رحيل
04-09-2021, 09:17 AM
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السحيم
كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أجملَ الناس وَجها، وأعدلَهم قَوَاما، وأحسَنَ الناس خُلُقا.
سئلَ البراء رضي الله عنه: أكان وجهُ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثلَ السّيفِ؟ قال: لا، بل مثلَ القمرِ. رواه البخاري.
قال القسطلاّني: "بل مثلَ القمرِ" في الحُسن والملاحة والتدوير. وعَدَل إلى القمر لجمْعه الصفتين: التدوّرِ واللمعان.
وعند مسلم من حديث جابر بنِ سمرةَ قال: " بل كان مثلَ الشمسِ " أي: في نهاية الإشراق " والقمرِ " أي: في الحُسن. وزاد: " وكان مُستديرًا " تنبيهًا على أنه أراد التشبيهَ بالصفتين معًا: الحُسنِ والاستدارةِ؛ لأن التشبيه بالقمر إنما يُراد به الملاحةُ فقط. اهـ.
وقَال أَنَس بن مَالِك رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا. رواه البخاري ومسلم.
ويَكفِي في مَدْحِه صلى الله عليه وسلم: تَزكِيَة الله له؛ فهي أعلى وأسْمَى تَزكِية.
زَكّاه ربّه فقال: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
زكّى عملَه، فقال: ﴿ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴾ [القلم: 3] قال ابن كثير: أي: بل لك الأجرُ العظِيمُ، والثوابُ الجزيلُ الذي لا ينقطعُ ولا يبيدُ، على إبلاغك رسالةَ ربك إِلى الخلقِ، وصبْرِك على أذاهم. اهـ.
زَكّى قلبه، فقال: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى).
وزَكّى بَصَرَه، فقال: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى).
وزَكّى نُطقَه ولِسانَه، فقال: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى).
وزَكّى عَقلَه، فقال: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى)، (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ).
وزكّاه كلّه، فقال: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ)، (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا).
كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أندى الناسِ راحةً، وأرحبَهم ساحةً، كان بابُه مَحطَّ الرحَال، مَن أتاه خائفا أمِن، ومَن أتاه طامِعًا غَنِم.
قَال جَابِر بن عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لا. رواه البخاري ومسلم.
وقَال أنسٌ رضي الله عنه: ما سئلَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم على الإسلام شيئًا إلا أعطاه، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إِلى قومه، فقال: يا قوم أسلِموا، فإن محمدًا يعطي عطاءً لا يخشى الفاقةَ. رواه مسلم.
وأعطى صفوان بنَ أميةَ يومَ حُنينٍ مائةً من النعم، ثم مائةً، ثم مائة. رواه مسلم.
وقال رَافِع بن خَدِيجٍ رضي الله عنه: أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَالأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ. رواه مسلم.
وفي رواية له: وَأَعْطَى عَلْقَمَةَ بْنَ عُلاثَةَ مِائَةً.
هذا – والله – هو الْكَرَم، ثم لعله صلى الله عليه وسلم يَبِيت جائعا.
وقَدِمَ عليه سبعون ألفَ درهمٍ، فقام يَقسمُها فما ردَّ سائلًا حتى فرغ منها صلى الله عليه وسلم. رواه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخبر جبير بنُ مطعم أنه كان يسير هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناسُ مَقْفَلَهُ من حنينٍ، فَعَلِقه الناس يسألونه حتى اضطروه إلى سمُرةٍ، فخطفتْ رداءه، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعطوني ردائي. لو كان لي عددُ هذه العِضَاه نَعَمًا لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا، ولا كذوبا، ولا جبانا. رواه البخاري.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم الشجاعُ الذي يتقدم الشجعان إذا احْمَرّتِ الحَدَق، وادلَهَمّتِ الخطوب
أنت الشّجاع إذا الأبطالُ ذاهلةٌ *** والهندُوانيُّ في الأعناق والُّلمَمِ
قال البراءُ رضي الله عنه: كنا والله إذا احْمَرّ البَأس نتّقي به، وإن الشجاعَ مِنا للذي يُحاذي به، يعني النبيَ صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
وقال عليٌّ رضي الله عنه: كنا إذا احْمَرّ البَأس ولَقِي القَومُ القَومَ اتقينا بِرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون مِنا أحدٌ أدنى مِن القَوم مِنه. رواه أحمد والنسائي في الكبرى، بإسناد صحيح.
أما البراء رضي الله عنه فهو الملقّب بالمَهلَكَة، وأما عليٌّ رضي الله عنه فشجاعتُه أشهرُ مِن أن تُذكَر.
