إنَّ لكُلِّ شىء في هَذَا الوجودِ حداً،
أما جمالُ الْقُرْآنِ الكريمِ، فلا حدَ له ،
جميلٌ في معناه، جميلٌ في مبناه ،
جميلٌ في ظاهرِه ، جميلٌ في باطنِه،
إذا أردتَ أنْ تضعَ حداً لوسامتِه ،
أو مثيلاً لقسامتِه ، أعيتك الحيلُ .
لا ترادفَ في الْقُرْآنِ الكريمِ،
هكذا يؤكدُ أهلُ اللغةِ والبلاغةِ،
وعلي هَذَا استقرَ وجدانُ علماءِ
المسلمين جميعاً. والكلماتُ التي
يُظَنُ أنَّها مترادفةُ،
نجدُ في معناها الكثيرَ من الأمورِ ،
التي تجعلُها مستقلةً، غيرَ مترادفةٍ .
والترادفُ كلمتان أو أكثرُ،
مختلفتان في اللفظِ، لكنَّ المعني واحدٌ،
وهَذَا من بلاغةِ وفصاحةِ اللغةِ العربيةِ .
وفي السطورِ التاليةِ،
أقدمُ بعضَ النماذجِ المحدودةِ،
لتكونَ غيضاً من فيضٍ،
قليلاً من كثير، من إبداعاتِ
كتابِ ربِ العالمين ..
(الخَشيةُ والخوفُ):
حيثُ يُنظَرُ إليهما على أنَّهما
يحملان نفسَ المعني، دونَ اختلافٍ،
والحقيقةُ أنَّ لهما معنيين مختلفين !
يقولُ اللهُ تعالى:
«وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ..»
هُنا، الخَشيةُ معناها،
التعظيمُ والمهابةُ، أما الخوفُ،
فمعناه، الرعبُ والقلقُ .
والْخَشْيَةُ أَشَدُّ مِنَ الْخَوْفِ،
والأخيرُ درجةٌ أقلُ من الْخَشْيَةِ،
ولا تَكُونُ الْخَشْيَةُ إلا مِنْ عَظَمَةِ الْمَخْشِيِّ،
وَإِنْ كَانَ الْخَاشِي نفسُه قَوِياً،
ولذلك وَرَدَتِ الْخَشْيَةُ غَالِبًا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى:
«لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ
خاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ..»
«إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ..»
«إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ
لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ..»
ولَمَّا ذَكَرَ اللهُ تعالي الْمَلَائِكَةَ،
وَهُمْ أَقْوِيَاءُ ، ذَكَرَ صِفَتَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ ،
وقد جُبلوا علي طاعةِ ربِهم،
ولا مجالَ للخطأِ عندَهم،
علي الإطلاقِ،إذ هم معصومون من الذنوبِ،
التي هي أساسُ المخافةِ، فَقَالَ :
يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ
وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ..
فالخوفُ أكثرُ ملاءمةً ..
(العبادُ والعبيدُ):
وَعِبَادُ الرَّحْمَـنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ
عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ..
وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ . العبيدُ:
كُلُّ الناسِ ، المؤمنُ والكافرُ .
العبادُ : المؤمنونَ فقط .
ومنزلةُ المصطفي (ص)
أعظمُ منزلةٍ علي الإطلاقُ،
ورغمَ ذلكَ، وصفَه اللهُ تعالي، بالعبوديةِ :
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً..
فلَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ صِفَةٌ أَتَمُ،
وَلَا أَشْرَفُ، مِنْ الْعُبُودِيَّةِ ؛
لِأَنَّهَا غَايَةُ التَّذَلُّلِ،
وإنْ كانَ نبياً ..
قالَ الصالحون :
وَمِمَّا زَادَنِي شَرَفًا وَتِيهًا وَكِدْت
بِأَخْمَصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا دُخُولِي
تَحْتَ قَوْلِك يَا عِبَادِي
وَأَنْ صَيَّرْت أَحْمَدَ لِي نَبِيَّا
( الغيثُ والمطرُ ) :
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ..
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ
كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ..
المعني مُختلفٌ تماماً ،
إذ لا يُذْكَرُ الغيثُ ،
إلا في مواطنِ الرحمةِ والنعيمِ ،
ولا يُذكرُ المطرُ ،
إلا في مواطنِ الحسابِ والعقابِ ..
نلتقى فى الحلقة القادمة إن شاء الله
خالص تحياتى وتقديرى
و
رمضــــان كريــــــم
الدكتـــور علــــى