رحيل
05-16-2021, 03:58 AM
تفسير القرآن العزيز” لابن أبي زَمَنِين: عرض وتعريف
شيخنا محمد عمو
شكّل القرآن الكريم للبشرية دستوراً مُحكَماً ومنبعاً صافياً ثرياً، فأقبل عليه المتعطّشون للهداية والسعادة والحكمة لينهلوا من مَعِينه الذي لا ينضب، يتقدمهم علماء التفسير الذين كانت لهم اليد الطُّولَى في تقريب وتبسيط معاني هذا الكتاب العزيز للناس عامة وخاصة، حيث بذلوا جهوداً جبَّارة وتنافسوا في هذا الميدان الشريف تنافساً إيجابياً، فتعدّدت كتب التفاسير مثل: “تفسير القرآن العزيز” حتى صار من الصعب حصرها والكشف عن حقيقتها وأهميتها ومصادرها ومناهجها ومذاهبها في كتاب أحرى في مقالة.
والحقيقة التي لا مِراء فيها أن هناك مجموعة من التفاسير القرآنية ذاعَ صيتها بين الناس عامة وخاصة، فأصبح الباحثون والمهتمون بالقرآن وعلومه يعودون إليها من أجل فهم مضامين النص القرآني وما يتعلق به من علوم جليلة نافعة، ولكن في المقابل هناك تفاسير قرآنية مهمة لم تأخذ القدر الكافي من الشُّهرة والعناية والدراسة مقارنة ببعض التفاسير المشهورة بيننا اليوم، ومن التفاسير القديمة التي ينبغي أن نُعرّف بأهميتها وقيمة أفكارها ومنهجها “تفسير القرآن العزيز” للإمام القدوة الزاهد شيخ قرطبة أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين (324-399 هـ).
وحرصاً على الإسهام في التعريف بأعلام علم التفسير، سنحاول في هذه المقالة أن نقدّم نبذة موجزة عن المفسّر السنّي المالكي المعروف اختصاراً بـ “ابن أبي زمنين”، حيث سنعرّج على حياته ومكانته العلمية وكتبه المتعدّدة ومصادر ترجمته، ثم نركّز بعد ذلك على التعريف بتفسيره المهم الذي يتألف من خمسة أجزاء، يتناول الأول (الفاتحة – النساء)، والثاني (المائدة – النحل)، والثالث (الإسراء – الأحزاب)، فيما يتناول الرابع (سبأ – الطلاق)، والخامس (التحريم – النساء).
أولاً، نبذة عن الإمام ابن أبي زمنين
صاحب “تفسير القرآن العزيز”، الذي نحن بصدد الحديث عنه، هو محمد بن عبد الله بن عيسى بن محمد المري الإمام أبو عبد الله الإلبيري المعروف اختصاراً بـ “ابن أبي زَمَنِين” بفتح الزاء والميم وكسر النون، نزيل قرطبة سمع وروى، وكان عارفاً بمذهب الإمام مالك بن أنس (ت: 179 هـ)، متفنناً في الأدب والشعر، مقتفياً لآثار السلف[1].
يعتبر ابن أبي زمنين من علماء التفسير في القرن الرابع الهجري، ولهذا فهو قريب عهد بالقرون الثلاثة الأولى المفضلة، له مكانة مرموقة عند علماء التفسير والحديث والفقه والعقيدة والشعر والأدب والاجتهاد والفلسفة، وكان ابن رشد يعزو له، قال ابن السالك: “ورأيت ابن رشد يعزو له ويعبّر عنه ببعض أهل النظر، ويعني بأهل النظر أهل الاجتهاد”[2].
قدّم ابن أبي زمنين خدمات جليلة للحضارة الإسلامية، نكتشف ذلك من خلال ثناء كثير من علماء السلف الصالح عليه، حيث قال عنه أبو عمر الداني (ت: 444 هـ): “كان ذا حفظ للمسائل، حسن التصنيف، وله كتب كثيرة ألّفها في الوثائق والزهد والمواعظ (..)، وكان من الورعين البكائين الخاشعين”، تحدث عنه محمد بن علي بن أحمد الداوودي (ت: 945 هـ)، فقال إنه من المفاخر الغرناطية، كان من كبار المحدثين، والعلماء الراسخين، وأجلّ أهل وقته قدراً في العلم والرواية والحفظ للرأي[3].
كما تحدث علماء آخرون عن ابن أبي زمنين نكتشفهم من خلال مصادر ترجمته التي منها: طبقات المفسرين للسيوطي، وطبقات المفسرين للداودي، والوافي بالوفيات للصفدي، وسير أعلام النبلاء للذهبي، والأعلام للزركلي، وتاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام للذهبي، وترتيب المدارك للقاضي عياض، وشجرة النور الزكية في طبقات المالكية لابن مخلوف، وتاريخ الأدب لكارل بروكلمان، وتاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين.
وقد أثرى ابن أبي زمنين المكتبة الإسلامية بمؤلفات مهمة، من أهمها: المغرب في اختصار المدونة وشرح مشكلها، ومنتخب الأحكام، وأدب الإسلام، وأصول السنة، واختصار شرح الموطأ لابن مزين، و”المشتمل” في علم الوثائق، وحياة القلوب، والنصائح المنظومة، والمذهب في الفقه، وقدوة الغازي، وتفسير القرآن العزيز الذي هو موضوع هذه المقالة.