ومع ذلك يتّقون بِرَسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أقربُ الناسِ إلى العدوّ، غيرَ هَيّابٍ ولا وَجِلِ.
ومع ذلك كان الشجاع منهم الذي يُحاذي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنظَفُ الناس، وأعطَرُ الناس؛ أحسنُ الناس مَظهرا وأطهرُهم مَخبَرا، وأذكاهُم عِطرا.
قال أَنَسٌ رضي الله عنه: كان رسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم أزهرَ اللونِ، كأنَّ عَرقَه اللؤلؤُ، إِذا مشى تكفأَ، ولا مسستُ دِيباجةً، ولا حَريرةً ألْينَ من كف رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَلاَ شممتُ مِسْكَةً ولا عنبرةً أطيبَ من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري ومسلم.
قال النووي: قولُهُ: " أَزْهَرُ اللونِ " هو الأبيضُ المستنيرُ، وهي أحسنُ الألوانِ.
قولُهُ: " كأنَّ عَرقَه اللؤلؤُ " أي: في الصفاء والبياض. اهـ.
وقال جابر بنُ سَمُرَةَ: صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجتُ معه، فاستقبله ولدانٌ، فجَعل يَمسحُ خديْ أحدِهم واحدًا واحدًا، قال: وأما أنا فمسحَ خَدِّي. قال: فوجدتُ لِيَدِه بَرْدًا، أو ريحًا كأنما أخرَجها من جُؤْنَةِ عطار. رواه مسلم.
تُشرِق الوُجوه بِمسْحَة يَدِه صلى الله عليه وسلم.
قال أَبو العلاء بنُ عمير: كنتُ عندَ قَتادةَ بنِ مِلحانَ حينَ حُضِرَ، فمَرَّ رجل في أقصى الدار، قال: فأبصرتُه في وجه قتادةَ، قال: وكنتُ إِذا رأيتُه كأن على وجهه الدهانَ، قال: وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مسح على وجهه. رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.
طَلْقُ الْمُحيّا، دائمُ البِشْر.
قال كَعْبُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه: وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذا سُرَّ استنارَ وجهُه حتى كأنه قطعةُ قمرٍ، وكنا نعرف ذلك منه. رواه البخاري ومسلم.
وقال جَريرُ بنُ عبدِ الله: رأيتُ وجهَ رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم يتهللُ، كأنه مَذهبَةٌ. رواه مسلم.
ووصَفَه عمر رضي الله عنه فقال: وكان مِن أحسنِ الناسِ ثغرًا. رواه البخاري ومسلم.
كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصدَقَ الخَلقِ، وأوفَى الخَلق، وأرحَمَ الخَلق بالخَلْق.
وَصَفَه الله عز وَجَل ببعض صِفَته، فقال: (قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).
أغرُّ، عليه للنبوة خاتَمٌ http://www.r-eshq.com/vb/
مِن الله مَشهُودٌ يَلُوحُ ويُشهَدُ http://www.r-eshq.com/vb/
وضمَّ الإلهُ اسمَ النبي إلى اسمه http://www.r-eshq.com/vb/
إذا قال في الخَمسِ المؤذنُ أشْهَدُ http://www.r-eshq.com/vb/
وشقّ لهُ منِ اسمهِ ليُجِلَّه http://www.r-eshq.com/vb/
فذو العرشِ محمودٌ، وهذا محمدُ http://www.r-eshq.com/vb/
رَفَع الله له ذِكْرَه؛ فلا يُذكر الله عزّ وَجَلّ إلاّ ويُذكر معه النبيُّ صلى الله عليه وسلم
﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 4].
قال مجاهد: لا أُذكَرُ إلا ذُكِرتَ معي: أشهَد أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهد أن محمدًا رسولُ اللهِ.
وقال قتادة: رفع اللهُ ذِكرَه في الدنيا والآخرةِ، فليس خطيبٌ ولا مُتشهدٌ ولا صاحبُ صلاةٍ إلا يُنادي بها: أشهَد أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأن محمدًا رسولُ الله.
مَن يُصلِّ الصلواتِ المفروضةَ ويُصلِّ السننَ الرواتبَ ويُرددْ خلفَ المؤذنِ: فسيَذكرُ النبيَّ ï·؛ (باسْمِه أو بِوصفِه) أكثرَ من 80 مرّةً في اليوم.
فلو افترضنا أن مليارَ مُسلم فعلوا ذلك يوميا؛ فسيُذكر رسولُ الله ï·؛ يوميا أكثرَ من 80 مليار مرّة.
