الاختلافُ سُنَةُ اللهِ فى خلقِه
«وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً
وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ..»
وَكَم أَمرٍ تُساءُ بِهِ صَباحاً.
وَتَأتيكَ المَسَرَّةُ بِالعَشيِّ..
هَذَا تماماً ما حدثَ للمعلمِ الأولِ،
صلى اللهُ عليه وسلمَ،
لما آذاه أهلُ الطائفِ، وأدمَوا قلبَه،
قبلَ جسدِه ، صلى الله عليه وسلم،
بكفرِهم وعنادِهم، فى أصعبِ الأوقاتِ على نفسِه،
إذ ماتتْ التقيةُ النقيةُ، أمُ المؤمنين خديجةُ،
رضى اللهُ عنها وأرضاها،
وماتَ سندُه، عمُه أبو طالبٍ .
يأتيه أمينُ الملائكةِ جبريلُ، عليه السلامُ،
فى ليلةٍ ليستْ كأيِّ ليلةٍ، ليلةٍ رقَ ماؤها،
وطابَ هواؤها، وصفتْ سماؤها، ويقولُ له :
السلامُ يُقرِئُك السلامَ، يا رسولَ اللهِ،
ويقولُ لكَ: أنتَ الآنَ على موعدٍ للقاءِ اللهِ.
يا اللهُ ! ما هَذَا الجمالُ؟!
ما هَذَا التكريمُ؟!
ما هَذِهِ العظمةُ؟!
«سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً
مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى
الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»..
تأملِ الكلماتِ، واكتشفِ الإبداعَ :
سُبْحَانَ: أمرٌ خارقٌ للعادةِ، لا تقوى عليه
قُدراتُ البشرِ، بل ربُ البشرِ وحدَه،
دونَ غيرِه، والمعني: أنَّ الرحلةَ
كانتْ بالروحِ والجسدِ معاً، إذ لو كانتْ بالروحِ فقط،
لما بدأَ بسُبْحَانَ، ولما كانَ تكذيبُ الكافرين لها،
فلا يُكَذَبُ الإنسانُ على ما يراه فى نومِه،
مهما بلغتْ درجتُه..
أَسْرَى: الفعلُ هُنا للهِ، وليسَ لرسولِه ،
صلى الله عليه وسلم،
تأكيداً لتفردِ القدرةِ، وما دامَ الفعلُ للهِ،
فلا يجوزُ إخضاعُه لمقاييسِ الزمنِ العاديةِ لدى الإنسانِ.
وإذا كانتْ قوانينُ البشرِ تقولُ:
إنَّ السرعةَ تتناسبُ عكسياً مع الزمنِ،
وفقاً لقانونِ الفيزياء، الزمن = المسافة/ السرعة.
فمدةُ رحلةِ الطائرةِ، أقلُ منها للسيارةِ،
أقلُ منها للسيرِ على الأقدامِ.
والسرعةُ التى يستخدمُها اللهُ = (ما لانهاية)
عندئذٍ يتضاءلُ الزمنُ ليُصبحَ (صفراً)
لأنَّ أى قسمةٍ على ما لانهاية = صفراً،
وبذلكَ،
لازمنَ على الإطلاقِ !
أما الرسولُ (صلى الله عليه وسلم)
فيحتاجُ كى يرى هَذِه المشاهدَ الكثيرةَ والخطيرةَ،
قدراً من الوقتِ، ومن هُنا جاءتْ (لَيْلاً)
أى سويعاتٌ فقط، جزءٌ يسيرٌ من الليلِ.
بِعَبْدِهِ : هى رحلةٌ تكريمٍ وتشريفٍ وتسريةٍ،
للعابدِ الأعظمِ ،صلى الله عليه وسلم،
والعبوديةُ للهِ، عِزٌّ وشرفٌ، يأخذُ بها العبدُ خَيْرَ سيدِه،
أما عبوديةُ البشرِ للبشرِ، فمهانةٌ ومذلَّة،
حيثُ يأخذُ السيدُ خَيْرَ عبدِه،
ويحرمُه ثمرةَ كَدِّه.
لَيْلاً: وليسَ نهاراً، لتبقى المعجزةُ غَيباً،
يُختَبرُ بها الإيمانُ الصادقُ، ولذلكَ صدقَ أبو بكرٍ،
وتهكَم أبو جهلٍ !
ترسخَ الإيمانُ فى قلوبِ الصادقين،
وتزعزعت عقيدةُ المنافقين،
وهَذَا مطلوبٌ جداً، قبلَ الهجرةِ،
وبدايةِ بناءِ الدولةِ، فلا مكانَ للمتخاذلين !
لِنُرِيَهُ: ولم يقلْ، ليرى،
فالفعلُ منسوبٌ أيضاً للهِ،
وقدراتِه اللا محدودةِ .
السَّمِيعُ الْبَصِيرُ : بكلِ ما يدورُ،
ويُقالُ ويُنظَرُ إليه، كذلكَ،
يُعطى السمعَ والبصرَ (الخاصين)
لمَنْ أرادَ من خلقِه،
ليسمعَ ما لا يسمعُه غيرُه،
ويرى ما لا يراه غيرُه.
لكم خالص تحياتى وتقديرى
الدكتـور علــى