هو الحقيقةُ الثابتةُ الراسخةُ،
ورغمَ الفِرارِ منه، هو أمامَك ، ولَّيْسَ خلفَك !
هو الموتُ، نهايةُ كُلِّ حيٍّ :
«كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ »..
يحكى أن نبى اللهِ سليمانَ، عليه السَّلامُ،
كَانَ يتأهَّبُ لحضورِ حفلِ زفافِ ابنِ أحدِ الأعيانِ،
فجاءَه مَلَكُ الموتِ، وسألَه عن وِجْهَتِه، فأخبرَه،
فقالَ له: لا تذهبْ ؛ فإنَّنى مُكلَّفٌ بقبضِ رُوحِ العريسِ،
فى هَذِهِ الليلةِ، فوجدَ النبيُّ الكريمُ حَرَجاً فى الذَّهابِ لعُرسٍ،
سيتحوَّلُ إلى مأتمٍ، فلم يذهبْ،
وفى اليومِ التالى، قابلَه والدُ العريسِ مُعَاتباً،
عن عَدَمِ حضورِه، فلم يُجبِ النبيُّ،
لكنَّه عاتبَ مَلَكَ الموتِ، فردَّ عليه المَلَكُ:
كُنتُ ذاهباً فعلًا، لكنَّنى أُمِرْتُ بالتراجعِ،
والسببُ أنَّ عجوزاً فقيرةً،
كانتْ تجلسُ فى مكانِ العُرسِ،
رآها الأبُ، فذهبَ ليسألَها عن حاجتِها،
فأخبرتْه بأنَّها جائعةٌ،
فما كانَ منه إَّلا أنْ أحضرَ لها من الطعامِ المخصَّصِ لكَ،
فلم يطعمْها من طعامِ المحتاجين،
بل من طعامِ الملوكِ،
فدعتِ العجوزُ للعريسِ (بطولِ العمرِ)
فاستجابَ اللهُ الدعاءَ فى الحالِ .
حقاً، صَنائعُ المعروفِ تَقِى مَصارعَ السُّوءِ ..
وفى المقابلِ،
كَانَ لسليمانَ، عليه السَّلامُ، وزيرٌ عظيمُ الشأنِ،
يجلسُ فى مجلسِه، ذاتَ يومٍ، وقتَ الضُحي،
فدخلَ على نبيِّ اللهِ رجلٌ ، فسلَّمَ عليه،
وجعلَ هَذَا الرجلُ، يُحادثُ سليمانَ،
ويَحُدُّ النظرَ إلى هَذَا الوزيرِ،
ففَزِعَ الوزيرُ منه، فلما خرجَ الرجلُ،
سألَ الوزيرُ سليمانَ،
وقالَ: يا نبيَّ اللهِ ! مَنْ هَذَا الرجلُ الذى خرجَ من عندِك؟
قد أفزعنى منظرُه؟ فقالَ سليمانُ:
هَذَا مَلَكُ الموتِ، يتصورُ بصورةِ رجلٍ،
ويدخلُ عليَّ، فارتعدتْ فرائصُ الوزيرِ،
وبكي، وقالَ: يا نبيَّ اللهِ، أسألُكَ باللهِ،
أنْ تأمُرَ الريحَ فتحملُنى، إلى أبعدِ مكانٍ،
إلى الهندِ، فأمرَ سليمانُ الريحَ، فحملتْه،
فلما كانَ اليومُ التالى دخلَ مَلَكُ الموتِ على سليمانَ
يُسلمُ عليه، كما كانَ يفعلُ،
فقالَ له سليمانُ: قد أفزعتَ صاحبى، بالأمسِ،
فلماذا كُنتَ تَحُدُّ النظرَ إليه؟
فقالَ مَلَكُ الموتِ: يا نبيَّ اللهِ، لقد رأيتُ عَجَباً،
إنى دخلتُ عليكَ فى الضُحي،
وقد أمرنى اللهُ أنْ أقْبِضَ روحَه،
بعدَ الظهرِ فى الهندِ، فهالنى أنَّه عندَك،
قالَ سليمانُ: فماذا فعلتَ ؟ فقالَ مَلَكُ الموتِ:
ذهبتُ إلى المكانِ الذى أمرنى اللهُ،
بقبضِ روحِه فيه، فوجدتُه ينتظرُنى،
فقبضتُ روحَه !!
«أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِى بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ» ..
إذن استعدْ، وتَزَوَّدْ ..
تَزَوَّدْ مِنَ التَّقْوَى فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي
إِذَا جَنَّ لَيْلٌ هَلْ تَعِيْشُ إِلَى الْفَجْرِ
فَكَمْ مِنْ فَتى أَمْسَى وَأَصْبَحَ ضَاحِكاً
وَقَدْ نُسِجَتْ أَكْفَانُهُ وَهُوَ لاَ يَدْري
وَكَمْ مِنْ صِغَارٍ يُرْتَجَى طُوْلُ عُمْرِهِمْ
وَقَدْ أُدْخِلَتْ أَجْسَامُهُمْ ظُلْمَةَ الْقَبْرِ
وَكَمْ مِنْ صَحِيْحٍ مَاتَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ
وَكَمْ مِنْ عَلِيْلٍ عَاشَ حِيْناً مِنَ الدَّهْرِ
وَكَمْ مِنْ عَرُوْسٍ زَيَّنُوْهَا لِزَوْجِهَا
وَقَدْ قُبِضَتْ أَرْوَاحُهُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ
لكم خالص تحياتى وتقديرى
الدكتور علـى حسـن