فكم سيُذكر في الشهر الواحد؟
وكم سيُذكر في العام الواحد؟
وكم ذُكر مِن مرّة خلالَ 1400 عام؟
هنا تقف الأعداد، وتتوقف الحسابات...
مهما بَلغَت رِفعةُ بَشَر، ومهما علا كَعبُه، وارتفعت قيمتُه؛ فلن يُذكرَ بَشَرٌ كما ذُكِر رسولُ الله ï·؛.
وصدَق الله: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 4].
أعظم الْخَلْقِ وأكرمهم على الله
كان ممكِن أن تُدَكْدَك جِبَال مكّة على أهلها نُصْرَة لِرسول الله صلى الله عليه وسلم.
في الصحيحين أن مَلَكَ الجبال نادى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وسلَّمَ عليه، ثم قال: يا محمدٌ، إن اللهَ قد سمِعَ قولَ قومِك لك، وأنا مَلَكُ الجبال وقد بعثني ربُّك إليك لتأمُرَني بأمرك، فما شئتَ، إن شئتَ أن أطبقَ عليهم الأخشبين، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أنْ يُخرِجَ اللَّه من أصلابِهم من يعبدُ اللهَ وحدَه لا يشرِكُ به شيئًا.
وجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ وهو جالسٌ حزينا، قد خُضِّبَ بالدماء، ضَرَبَهُ بعضُ أهل مكةَ قال: فقال له: ما لك؟ قال: فقال له: " فعل بي هؤلاءِ وفعلوا "، فقال له جبريل عليه السلام: أتُحِب أنْ أريكَ آية؟ قال: نعم، قال: فنظرَ إلى شجرة مِن وَراء الوَادي، فقال: ادعُ بتلك الشجرةِ، فدعاها، فجاءتْ تمشي حتى قامتْ بين يديه، فقال: مُرْها فلترجعْ، فأمرها فرجعتْ إلى مكانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبي، حسبي. رواه الإمام أحمد وابن ماجه، وهو حديث حَسَن.
قولُه: " أتُحب ان أُرِيك آية " قال السندي: تدلُّ على ما لَك عند الله مِن الكَرَامة والشَّرَف الذي تُنْسَى في جَنْبِه ما يَلحقُ بك مِن التعب في تبليغ الرسالة. اهـ.
الحوض مَورِدُه، والصِّراطُ موقِفُه، و" أمّتي أمّتي " بَيَانُ رَحمتِه وشَفَقَتِه.
بِعثَته رحمة، ورِسالته هِداية.. ﴿ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ ﴾ [التوبة: 61].
السّراجُ الْمُنِير، والبشير النذير، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45 – 47].
هُو نُورٌ مِن الله.. ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ [المائدة: 15] ذَكَر الإمام السمعاني أن مِن معاني النورِ هنا: محمدًا صلى الله عليه وسلم. قال: وَسُمي نورا لأنه يُتبينُ به الأشياءُ، كما يتبينُ بالنورِ.
هو الحجّة والبُرهان.. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [النساء: 174] يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم، هذا قولُ أكثرِ المفسرين)... والبرهانُ: الحجةُ.
مُعجِزاته باهِرة، وآياته ظاهِرة، ودلائل نُبوّتِه مُتشهرة كَثْرَةٌ كاثِرة.
اشْتَكَتْ إليه البهيمةُ والطّيرُ؛ فأنصَفَها
وحَنّ إليه الجذع؛ فاحتضَنَه، وهدّأ مِن حَنينه
وسلَّم عليه الحجَر، وشَهِد بِنُبوّته الشّجر
دَخَل النبي صلى الله عليه وسلم حائطَ رَجلٍ مِن الأنصار فإِذا جَمَلٌ، فلما رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم حَنَّ وذرفتْ عيناه، فأتاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فمَسَحَ ذِفراه، فسَكَتَ، فقال: مَن رَبُّ هَذَا الجمَلِ؟ لِمَن هذا الجملُ؟ فجاء فتًى مِن الأنصار فقال: لي يا رسولَ اللَّه، فقال: أفلا تتقي اللهَ في هذه البهيمة التي مَلَّكَكَ اللَّهُ إياها؟ فإنه شَكَا إلَيَّ أنك تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ. رواه الإمام أحمد وأبو داود. وصححه الشيخ الألباني، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم رجاله ثقات رجال الشيخين غيرَ الحسنِ بنِ سعد، فمن رجال مسلم. اهـ. قال ابن الجوزي: الذِّفْرَى من البعير مُؤخِّرُ رأسه.
