: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ï·؛: “ «منْ لَزِم الاسْتِغْفَار، جَعَلَ اللَّه لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مخْرجًا، ومنْ كُلِّ هَمٍّ فَرجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ» " (5) رواه أبو داود.
فقط أردت ذكر بعض هذه الآثار لأنها- وبشكل مباشر – تبين تأثير ذكر الله – سبحانه وتعالى – على الأسرة المسلمة، فاستقرار النفس واتزانها، ومحافظتها على هدوئها الانفعالي بركونها إلى الله واصطحاب معيته، واللجوء والتضرع إليه والتودد إليه بذكره وكلامه، وحسن الظن واليقين به – سبحانه - ينعكس إيجابًا على النواحي المادية، فذكر الله – كما ورد- سبب في سعة الرزق والبركة فيه، والنعيم الوفير والهبة بالمال والولد، قال الله تعالى على لسان نبيه نوح عليه السلام: " {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} " [نوح:10-12]
ومن ثم فإن ذكر الله-تعالى- باب عظيم للخير، وهو من أهم أسباب السعادة والطمأنينة داخل البيت، يجلب الراحة والهناء، ويزيد المحبة الود، فعوِّد نفسك وزوجك وأولادك على التزام ذكر الله -سبحانه وتعالى-وليكن لكم ورد من الأذكار: المطلقة كانت أو المقيدة، والاهتمام بأذكار الأحوال واليوم والليلة، وكثرة الاستغفار، والاجتماع على ذلك للتعليم والتدريب، وإلزام النفس به، ولن يكون ذلك كله إلا من خلال الممارسات العملية والتطبيقات الفعلية، وأسرد لك بعض المعينات على ذلك:


كن أنت القدوة في التزام ذكر الله -سبحانه وتعالى- بقراءة وردك القرآني والأذكار المتنوعة حالاً ومقالاً.
اجتمع وأسرتك على ذكر الله -سبحانه وتعالى- فاقرؤا سورة الكهف سويًا مثلاً، أو خصصوا لكم جلسة قرآنية للقراءة وتعلم التجويد.
تدارسوا أحد كتب الأذكار، وكلف أولادك بحفظه تباعًا، في غير مشقة ولا عنت ولا إكثار فيملوا، ولكن بتدرج واستمرار، وخير الأعمال أدومها وإن قل.
تناول معهم فضل ذكر الله – سبحانه وتعالى- واستعرض معهم صورًا من فعل سلف الأمة في الحرص على مداومة ذكره.
ليكن لك ولهم ورد من الأذكار اليومية بين الحمد والتسبيح والتكبير والتهليل وغيره من ألوان الذكر.
اجعل لهم مسابقات وجوائز تشجعهم بها، وتحفزهم على التزامها والمداومة عليها.
ليكن الدعاء أحد الأذكار المعينة على ذلك، وليكن لك ولزوجك ورد يومي تدعوا فيه أن يعينكم الله على ذكره وأن يوفقكم إلى ذلك، ولطالما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم – يوصي معاذ بن جبل -رضي الله عنه – بقوله قال: " يا معاذُ أوصيك ألا تدَعَنَّ في دبُرِ كلِّ صلاةٍ أنْ تقولَ: « اللَّهمَّ أعِنِّي على ذِكرِك وشُكرِك وحُسنِ عبادتِك» " (6) وصلِّ اللهم وبارك على محمد وآله وصحبه

سنن الترمذي - رقم 3377
صحيح مسلم – رقم 2675
صحيح مسلم – رقم 2700
صحيح ابن حبان – رقم 972
سن أبي داود – رقم 1518
صحيح ابن حبان -رقم 2020

