دره العشق
11-23-2020, 08:22 PM
(https://forums.graaam.com/634297.html#)
إخوة الإيمان، السنة النبوية هي كُل ما وَرد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ أو سيرةٍ، أو صفة خَلقية أو خُلقية، وقد نُقلت إلينا السيرة بطرقٍ صَحيحة واضحة؛ حيث تُعد سيرة المصطفى وسنته من أظهر السير بين الأنبياء والرسل مُنذ بداية حياته وحتى مماته، وقد جاء في سيرته الإخبار عن مولده ومنشأه، ووصفه خَلقًا وخُلُقًا، ووصف أزواجه وأصحابه وصفاته النبوية، ومواقفه مع الآخرين، والحوادث والمَعارك التي خاضها قبل الإسلام وبعد الإسلام، والأحكام التي نقلها عن الله فيما يخص الشريعة وتفصيلاتها بكلامٍ نُقل إلينا عن طريق سلسلة من الرجال.
أولًا: الاعتصام بالكتاب والسنة نجاة للعبد من مضلات الفتن:
أيها الإخوة الأحباب، إن الاعتصام بالسنة نجاة من مضلات الفتن، وما أدراك ما الفتن، فتن الشبهات، وفتن الشهوات، وفتن الأهواء، فكم من أناس ضلوا الطريق، وحادوا عن الصراط المستقيم بسبب الانحراف والزيغ عن سُنة الحبيب صلى الله عليه وسلم، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (َقد تركت فِيكُم مَا لن تضلوا بعده إِن اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كتاب الله، وَأَنْتُم تسْأَلُون عني، فَمَا أَنْتُم قَائِلُونَ؟ "قَالُوا: نشْهد أَنك قد بلغت، وَأديت وَنَصَحْت"، وَقَالَ بإصبعه السبابَة يرفعها إِلَى السمَاء وينكتها إِلَى الناس: "اللهُم اشْهَدْ، اللهُم اشْهَدْ" ثَلَاث مَرات 1.
فلا نجاة لك أيها الأخ المبارك من بحار الشهوات ومن صحراء الأهواء، إلا بالاعتصام بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال الزهري: الاعتصام بالسنة نجاة 2.
أخي المسلم، احذر أن تترك السنة وأن تتبع البدعة، فتغرق في بحار الشبهات والشهوات، فلا عاصم لك إلا إذا اعتصمت بالكتاب والسنة، عن ابن وهب أنه قال: "كنا عند مالك بن أنس، فذكرت السنة، فقال مالك: السنة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق. 3.
وتأملوا أيها الإخوة في حال صديق هذه الأمة، كيف يعتصم بالسنة، ويخشى إن تركها أن يزيغ قلبه، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: لست تاركًا شيئًا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، إني أخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ 4.
قال الله عز وجل: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].
وقال سبحانه وتعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].
ثانيًا: الاعتصام بالسنة سبيل الهداية ودليل الولاية:
قال الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللهِ الذِي لَهُ مَا فِي السمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: 52، 53].
وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرسُولَ فَإِنْ تَوَلوْا فَإِنمَا عَلَيْهِ مَا حُملَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُملْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرسُولِ إِلا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 54].
قال بعض السلف: من أمر السنة على نفسه قولًا وفعلًا، نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه قولًا وفعلًا، نطق بالبدعة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ﴾.
ثالثًا: الاعتصام بالسنة نجاة من الذل والصغار:
وهل ما نحن فيه من ضَعف وهوان إلا بسبب أننا نحَّينا سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم، وطلبنا العز في غير ما أعزنا الله تعالى؟ قال تعالى فيمن خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63].
هذا يدل على أن العز والرفعة في الدنيا والآخِرة بمتابعة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لامتثال متابعة أمر الله تعالى؛ قال تعالى: ﴿ وَلِلهِ الْعِزةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8]، وقال تعالى: ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزةَ فَلِلهِ الْعِزةُ جَمِيعًا ﴾ [فاطر: 10]؛ فالذلة والصغار تحصل بمخالفة أمر الله.