وحَدَّث عبدُ اللَّه بنُ مَسْعُود رضي اللَّه عنه فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حُمّرة معها فَرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلتْ تَفرُش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: مَن فَجَع هذه بِولدِها؟ رُدّوا وَلدَها إليها. ورأى قَرية نمل قد حَرَقناها، فقال: مَن حَرَق هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنه لا ينبغي أن يُعذبَ بالنار إلا ربُّ النار. رواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني والأرنؤوط.
وفي رواية لأبي داودَ الطيالسيِّ: كُنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَفر، فَدخل رَجُل غَيضةً فأخْرَج منها بَيضةَ حُمّرةٍ، فجاءت الحُمّرة تَرِفُّ على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال: أيكُّم فَجَعَ هذه؟ فقال رَجُل مِن القوم: أنا أخذتُ بَيضتَها، فقال: رُدّه رُدّه، رَحْمَةً لها.
ورواه الإمام أحمد والبخاري في " الأدب المفرَد " بِذِكر بيضةٍ بدلِ ذِكرِ فَرخ.
قال ابن الأثير: الحمَّرةُ - بضم الحاء وتشديد الميم - وقد تُخَفّف: طائرٌ صغير كالعصفور.
وقال ابن الجوزي: في الحديث: " فجاءت الْحُمَّرة فَجعلَت تَفرُش " وهو أن تقربَ مِن الأرض وتُرفرفُ بجناحيها.
قال ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبرَ تحولَ إليه فحَنَّ الجذع، فأتاه فمسَح يدَه عليه. رواه البخاري.
وفي رواية عن ابن عباس: فحنَّ الجذع حتى أخذه فاحتضنه فسَكَن، فقال: لو لم أحتضنْه لَحَنَّ إلى يوم القيامة رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرفُ حجرًا بمكةَ كان يُسَلِّم عليّ قبل أن أُبْعَثَ، إني لأعرفه الآن. رواه مسلم.
شَهِد له بالنبوّة الشجرُ والحجر:
دَعَا شَجرةً فجاءت تمشي إليه
قال ابنُ عمرَ رضي الله عنهما: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأقبَلَ أعرابي، فلما دنا منه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين تريد؟ قال: إلى أهلي، قال: هل لك في خير؟ قال: وما هو؟ قال: تشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لَهُ، وأن محمدا عبدُه ورسولُه. فقال: ومن يشهدُ على ما تقول؟ قال: هذه السَّلَمَةُ. فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بشاطئ الوادي، فأقبلت تخدُّ الأرضَ خدا حتى قامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثا، فشهدت ثلاثا أنه كما قال، ثم رجعت إلى منبتها ورجع الأعرابي إلى قومه، وقال: إن اتبعوني أتيتك بهم، وإلا رجعت فكنت معك. رواه الإمام الدارمي.
وجاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بِمَ أعرف أنك نَبِيٌّ؟ قال: إن دعوتُ هذا العِذقَ مِن هذه النخلةِ، أتشهد إني رسولُ الله؟ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل ينزل مِن النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ارجع، فَعَاد، فأسلم الأعرابي. رواه الإمام أحمد والترمذي، وهو حديث صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكان يأتِيهم بالآيات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم، ومعجزاتُه تزيدُ على ألف معجزةٍ.
وأورد ابن كثير قولَ الإمام الشافعي: ما أعطى الله نبيا ما أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم. فقيل له: أعطى عيسى إحياءَ الموتى. فقال: أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم الجذع الذي كان يخطب إلى جنبه، حين هُيئ له المنبرُ حن الجذع حتى سُمع صوتُه، فهذا أكبرُ من ذاك.
والمراد من إيراد ما نذكره في هذا الباب التنبيهُ على شرف ما أعطى الله أنبياءه عليهم السلام من الآيات البينات، والخوارق القاطعات، والحجج الواضحات، وأن الله تعالى جمع لعبده ورسوله سيدِ الأنبياء وخاتمِهِم من جميع أنواع المحاسن والآيات، مع ما اختصه الله به مما لم يؤت أحدا قبله. اهـ.
وإنما قال: فهذا أكبر من ذلك؛ لأن الجذع ليس محلا للحياة ومع هذا حصل له شعورٌ ووجْد، لما تحول عنه إلى المنبر فَأنَّ وحن حنين العِشار حتى نزل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتضنه وسكَّنه حتى سكن.
قال الحسن البصري: فهذا الجذع حن إليه، فإنهم أحقُّ أن يحنوا إليه.