رحيل
06-01-2021, 01:13 PM
راقب


محمد عزت السعيد



من أبجدية السعادة الزوجية – راقب
المسؤولية تكليف وليست تشرف، والمسؤولية توجب المتابعة والعناية والاهتمام، والمراقبة لون من ألوان التربية، ودليل على تحمل المسؤولية، ولا تؤتي الشجرة ثمارها، ولا تدر التجارة ربحها، إلا إذا تفقدها صاحبها، وأولاها عناية ورعاية، أما من لا يرعَ غرسه، ولم يتفقد نبتته فلا شك أنه إما أن تكون خسارته جسيمة، أو أن تهلك وتزول.
ولا يمكن أن يترك الراعي اليقظ غنماته للذئب، ولا أن يتركهم إلى العراء في الليلة المطيرة الشاتية، بل يتفقد أحوالهم، ويتعهد شؤونهم، ويراقب حركاتهم وسكناتهم، ورب العزة يلفت انتباهنا إلى ذلك بقوله: " {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} " المؤمنون: 115 قال فيها ابن كثير في تفسيره: أي: أفظننتم أنكم مخلوقون عبثًا بلا قصد ولا إرادة منكم ولا حكمة لنا، "وأنكم إلينا لا ترجعون" أي : لا تعودون في الدار الآخرة ، كما قال: " يحسب الإنسان أن يترك سدى " القيامة : 36 ، يعني هملاً .
وكذلك الوالدان .... من أسس مسؤوليتهم متابعة أبنائهم ومراقبتهم، ورعاية شؤونهم وأحوالهم، وتفقد تصرفاتهم وأفعالهم، ولا يعني ذلك وقوفهم -أي محاسبتهم- على ما دقَّ منها أو صغر، وإنما هي لتقويم ما ساء من أخلاقهم، وتجويد ما حَسُن منها، ولا يكون ذلك إلا بدوام رصد أفعالهم والوقوف عليه، ولعل هذا من تعنيه كلمة المراقبة، ، والإشارة في ذلك إلى قول الله -تعالى-: " إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " النساء: 1 ويعني بقوله: "رقيبًا"(حفيظًا، مُحصيًا عليكم أعمالكم، متفقدًا رعايتكم حرمةَ أرحامكم وصلتكم إياها، وقطعكموها وتضييعكم حرمتها ....)
وأعني بالمراقبة هنا أمرين: الأول: تفقدهم ورعايتهم، والوقوف على أفعالهم وتصرفاتهم، وهذه أساس مهم من أسس التربية والرعاية، فالإنسان جُبِل على التفلُّت وعدم الانضباط، وهو في حاجة مستمرة إلى من يتابعه ويراقبه، فوجب على الوالدين مراقبة أبنائهم ومتابعتهم في عصر مليء بالتحديات والمغريات، وأبواب من الشر كثيرة، يسهل على من غشيته الغلفة أن يلجها ... والوصول إلى الحرام والانفلات الأخلاقي أصبح في هذا الزمان أيسر من غيره، والوسائل المفضية إليه كثيرة متنوعة، ومع ما في هذا الزمان من تقدم في مجالات شتى – إلا أن منظومة القيم أمست غير قادرة على ضبط السلوك والأخلاق، فما يتحدث عنه الخطيب في مسجده، وما يؤسس له المعلم في مدرسته، وما يغرس الأبوان في أبنائهما قد ينهار أمام صورة أو مقطع فيديو أو لعبة إلكترونية أو برنامج تليفزيوني ..... ولعل هذا ما عناه الشاعر بقوله:
متى يبلغُ البنيانُ يوماً تمامَهُ...... إذا كنتَ تبنيه وغيـرُكَ يَهدم
ولا يعني هذا التخــــــلي عن المسؤولية والأمانة، لا ... ولا التفريط فيها بل مزيدًا منها، فنبي الله سليمان- عليه السلام - لم يمنعه عظيم ملكه وحكمه، وجليل قدره ونبوته، لم يمنعه ذلك من تفقد أحد أفراد مملكته ومراقبة حضوره، قال تعالى: " {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} " [النمل:20] قال ابن كثير في تفسير الآية: (قال محمد بن إسحاق: كان سليمان عليه السلام إذا غدا إلى مجلسه الذي كان يجلس فيه تفقد الطير، وكان فيما يزعمون يأتيه نوب من كل صنف من الطير كل يوم طائر، فنظر فرأى من أصناف الطير كلها من حضره إلا الهدهد" فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين" أخطأه بصري من الطير أم غاب فلم يحضر؟ وقوله:" لأعذبنه عذابًا شديدًا" قال ابن عباس يعني نتف ريشه، وكذا قال غير واحد من السلف إنه نتف ريشه وتركه ملقى يأكله الذر والنمل، وقوله: "أو لأذبحنه" يعني قتله" أو ليأتيني بسلطان مبين" بعذر بين واضح، وقال سفيان بن عيينة: لما أقدم الهدهد قالت له الطير: ما خلفك فقد نذر سليمان دمك، فقال: هل استثنى؟ قالوا: نعم، قال: "لأعذبنه عذابا شديدًا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين" قال: نجوت إذًا.