قال ابن رجبٍ الحنبلي رحمه الله: "ومن أعظم ما حصل به الذل من مخالفته أمرَ الرسول صلى الله عليه وسلم: تركُ ما كان عليه من جهاد أعداء الله، فمَنْ سَلَكَ سبيلَ الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد عَز، ومَنْ تَرَكَ الجِهادَ مع قُدْرَتِه عليه ذَل.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا تبايَعْتُم بِالعِينَة، وأخَذْتم أذنابَ البَقَر، ورَضِيتم بالزرْع، وتركتم الجهاد - سلَّط الله عليكم ذُلًّا لا يَنزعه حتى ترجِعوا إلى دينكم) . 5
رابعًا: الاعتصام بالسنة نجاة من الفرقة والاختلاف:
إخوة الإسلام، لقد أمرنا الله تعالى في غير ما آية من كتابه بالاعتصام والاتحاد، فقال رب العباد: ﴿ وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتبِعُوهُ وَلَا تَتبِعُوا السبُلَ فَتَفَرقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصاكُمْ بِهِ لَعَلكُمْ تَتقُونَ ﴾ [الأنعام: 153]، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِن اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاَثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» . 6
إخوة الإيمان، تأملوا في وصيتة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته؛ قَالَ الْعِرْبَاضُ: صَلى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ ثُم أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَن هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا، فَقَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسمْعِ وَالطاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِى فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنتِي وَسُنةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيينَ الراشِدِينَ، تَمَسكُوا بِهَا وَعَضوا عَلَيْهَا بِالنوَاجِذِ، وَإِياكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِن كُل مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُل بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ» 7
خامسًا: الاعتصام بالسنة نجاة من عدم القبول:
واعلم بارك الله فيك أن الاعتصام بالسنة سبب لقبول الأعمال والطاعات ونجاة من الرفض وعدم القبول، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ قَالَ: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَد) 8، والحديث يدل بمنطوقه على أن كل عمل ليس عليه أمر الشرع، فهو مردود، ويدل بمفهومه على أن كل عمل موافق للشرع، فهو مقبول.
وقال حافظ حكمي رحمه الله:
شرط قَبول السعي أن يجتمعا
فيه إصابةٌ وإخلاص معَا
لله ربِّ العرش لا سواه
موافق للشرع الذي ارتضاه
وكل ما خالف للوحيين
فإنه ردٌّ بغير مين
إخوة الإيمان، السنة النبوية هي كُل ما وَرد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ أو سيرةٍ، أو صفة خَلقية أو خُلقية، وقد نُقلت إلينا السيرة بطرقٍ صَحيحة واضحة؛ حيث تُعد سيرة المصطفى وسنته من أظهر السير بين الأنبياء والرسل مُنذ بداية حياته وحتى مماته، وقد جاء في سيرته الإخبار عن مولده ومنشأه، ووصفه خَلقًا وخُلُقًا، ووصف أزواجه وأصحابه وصفاته النبوية، ومواقفه مع الآخرين، والحوادث والمَعارك التي خاضها قبل الإسلام وبعد الإسلام، والأحكام التي نقلها عن الله فيما يخص الشريعة وتفصيلاتها بكلامٍ نُقل إلينا عن طريق سلسلة من الرجال.
أولًا: الاعتصام بالكتاب والسنة نجاة للعبد من مضلات الفتن:
أيها الإخوة الأحباب، إن الاعتصام بالسنة نجاة من مضلات الفتن، وما أدراك ما الفتن، فتن الشبهات، وفتن الشهوات، وفتن الأهواء، فكم من أناس ضلوا الطريق، وحادوا عن الصراط المستقيم بسبب الانحراف والزيغ عن سُنة الحبيب صلى الله عليه وسلم، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (َقد تركت فِيكُم مَا لن تضلوا بعده إِن اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كتاب الله، وَأَنْتُم تسْأَلُون عني، فَمَا أَنْتُم قَائِلُونَ؟ "قَالُوا: نشْهد أَنك قد بلغت، وَأديت وَنَصَحْت"، وَقَالَ بإصبعه السبابَة يرفعها إِلَى السمَاء وينكتها إِلَى الناس: "اللهُم اشْهَدْ، اللهُم اشْهَدْ" ثَلَاث مَرات 1.
فلا نجاة لك أيها الأخ المبارك من بحار الشهوات ومن صحراء الأهواء، إلا بالاعتصام بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال الزهري: الاعتصام بالسنة نجاة 2.