يتبع
الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السحيم
كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أجملَ الناس وَجها، وأعدلَهم قَوَاما، وأحسَنَ الناس خُلُقا.
سئلَ البراء رضي الله عنه: أكان وجهُ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثلَ السّيفِ؟ قال: لا، بل مثلَ القمرِ. رواه البخاري.
قال القسطلاّني: "بل مثلَ القمرِ" في الحُسن والملاحة والتدوير. وعَدَل إلى القمر لجمْعه الصفتين: التدوّرِ واللمعان.
وعند مسلم من حديث جابر بنِ سمرةَ قال: " بل كان مثلَ الشمسِ " أي: في نهاية الإشراق " والقمرِ " أي: في الحُسن. وزاد: " وكان مُستديرًا " تنبيهًا على أنه أراد التشبيهَ بالصفتين معًا: الحُسنِ والاستدارةِ؛ لأن التشبيه بالقمر إنما يُراد به الملاحةُ فقط. اهـ.
وقَال أَنَس بن مَالِك رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا. رواه البخاري ومسلم.
ويَكفِي في مَدْحِه صلى الله عليه وسلم: تَزكِيَة الله له؛ فهي أعلى وأسْمَى تَزكِية.
زَكّاه ربّه فقال: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
زكّى عملَه، فقال: ﴿ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴾ [القلم: 3] قال ابن كثير: أي: بل لك الأجرُ العظِيمُ، والثوابُ الجزيلُ الذي لا ينقطعُ ولا يبيدُ، على إبلاغك رسالةَ ربك إِلى الخلقِ، وصبْرِك على أذاهم. اهـ.
زَكّى قلبه، فقال: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى).
وزَكّى بَصَرَه، فقال: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى).
وزَكّى نُطقَه ولِسانَه، فقال: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى).
وزَكّى عَقلَه، فقال: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى)، (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ).
وزكّاه كلّه، فقال: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ)، (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا).
كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أندى الناسِ راحةً، وأرحبَهم ساحةً، كان بابُه مَحطَّ الرحَال، مَن أتاه خائفا أمِن، ومَن أتاه طامِعًا غَنِم.
قَال جَابِر بن عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لا. رواه البخاري ومسلم.
وقَال أنسٌ رضي الله عنه: ما سئلَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم على الإسلام شيئًا إلا أعطاه، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إِلى قومه، فقال: يا قوم أسلِموا، فإن محمدًا يعطي عطاءً لا يخشى الفاقةَ. رواه مسلم.
وأعطى صفوان بنَ أميةَ يومَ حُنينٍ مائةً من النعم، ثم مائةً، ثم مائة. رواه مسلم.
وقال رَافِع بن خَدِيجٍ رضي الله عنه: أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَالأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ. رواه مسلم.
وفي رواية له: وَأَعْطَى عَلْقَمَةَ بْنَ عُلاثَةَ مِائَةً.
هذا – والله – هو الْكَرَم، ثم لعله صلى الله عليه وسلم يَبِيت جائعا.
وقَدِمَ عليه سبعون ألفَ درهمٍ، فقام يَقسمُها فما ردَّ سائلًا حتى فرغ منها صلى الله عليه وسلم. رواه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخبر جبير بنُ مطعم أنه كان يسير هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناسُ مَقْفَلَهُ من حنينٍ، فَعَلِقه الناس يسألونه حتى اضطروه إلى سمُرةٍ، فخطفتْ رداءه، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعطوني ردائي. لو كان لي عددُ هذه العِضَاه نَعَمًا لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا، ولا كذوبا، ولا جبانا. رواه البخاري.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم الشجاعُ الذي يتقدم الشجعان إذا احْمَرّتِ الحَدَق، وادلَهَمّتِ الخطوب
أنت الشّجاع إذا الأبطالُ ذاهلةٌ *** والهندُوانيُّ في الأعناق والُّلمَمِ
قال البراءُ رضي الله عنه: كنا والله إذا احْمَرّ البَأس نتّقي به، وإن الشجاعَ مِنا للذي يُحاذي به، يعني النبيَ صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
وقال عليٌّ رضي الله عنه: كنا إذا احْمَرّ البَأس ولَقِي القَومُ القَومَ اتقينا بِرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون مِنا أحدٌ أدنى مِن القَوم مِنه. رواه أحمد والنسائي في الكبرى، بإسناد صحيح.
أما البراء رضي الله عنه فهو الملقّب بالمَهلَكَة، وأما عليٌّ رضي الله عنه فشجاعتُه أشهرُ مِن أن تُذكَر.