شيخنا محمد عمو
شكّل القرآن الكريم للبشرية دستوراً مُحكَماً ومنبعاً صافياً ثرياً، فأقبل عليه المتعطّشون للهداية والسعادة والحكمة لينهلوا من مَعِينه الذي لا ينضب، يتقدمهم علماء التفسير الذين كانت لهم اليد الطُّولَى في تقريب وتبسيط معاني هذا الكتاب العزيز للناس عامة وخاصة، حيث بذلوا جهوداً جبَّارة وتنافسوا في هذا الميدان الشريف تنافساً إيجابياً، فتعدّدت كتب التفاسير مثل: “تفسير القرآن العزيز” حتى صار من الصعب حصرها والكشف عن حقيقتها وأهميتها ومصادرها ومناهجها ومذاهبها في كتاب أحرى في مقالة.
والحقيقة التي لا مِراء فيها أن هناك مجموعة من التفاسير القرآنية ذاعَ صيتها بين الناس عامة وخاصة، فأصبح الباحثون والمهتمون بالقرآن وعلومه يعودون إليها من أجل فهم مضامين النص القرآني وما يتعلق به من علوم جليلة نافعة، ولكن في المقابل هناك تفاسير قرآنية مهمة لم تأخذ القدر الكافي من الشُّهرة والعناية والدراسة مقارنة ببعض التفاسير المشهورة بيننا اليوم، ومن التفاسير القديمة التي ينبغي أن نُعرّف بأهميتها وقيمة أفكارها ومنهجها “تفسير القرآن العزيز” للإمام القدوة الزاهد شيخ قرطبة أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين (324-399 هـ).
وحرصاً على الإسهام في التعريف بأعلام علم التفسير، سنحاول في هذه المقالة أن نقدّم نبذة موجزة عن المفسّر السنّي المالكي المعروف اختصاراً بـ “ابن أبي زمنين”، حيث سنعرّج على حياته ومكانته العلمية وكتبه المتعدّدة ومصادر ترجمته، ثم نركّز بعد ذلك على التعريف بتفسيره المهم الذي يتألف من خمسة أجزاء، يتناول الأول (الفاتحة – النساء)، والثاني (المائدة – النحل)، والثالث (الإسراء – الأحزاب)، فيما يتناول الرابع (سبأ – الطلاق)، والخامس (التحريم – النساء).
أولاً، نبذة عن الإمام ابن أبي زمنين
صاحب “تفسير القرآن العزيز”، الذي نحن بصدد الحديث عنه، هو محمد بن عبد الله بن عيسى بن محمد المري الإمام أبو عبد الله الإلبيري المعروف اختصاراً بـ “ابن أبي زَمَنِين” بفتح الزاء والميم وكسر النون، نزيل قرطبة سمع وروى، وكان عارفاً بمذهب الإمام مالك بن أنس (ت: 179 هـ)، متفنناً في الأدب والشعر، مقتفياً لآثار السلف[1].
يعتبر ابن أبي زمنين من علماء التفسير في القرن الرابع الهجري، ولهذا فهو قريب عهد بالقرون الثلاثة الأولى المفضلة، له مكانة مرموقة عند علماء التفسير والحديث والفقه والعقيدة والشعر والأدب والاجتهاد والفلسفة، وكان ابن رشد يعزو له، قال ابن السالك: “ورأيت ابن رشد يعزو له ويعبّر عنه ببعض أهل النظر، ويعني بأهل النظر أهل الاجتهاد”[2].
قدّم ابن أبي زمنين خدمات جليلة للحضارة الإسلامية، نكتشف ذلك من خلال ثناء كثير من علماء السلف الصالح عليه، حيث قال عنه أبو عمر الداني (ت: 444 هـ): “كان ذا حفظ للمسائل، حسن التصنيف، وله كتب كثيرة ألّفها في الوثائق والزهد والمواعظ (..)، وكان من الورعين البكائين الخاشعين”، تحدث عنه محمد بن علي بن أحمد الداوودي (ت: 945 هـ)، فقال إنه من المفاخر الغرناطية، كان من كبار المحدثين، والعلماء الراسخين، وأجلّ أهل وقته قدراً في العلم والرواية والحفظ للرأي[3].
كما تحدث علماء آخرون عن ابن أبي زمنين نكتشفهم من خلال مصادر ترجمته التي منها: طبقات المفسرين للسيوطي، وطبقات المفسرين للداودي، والوافي بالوفيات للصفدي، وسير أعلام النبلاء للذهبي، والأعلام للزركلي، وتاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام للذهبي، وترتيب المدارك للقاضي عياض، وشجرة النور الزكية في طبقات المالكية لابن مخلوف، وتاريخ الأدب لكارل بروكلمان، وتاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين.
وقد أثرى ابن أبي زمنين المكتبة الإسلامية بمؤلفات مهمة، من أهمها: المغرب في اختصار المدونة وشرح مشكلها، ومنتخب الأحكام، وأدب الإسلام، وأصول السنة، واختصار شرح الموطأ لابن مزين، و”المشتمل” في علم الوثائق، وحياة القلوب، والنصائح المنظومة، والمذهب في الفقه، وقدوة الغازي، وتفسير القرآن العزيز الذي هو موضوع هذه المقالة.