فأمَّا أن ينام الأب والأم ملء أعينهما، ويرتاحا ويهنآ بحياتهما ويتركا أبناءهما إلى غيرهم يبثون فيهم من السموم في أخلاقهم ودينهم ومعتقداتهم، وهما عن ذلك في لهو وغفلة فتلك الطامة الكبرى، ونحن في عصر السماوات المفتوحة والقنوات الفضائية والشبكة العنكبوتية والعديد من المواقع الإباحية حيث لا يألو أعداء الإنسانية جهدًا في نشر كل رذيلة، وإشاعة كل فاحشة.
أما الأمر الثاني فهو: غرس خوف الله وتقواه في نفوس الأبناء، ومراقبته– جل وعلا- في السر والعلن، واليقين بأنه – سبحانه - مطلع على ما يعمل الإنسان، بل وما يجول بخاطره ولم ينطق به لسانه أو تتحرك به شفتاه بعد، ولذلك كان من أول ما حرص عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في تربية النشء هو تربيتهم على مراقبة الله، روى الترمذي في سننه عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يومًا قال: " «يا غلامُ ، إني أعلِّمُك كلماتٍ : احفَظِ اللهَ يحفَظْك ، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ» ".
وحَدِّثْ عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- ولا حرج في المراقبة الحثيثة والمتابعة الدقيقة، فقد كان شديد المراقبة والمتابعة لتصرفات أولاده وأزواجه وأقاربه، وهذان موقفان اثنان من سيرته -رضي الله عنه- قليل من كثير قد يعينان على تربية النفس والأهل، فقد قدم على عمر مسك وعنبر من البحرين فقال عمر: والله لوددت أني وجدت امرأة حسنة الوزن تزن لي هذا الطيب حتى أقسمه بين المسلمين، فقالت له امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل: أنا جيدة الوزن فهَلُمَّ أزن لك. قال: لا. قالت: لم؟ قال: إني أخشى أن تأخذيه فتجعليه هكذا -وأدخل أصابعه في صدغيه- وتمسحي به عنقك فأصيب فضلًا على المسلمين.
وهذا موقف آخر مع أحد أبنائه يدل على شديد حرصه في متابعتهم وتفقد أحوالهم، قال معيقيب: أرسل إليّ عمر مع الظهيرة، فإذا هو في بيت يطالب ابنه عاصمًا... فقال لي: أتدري ما صنع هذا؟ إنه انطلق إلى العراق أخبرهم أنه ابن أمير المؤمنين، فانتفقهم (سألهم النفقة) فأعطوه آنية وفضة ومتاعًا، وسيفًا محلى، فقال عاصم: ما فعلت، إنما قدمت على أناس من قومي، فأعطوني هذا. فقال عمر: خذه يا معيقيب، فاجعله في بيت المال.