ومع ذلك يتّقون بِرَسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أقربُ الناسِ إلى العدوّ، غيرَ هَيّابٍ ولا وَجِلِ.
ومع ذلك كان الشجاع منهم الذي يُحاذي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنظَفُ الناس، وأعطَرُ الناس؛ أحسنُ الناس مَظهرا وأطهرُهم مَخبَرا، وأذكاهُم عِطرا.
قال أَنَسٌ رضي الله عنه: كان رسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم أزهرَ اللونِ، كأنَّ عَرقَه اللؤلؤُ، إِذا مشى تكفأَ، ولا مسستُ دِيباجةً، ولا حَريرةً ألْينَ من كف رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَلاَ شممتُ مِسْكَةً ولا عنبرةً أطيبَ من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري ومسلم.
قال النووي: قولُهُ: " أَزْهَرُ اللونِ " هو الأبيضُ المستنيرُ، وهي أحسنُ الألوانِ.
قولُهُ: " كأنَّ عَرقَه اللؤلؤُ " أي: في الصفاء والبياض. اهـ.
وقال جابر بنُ سَمُرَةَ: صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجتُ معه، فاستقبله ولدانٌ، فجَعل يَمسحُ خديْ أحدِهم واحدًا واحدًا، قال: وأما أنا فمسحَ خَدِّي. قال: فوجدتُ لِيَدِه بَرْدًا، أو ريحًا كأنما أخرَجها من جُؤْنَةِ عطار. رواه مسلم.
تُشرِق الوُجوه بِمسْحَة يَدِه صلى الله عليه وسلم.
قال أَبو العلاء بنُ عمير: كنتُ عندَ قَتادةَ بنِ مِلحانَ حينَ حُضِرَ، فمَرَّ رجل في أقصى الدار، قال: فأبصرتُه في وجه قتادةَ، قال: وكنتُ إِذا رأيتُه كأن على وجهه الدهانَ، قال: وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مسح على وجهه. رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.
طَلْقُ الْمُحيّا، دائمُ البِشْر.
قال كَعْبُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه: وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذا سُرَّ استنارَ وجهُه حتى كأنه قطعةُ قمرٍ، وكنا نعرف ذلك منه. رواه البخاري ومسلم.
وقال جَريرُ بنُ عبدِ الله: رأيتُ وجهَ رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم يتهللُ، كأنه مَذهبَةٌ. رواه مسلم.
ووصَفَه عمر رضي الله عنه فقال: وكان مِن أحسنِ الناسِ ثغرًا. رواه البخاري ومسلم.
كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصدَقَ الخَلقِ، وأوفَى الخَلق، وأرحَمَ الخَلق بالخَلْق.
وَصَفَه الله عز وَجَل ببعض صِفَته، فقال: (قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).
أغرُّ، عليه للنبوة خاتَمٌ http://www.r-eshq.com/vb/
مِن الله مَشهُودٌ يَلُوحُ ويُشهَدُ http://www.r-eshq.com/vb/
وضمَّ الإلهُ اسمَ النبي إلى اسمه http://www.r-eshq.com/vb/
إذا قال في الخَمسِ المؤذنُ أشْهَدُ http://www.r-eshq.com/vb/
وشقّ لهُ منِ اسمهِ ليُجِلَّه http://www.r-eshq.com/vb/
فذو العرشِ محمودٌ، وهذا محمدُ http://www.r-eshq.com/vb/
رَفَع الله له ذِكْرَه؛ فلا يُذكر الله عزّ وَجَلّ إلاّ ويُذكر معه النبيُّ صلى الله عليه وسلم
﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 4].
قال مجاهد: لا أُذكَرُ إلا ذُكِرتَ معي: أشهَد أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهد أن محمدًا رسولُ اللهِ.
وقال قتادة: رفع اللهُ ذِكرَه في الدنيا والآخرةِ، فليس خطيبٌ ولا مُتشهدٌ ولا صاحبُ صلاةٍ إلا يُنادي بها: أشهَد أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأن محمدًا رسولُ الله.
مَن يُصلِّ الصلواتِ المفروضةَ ويُصلِّ السننَ الرواتبَ ويُرددْ خلفَ المؤذنِ: فسيَذكرُ النبيَّ ï·؛ (باسْمِه أو بِوصفِه) أكثرَ من 80 مرّةً في اليوم.
فلو افترضنا أن مليارَ مُسلم فعلوا ذلك يوميا؛ فسيُذكر رسولُ الله ï·؛ يوميا أكثرَ من 80 مليار مرّة.