أخي المسلم، احذر أن تترك السنة وأن تتبع البدعة، فتغرق في بحار الشبهات والشهوات، فلا عاصم لك إلا إذا اعتصمت بالكتاب والسنة، عن ابن وهب أنه قال: "كنا عند مالك بن أنس، فذكرت السنة، فقال مالك: السنة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق. 3.
وتأملوا أيها الإخوة في حال صديق هذه الأمة، كيف يعتصم بالسنة، ويخشى إن تركها أن يزيغ قلبه، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: لست تاركًا شيئًا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، إني أخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ 4.
قال الله عز وجل: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].
وقال سبحانه وتعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].
ثانيًا: الاعتصام بالسنة سبيل الهداية ودليل الولاية:
قال الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللهِ الذِي لَهُ مَا فِي السمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: 52، 53].
وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرسُولَ فَإِنْ تَوَلوْا فَإِنمَا عَلَيْهِ مَا حُملَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُملْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرسُولِ إِلا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 54].
قال بعض السلف: من أمر السنة على نفسه قولًا وفعلًا، نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه قولًا وفعلًا، نطق بالبدعة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ﴾.
ثالثًا: الاعتصام بالسنة نجاة من الذل والصغار:
وهل ما نحن فيه من ضَعف وهوان إلا بسبب أننا نحَّينا سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم، وطلبنا العز في غير ما أعزنا الله تعالى؟ قال تعالى فيمن خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63].
هذا يدل على أن العز والرفعة في الدنيا والآخِرة بمتابعة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لامتثال متابعة أمر الله تعالى؛ قال تعالى: ﴿ وَلِلهِ الْعِزةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8]، وقال تعالى: ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزةَ فَلِلهِ الْعِزةُ جَمِيعًا ﴾ [فاطر: 10]؛ فالذلة والصغار تحصل بمخالفة أمر الله.
قال ابن رجبٍ الحنبلي رحمه الله: "ومن أعظم ما حصل به الذل من مخالفته أمرَ الرسول صلى الله عليه وسلم: تركُ ما كان عليه من جهاد أعداء الله، فمَنْ سَلَكَ سبيلَ الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد عَز، ومَنْ تَرَكَ الجِهادَ مع قُدْرَتِه عليه ذَل.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا تبايَعْتُم بِالعِينَة، وأخَذْتم أذنابَ البَقَر، ورَضِيتم بالزرْع، وتركتم الجهاد - سلَّط الله عليكم ذُلًّا لا يَنزعه حتى ترجِعوا إلى دينكم) . 5
رابعًا: الاعتصام بالسنة نجاة من الفرقة والاختلاف:
إخوة الإسلام، لقد أمرنا الله تعالى في غير ما آية من كتابه بالاعتصام والاتحاد، فقال رب العباد: ﴿ وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتبِعُوهُ وَلَا تَتبِعُوا السبُلَ فَتَفَرقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصاكُمْ بِهِ لَعَلكُمْ تَتقُونَ ﴾ [الأنعام: 153]، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِن اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاَثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» . 6
إخوة الإيمان، تأملوا في وصيتة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته؛ قَالَ الْعِرْبَاضُ: صَلى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ ثُم أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَن هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا، فَقَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسمْعِ وَالطاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِى فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنتِي وَسُنةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيينَ الراشِدِينَ، تَمَسكُوا بِهَا وَعَضوا عَلَيْهَا بِالنوَاجِذِ، وَإِياكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِن كُل مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُل بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ» 7
خامسًا: الاعتصام بالسنة نجاة من عدم القبول:
واعلم بارك الله فيك أن الاعتصام بالسنة سبب لقبول الأعمال والطاعات ونجاة من الرفض وعدم القبول، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ قَالَ: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَد) 8، والحديث يدل بمنطوقه على أن كل عمل ليس عليه أمر الشرع، فهو مردود، ويدل بمفهومه على أن كل عمل موافق للشرع، فهو مقبول.
وقال حافظ حكمي رحمه الله:
شرط قَبول السعي أن يجتمعا
فيه إصابةٌ وإخلاص معَا
لله ربِّ العرش لا سواه
موافق للشرع الذي ارتضاه
وكل ما خالف للوحيين
فإنه ردٌّ بغير مين