تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حِلْمُ الرسول


بنت الشام
12-21-2020, 05:26 PM
حِلْمُ الرسول




كان مُحَمَّد الحاكم المُتسامح والحكيم والمُشرِّع.
إن ما يقرب من نصف دول العالم مازال يعاني من مرارة الجهل والتخلف، فنجد أن نسبة
الأُميِّة في بعض الدول -خاصة الفقيرة- تصل إلى 70% من عدد السكان.
على الرغم من أن الجهل صفة مذمومة لم تُذْكَر في القرآن الكريم غالبًا إلا على سبيل الذم واللوم، بل استعاذ منها
موسى عليه السلام كما حكى ربُ العزَّة في القرآن في قوله: { قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ } [البقرة:67].
على الرغم من ذمّ هذه الصفة إلا أن كل البشر بلا استثناء يتصفون بها من وجه من الوجوه، فهم يعلمون
أشياء ويجهلون أشياءً أخرى، حتى أكثر العلماء علمًا في مجال معين لا بد أنه جاهل في مجال آخر.
وإنما يُذَمُّ حقيقةً الجاهل الذي لا يسعى إلى تحصيل العلم، والجاهل الذي يجهل أمرًا مُشتَهرًا جدًا
بين الناس، أو كما يقول الفقهاء: "الجاهل بما هو معلوم من الدين بالضرورة".
وهذا النوع الأخير وهو (الجهل بالأمر المشتهر)، هو ما نعنيه في هذا المبحث، وإلا فكل البشر جاهلون
أو على الأقل كانوا في مرحلةٍ ما من عمرهم جاهلين، ثم انتقلوا بعد ذلك إلى مرحلة العلم.
وبما أن دين الإسلام دين جديد على الجزيرة العربية، أيام بعثة رسول الله؛ فإن قدوم الجاهلين بأحكام الإسلام على رسول الله
كان كثيرًا، ومع هذه الكثرة إلا أنه لم يفقد هدوءه أو حِلْمَه في يوم من الأيام، بل تعامل مع كل هذه المواقف برحمته المعهودة.
حِلْمُ الرسول
يقول ‏مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ‏ ‏‏إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ؛ فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ
فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ ‏أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ؛ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ
فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ‏‏‏فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ؛ فَوَاللَّهِ مَا ‏‏كَهَرَنِي ‏وَلا ضَرَبَنِي وَلا شَتَمَنِ
قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ».
في هذا الموقف نرى بوضوح رحمة رسول الله بمعاوية بن الحكم، والذي كان جاهلاً إلى حَدٍّ كبير بتعاليم الصلاة، وهذه الرحمة
لفتت نظر معاوية، حتى إنه ذكرها وعلَّق عليها؛ فقال: "فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ".
وكأن معاوية كان يتوقع الزجر والتعنيف من رسول الله لمَّا رأى ثورة المصلّين حوله ومحاولتهم إسكاته
فقال معاوية في سرور: فَوَاللَّهِ مَا ‏‏كَهَرَنِي ‏وَلا ضَرَبَنِي وَلا شَتَمَنِي، وكأن هذه كانت أمورًا متوقعة.
لكن رسول الله لا يصدر منه القول السيئ، ولا يقسو على أحد أبدًا.
حِلْمُ الرسول
وفي يوم آخر رأى رسول الله ما يُغضِبُ عادةً أي إنسان، ومع ذلك فإن رحمة رسول الله
قد ظَلَّت رد فعله، فتعامل بهدوء ورفق لا يشابهه فيه أحد.
يروي ذلك الموقف جابر بن عبد الله فيقول: "أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ ‏‏فِي مَسْجِدِنَا هَذَا وَفِي يَدِهِ ‏عُرْجُونُ ‏ابْنِ طَابٍ
فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ نُخَامَةً فَحَكَّهَا‏ ‏بِالْعُرْجُونِ، ‏ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يُعْرِضَ اللَّهُ عَنْهُ؟» قَالَ: فَخَشَعْنَا، ثُمَّ قَالَ:
«أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يُعْرِضَ اللَّهُ عَنْهُ؟»، قَالَ: فَخَشَعْنَا ثُمَّ قَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يُعْرِضَ اللَّهُ عَنْهُ؟» قُلْنَا: لا أَيُّنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: «فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ ‏ ‏يُصَلِّي فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قِبَلَ وَجْهِهِ فَلا يَبْصُقَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلا عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَ رِجْلِهِ الْيُسْرَى
فَإِنْ‏ ‏عَجِلَتْ بِهِ بَادِرَةٌ، ‏فَلْيَقُلْ بِثَوْبِهِ هَكَذَا»، ثُمَّ طَوَى ثَوْبَهُ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ؛ فَقَالَ: «أَرُونِي عَبِيرًا»، فَقَامَ فَتًى مِنْ الْحَيِّ ‏‏يَشْتَدُّ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ‏
بِخَلُوقٍ ‏فِي ‏رَاحَتِهِ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏فَجَعَلَهُ عَلَى رَأْسِ ‏الْعُرْجُونِ ‏ثُمَّ ‏لَطَخَ بِهِ عَلَى أَثَرِ النُّخَامَةِ؛ فَقَالَ‏ ‏جَابِرٌ:‏ ‏فَمِنْ هُنَاكَ جَعَلْتُمْ ‏‏الْخَلُوقَ ‏فِي مَسَاجِدِكُمْ".
فمع أن الموقف قد آذى رسول الله، وليس فيه توقيرٌ للمسجد، إلا أن رسول الله من رحمته لم ينفعل، ولم يسأل
عن الفاعل، ولكن علَّمهم بهدوء ما ينبغي عليهم أن يفعلوه، بل وأزال بنفسه النخامة وطيَّب مكانها.
حِلْمُ الرسول
وأختمُ هذا المبحث بموقف مشهور، ولكنّه آية من آيات رحمته، فلا يقدر على ذلك فعلاً إلا نبي !!
يقول أنس بن مالك: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ‏ ‏‏ ‏إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ ‏أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ‏: ‏مَهْ ‏مَهْ.
قال: قال رسول الله: «لا تُزْرِمُوهُ ‏دَعُوهُ»، فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏ ‏دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ
وَلا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ» أَو كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏قَالَ فَأَمَرَ رَجُلاً مِنْ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ ‏فَشَنَّه عَلَيْهِ"
ووالله إنه لموقف نادر حقًّا !!
إن أَحْلَمَ الناس في هذا الموقف سيكتفي بأن يأمره بأن يقطع بوله، فكفاه ما فعل بمسجد رسول الله
وقد هَمَّ الصحابة أن يقوموا بذلك فعلاً مع حلمهم المشتهر وأدبهم المعروف.
لكن رسول الله أتى بما لم يأتِ به الأولون والآخرون !
لقد تعاظمت رحمته حتى شملت هذا الأعرابي، الذي لم يتخلَّق بعدُ بأخلاق المدينة
بل ظل على جفاء البادية، أي رحمة هذه التي نتحدث عنها !!
أترانا لو بحثنا عن مثل هذه المواقف في تاريخ الأمم هل سنصل إلى شبيه أو مثيل ؟!
إن الإجابة على هذا السؤال توضح الفارق الجليِّ بين أخلاق عامة البشر وأخلاق النبوة
وصدق الله العظيم إذ يقول: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء:107].