لا شك أن هذه الصور وأمثالها، وهذه المواقف وأقرانها تدلل على ضرورة المراقبة الذاتية للوالدين- أولاً – لأفعالهم وخوفهم من الله سبحانه وتعالى، وحرصهم على فعل الجميل وترك القبيح، فإن تأصلت هذه المعاني في نفوسكم تأصلت في نفوس أبنائكم، فراقبوا الله في أفعالكم وأفعالهم، وخافوا منه سرًا وعلانية، ومن خاف الله -تعالى- ألقى في قلبه محبته ورضاه، فاجتنب بذلك كل معصية والتزم كل فضيلة، فكتب له السعادة والطمأنينة، وانعكس ذلك على استقرار الأسرة وطمأنينتها، فعاشت سعيدة هانئة، ولله دَّر النابغة الشيباني حين قال:
ولستُ أرى السعادةَ جمْعَ مال ... ولكنَّ التقي هُوَ السعيدُ
وتَقوَى اللهِ خــــــــــــــيرُ الزادِ ذُخْرًا ... وعندَ اللهِ للأتقى مَزِيــــــــدُ
رزقنا الله وإياكم الخشية منه، والقرب إليه، والتعلُّق به، والسعادة في معيته، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على محمد وآله وأصحابه.

شيخة الزين
06-01-2021, 01:16 PM
سلمت يدآك طرح جميل
ننتظر جديدك بشوق
يعطيك العآفيه

أبو علياء
06-01-2021, 07:28 PM
سلمت اناملكم على الموضوع القيم
اتمنى لكم المزيد من التالق والتميز
يعطيكم العافيه على تقديم ماهو جديد ومفيد
لروحكم جنان الورد
دمتم بسعاده لا تغادر ارواحكم

نور القمر
06-01-2021, 10:27 PM
متصفح جميل وجهد مدهش
تباركت أناملك
وليُمنآك الجآلبه عُمق الشكر
ولـِ روحك أجل سلاماً

عبد الحليم
06-02-2021, 10:48 AM
سلمت يداك على الطرح الراقي
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك
لك اعجابي وتقديري

فرآشه ملآئكيه
06-02-2021, 12:21 PM
سلمت آناملك لروعة طرحهآ..
يعطِـــيكْ العَآفيَـــةْ..

بنت الشام
06-03-2021, 02:49 PM
انتقاءك جميــل
يعطيك العافيه يارب , ع الموضوع ! دمت ودام ابداعك
ودي

خالد الشاعر
06-05-2021, 12:55 PM
موضوع رائع ومميز
طرحتى فابدعتى دمتى ودام عطائكِ
سلمت أناملكِ على الجلب المميز
اعذب التحايا لكى
خ ـالد الشاعر

Şøķåŕą
06-06-2021, 10:36 AM
تميز الانتقاء والطرح
الراقي ..
دام عطائك المميز
لك مني ارق التحايا

الدكتور على حسن
06-08-2021, 11:24 PM
تحياتى وتقديرى
لحضرتك
اشكرك على روعة ما قدمت لنـا
من إبداع رائع
وموضوع اكثر من مميز
ربنا يكرمك ويسعدك يارب
لك كل تحياتى وتقديرى وحبـــى
الدكتــــور علــى
:rose::rose::rose:

رحيل
06-09-2021, 02:49 AM
شاكره لك حضورك

نور القمر
06-10-2021, 06:12 PM
جلب راقي وانتقاء مميز
بوركت جهودك المثمرة
ولا حرمنا عطائك
ودي ..

♡ Šąɱąя ♡
06-10-2022, 03:02 AM
سلمت الايادي :x9:

Şøķåŕą
06-11-2022, 08:46 AM
سلمت الأيادي ..
ويعطيك العافية لـ جمال الآنتقاء
لروحك جنائن الورد .

إِيزآبَيل♡
10-11-2024, 05:34 AM
-










إنُتقِآءَ يُعآنِقَ السُمآءَ تُميزِاً’..
طُرحَ رآُقيَ كـ رُقيَكّ’,.
دُمتَ نهُِراً جُآرفَاً يُروُينَآ بُروآئَعكّ’,,
,.ض2

Şøķåŕą
10-17-2024, 11:18 PM
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

بنت العز
10-17-2024, 11:36 PM
سلمت آناملك لروعة طرحهآ..
يعطِـــيكْ العَآفيَـــةْ..