فكم سيُذكر في الشهر الواحد؟
وكم سيُذكر في العام الواحد؟
وكم ذُكر مِن مرّة خلالَ 1400 عام؟
هنا تقف الأعداد، وتتوقف الحسابات...
مهما بَلغَت رِفعةُ بَشَر، ومهما علا كَعبُه، وارتفعت قيمتُه؛ فلن يُذكرَ بَشَرٌ كما ذُكِر رسولُ الله ï·؛.
وصدَق الله: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 4].
أعظم الْخَلْقِ وأكرمهم على الله
كان ممكِن أن تُدَكْدَك جِبَال مكّة على أهلها نُصْرَة لِرسول الله صلى الله عليه وسلم.
في الصحيحين أن مَلَكَ الجبال نادى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وسلَّمَ عليه، ثم قال: يا محمدٌ، إن اللهَ قد سمِعَ قولَ قومِك لك، وأنا مَلَكُ الجبال وقد بعثني ربُّك إليك لتأمُرَني بأمرك، فما شئتَ، إن شئتَ أن أطبقَ عليهم الأخشبين، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أنْ يُخرِجَ اللَّه من أصلابِهم من يعبدُ اللهَ وحدَه لا يشرِكُ به شيئًا.
وجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ وهو جالسٌ حزينا، قد خُضِّبَ بالدماء، ضَرَبَهُ بعضُ أهل مكةَ قال: فقال له: ما لك؟ قال: فقال له: " فعل بي هؤلاءِ وفعلوا "، فقال له جبريل عليه السلام: أتُحِب أنْ أريكَ آية؟ قال: نعم، قال: فنظرَ إلى شجرة مِن وَراء الوَادي، فقال: ادعُ بتلك الشجرةِ، فدعاها، فجاءتْ تمشي حتى قامتْ بين يديه، فقال: مُرْها فلترجعْ، فأمرها فرجعتْ إلى مكانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبي، حسبي. رواه الإمام أحمد وابن ماجه، وهو حديث حَسَن.
قولُه: " أتُحب ان أُرِيك آية " قال السندي: تدلُّ على ما لَك عند الله مِن الكَرَامة والشَّرَف الذي تُنْسَى في جَنْبِه ما يَلحقُ بك مِن التعب في تبليغ الرسالة. اهـ.
الحوض مَورِدُه، والصِّراطُ موقِفُه، و" أمّتي أمّتي " بَيَانُ رَحمتِه وشَفَقَتِه.
بِعثَته رحمة، ورِسالته هِداية.. ﴿ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ ﴾ [التوبة: 61].
السّراجُ الْمُنِير، والبشير النذير، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45 – 47].
هُو نُورٌ مِن الله.. ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ [المائدة: 15] ذَكَر الإمام السمعاني أن مِن معاني النورِ هنا: محمدًا صلى الله عليه وسلم. قال: وَسُمي نورا لأنه يُتبينُ به الأشياءُ، كما يتبينُ بالنورِ.
هو الحجّة والبُرهان.. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [النساء: 174] يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم، هذا قولُ أكثرِ المفسرين)... والبرهانُ: الحجةُ.
مُعجِزاته باهِرة، وآياته ظاهِرة، ودلائل نُبوّتِه مُتشهرة كَثْرَةٌ كاثِرة.
اشْتَكَتْ إليه البهيمةُ والطّيرُ؛ فأنصَفَها
وحَنّ إليه الجذع؛ فاحتضَنَه، وهدّأ مِن حَنينه
وسلَّم عليه الحجَر، وشَهِد بِنُبوّته الشّجر
دَخَل النبي صلى الله عليه وسلم حائطَ رَجلٍ مِن الأنصار فإِذا جَمَلٌ، فلما رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم حَنَّ وذرفتْ عيناه، فأتاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فمَسَحَ ذِفراه، فسَكَتَ، فقال: مَن رَبُّ هَذَا الجمَلِ؟ لِمَن هذا الجملُ؟ فجاء فتًى مِن الأنصار فقال: لي يا رسولَ اللَّه، فقال: أفلا تتقي اللهَ في هذه البهيمة التي مَلَّكَكَ اللَّهُ إياها؟ فإنه شَكَا إلَيَّ أنك تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ. رواه الإمام أحمد وأبو داود. وصححه الشيخ الألباني، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم رجاله ثقات رجال الشيخين غيرَ الحسنِ بنِ سعد، فمن رجال مسلم. اهـ. قال ابن الجوزي: الذِّفْرَى من البعير مُؤخِّرُ رأسه.