د. راغب السرجاني

الأمير
12-21-2020, 06:44 PM
أحسنتم بآرك الله فيكم
وجزآكم الله خير
وجعله في ميزآن حسنآتكم

شيخة رواية
12-21-2020, 07:35 PM
:f15:
موضوع في قمة الخيااال
طرحت فابدعت
دمت ودام عطائك
ودائما بأنتظار جديدك الشيق
:f15:

بنت الشام
12-21-2020, 09:47 PM
يسسسلمو ع المرور الجميل

فرآشه ملآئكيه
12-21-2020, 11:39 PM
طرح رااقي

يسلمووو دياااتك

بنت الشام
12-22-2020, 12:40 AM
لكم الشكر والتقدير على هذا المرور الكريم
يسعدني ويشرفني مروركم العطر
دمتم بحفظ الله

raneem
12-22-2020, 04:40 AM
_





جزاك الله كل خير ..
دمت بحفظه ..

شيخة الزين
12-22-2020, 06:06 AM
أَثابَك الْلَّه خَيْر الْثَّوَاب ,,
وَلَا حَرَمَك,,اجْر مَاقَدَّمَت وَاجْر مِن اسْتَفَاد مِنْهَا
دُمْت بِحِفْظ الْلَّه وَتَوْفِيْقِه,,

بنت الشام
12-22-2020, 08:35 AM
يسسسلمو ع المرور الجميل

بنت الشام
12-22-2020, 02:55 PM
طرح رااقي

يسلمووو دياااتك


منورين

نور القمر
12-22-2020, 03:24 PM
جلب راقي وانتقاء مميز
بوركت جهودك المثمرة
ولا حرمنا عطائك
ودي ..

خالد الشاعر
12-22-2020, 03:30 PM
جزاكى الله خير وجعله بموازين حسناتكِ
لا عدمناا حضووركِ
لروحكِ احترامي وتقديري

ڞــمۭــۃ ۛ ּڂۡــڣــﯟڦ ❥
12-22-2020, 05:13 PM
,,~

جَزآگ اللهُ خَيرَ آلجَزآءْ..،
جَعَلَ يومَگ نُوراً وَسُروراً
وَجَبآلاُ مِنِ آلحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحوراً..
جَعَلَهُا آلله في مُوآزيَنَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآعَطآئُگ..
دُمْت بــِطآعَة الله ..~

,,~

حكاية حب
12-22-2020, 07:26 PM
جزاك ربي خير الجزاء
ونفع الله (https://hwazen.com/vb/t361.html)بك وسدد خطاك
وجعلك من أهل جنات النعيم

بنت الشام
12-22-2020, 07:56 PM
منووورة
يسعد ئلبك:248:

رُّوحي بروحهُ
12-23-2020, 02:46 PM
جزاك الله كل خير


..

بنت الشام
12-23-2020, 02:51 PM
كل الشكر ع حضوركن الرااائع

hmsraqi
12-23-2020, 10:05 PM
جَزَاك اللَّهُ خيـر الْجَزَاء
وَبَارَكَ اللَّهُ فِيك وَنَفَع بِك
أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَكْتُبَ أَجْرَك
وَيَرْفَع قَدْرُك ويشرح صَدْرِك
تحيتي وَتَقْدِيرِي .
https://b.top4top.io/p_17803l95x1.gif

بنت الشام
12-23-2020, 10:09 PM
بشكرك ع المرور

بنت الشام
12-23-2020, 10:21 PM
يسلم دياتكن ع الحضور الجميل

روحي تبيك
12-26-2020, 11:40 AM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورالإيمان
أحترآمي لــ/سموك

هالة
12-27-2020, 07:08 AM
رائع ماتقدموه من ابداع جميل
ننتظر المزيد منكم
لكم مودتي

بنت الشام
12-27-2020, 11:04 AM
بشششكركن ع المرور:rose::rose:

tarhal
12-30-2020, 02:02 PM
.,






جزاك الله خير
:eq-32:

بنت الشام
12-30-2020, 02:16 PM
بشكركن ع المرور

ابوصالح S
01-06-2021, 12:29 PM
جزاك الله خير الجزاء
وشكرا لطرحك الهادف و اختيارك القيم
وجعل ما كتب فى موازين حسناتك

بنت الشام
01-06-2021, 12:35 PM
بشششكركن ع المرور:114:

:114:

بنت الشام
01-06-2021, 12:36 PM
بشششكركن ع المرور:114:

:114:

دلوعة عشق
02-05-2021, 09:58 PM
يعطيك ربى الف عاااافيه على الطرح المفيد
جعله الله فى ميزان حسناتك يوم القيامه
وشفيع لك يوم الحساب
شرفنى المرور فى متصفحك العطر
دمت بحفظ الرحمن

دلوعة عشق
02-07-2021, 11:19 AM
يعطيك العافيه على الطرح القيم والرائع
جزاك الله كل خير وجعله فى ميزان
حسناتك يوم القيامه تسلم
الايادى وبارك الله فيك
دمت بحفظ الرحمن

بنت الشام
02-17-2021, 02:16 PM
يسلمو ع المرور

Şøķåŕą
02-06-2023, 03:07 PM
جزاك الله خير