وحَدَّث عبدُ اللَّه بنُ مَسْعُود رضي اللَّه عنه فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حُمّرة معها فَرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلتْ تَفرُش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: مَن فَجَع هذه بِولدِها؟ رُدّوا وَلدَها إليها. ورأى قَرية نمل قد حَرَقناها، فقال: مَن حَرَق هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنه لا ينبغي أن يُعذبَ بالنار إلا ربُّ النار. رواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني والأرنؤوط.
وفي رواية لأبي داودَ الطيالسيِّ: كُنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَفر، فَدخل رَجُل غَيضةً فأخْرَج منها بَيضةَ حُمّرةٍ، فجاءت الحُمّرة تَرِفُّ على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال: أيكُّم فَجَعَ هذه؟ فقال رَجُل مِن القوم: أنا أخذتُ بَيضتَها، فقال: رُدّه رُدّه، رَحْمَةً لها.
ورواه الإمام أحمد والبخاري في " الأدب المفرَد " بِذِكر بيضةٍ بدلِ ذِكرِ فَرخ.
قال ابن الأثير: الحمَّرةُ - بضم الحاء وتشديد الميم - وقد تُخَفّف: طائرٌ صغير كالعصفور.
وقال ابن الجوزي: في الحديث: " فجاءت الْحُمَّرة فَجعلَت تَفرُش " وهو أن تقربَ مِن الأرض وتُرفرفُ بجناحيها.
قال ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبرَ تحولَ إليه فحَنَّ الجذع، فأتاه فمسَح يدَه عليه. رواه البخاري.
وفي رواية عن ابن عباس: فحنَّ الجذع حتى أخذه فاحتضنه فسَكَن، فقال: لو لم أحتضنْه لَحَنَّ إلى يوم القيامة رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرفُ حجرًا بمكةَ كان يُسَلِّم عليّ قبل أن أُبْعَثَ، إني لأعرفه الآن. رواه مسلم.
شَهِد له بالنبوّة الشجرُ والحجر:
دَعَا شَجرةً فجاءت تمشي إليه
قال ابنُ عمرَ رضي الله عنهما: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأقبَلَ أعرابي، فلما دنا منه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين تريد؟ قال: إلى أهلي، قال: هل لك في خير؟ قال: وما هو؟ قال: تشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لَهُ، وأن محمدا عبدُه ورسولُه. فقال: ومن يشهدُ على ما تقول؟ قال: هذه السَّلَمَةُ. فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بشاطئ الوادي، فأقبلت تخدُّ الأرضَ خدا حتى قامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثا، فشهدت ثلاثا أنه كما قال، ثم رجعت إلى منبتها ورجع الأعرابي إلى قومه، وقال: إن اتبعوني أتيتك بهم، وإلا رجعت فكنت معك. رواه الإمام الدارمي.
وجاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بِمَ أعرف أنك نَبِيٌّ؟ قال: إن دعوتُ هذا العِذقَ مِن هذه النخلةِ، أتشهد إني رسولُ الله؟ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل ينزل مِن النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ارجع، فَعَاد، فأسلم الأعرابي. رواه الإمام أحمد والترمذي، وهو حديث صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكان يأتِيهم بالآيات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم، ومعجزاتُه تزيدُ على ألف معجزةٍ.
وأورد ابن كثير قولَ الإمام الشافعي: ما أعطى الله نبيا ما أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم. فقيل له: أعطى عيسى إحياءَ الموتى. فقال: أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم الجذع الذي كان يخطب إلى جنبه، حين هُيئ له المنبرُ حن الجذع حتى سُمع صوتُه، فهذا أكبرُ من ذاك.
والمراد من إيراد ما نذكره في هذا الباب التنبيهُ على شرف ما أعطى الله أنبياءه عليهم السلام من الآيات البينات، والخوارق القاطعات، والحجج الواضحات، وأن الله تعالى جمع لعبده ورسوله سيدِ الأنبياء وخاتمِهِم من جميع أنواع المحاسن والآيات، مع ما اختصه الله به مما لم يؤت أحدا قبله. اهـ.
وإنما قال: فهذا أكبر من ذلك؛ لأن الجذع ليس محلا للحياة ومع هذا حصل له شعورٌ ووجْد، لما تحول عنه إلى المنبر فَأنَّ وحن حنين العِشار حتى نزل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتضنه وسكَّنه حتى سكن.
قال الحسن البصري: فهذا الجذع حن إليه، فإنهم أحقُّ أن يحنوا إليه.
يتبع